أدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي | وَدَعْنِيَ ظمآناً ففي غيرها نَحْبِي |
وإنْ كنتَ تَبغي بالمُدامة ِ نشوة ً | "فعندِيَ" ما يُوفِي على نشوة ِ الضَّربِ |
أَبْيَتُ الهوَى دهرًا، ولمَّا عرفتُه | عرفتُ مطاعَ الأمرِ مُغتَفَر الذّنبِ |
وهيَّمَ إطرابَ الفؤادِ أوانِسٌ | خَلَصْنَ إلى ذاك الممنَّعِ من حُبِّي |
عَلَوْنَ النَّقا يوماً بأوفى من النّقا | ولُثْنَ على أبهَى منَ العَصْبِ بالعَصْبِ |
ونادَمْنَنا وهْنًا بمنعَرَجِ اللِّوى | فضوَّأْنَ للسّارينَ داجِنَة َ السَّهْبِ |
وعانقْنَ قُضباناً من الرَّندِ مرّة ً | بأيدٍ سِباطٍ هنَّ أندى منَ القَضْبِ |
وناعمة ِ الأطرافِ حلّ ودادُها | مكانَ شَغافِ القلبِ من حبّة ِ القلبِ |
دعاني قبولٌ خَلَّفَتْهُ إلى الصّبا | وما كلُّ مَن تَمَّتْ محاسنُهُ يُصْبي |
خُلِقتُ كما شاءَ الصَّديقُ مُحكِّمًا | عليَّ خليلي نازلاً في هوى صَحْبي |
وذمَّ رجالٌ أنَّني غيرُ مُعْجَبٍ | فيا عَجَبًا ماذا يفيدهُمُ عُجْبي؟ |
"ولو" أنّني أزهى بشيءٍ مُنِحْتُه | زهيتُ بفخرِ الملكِ في العُجْم والعُرْبِ |
حياتيَ منه بالمحلّ الذي به | يُحَسِّدُني قَومي ويِغبطُني شَعْبي |
وأَرْكَبني أثباجَ كلّ فضيلة ٍ | مُمَنَّعَة ِ الأرجاءِ محميَّة ِ الغَرْبِ |
ففي خُلقِهِ ذاك المُفَسَّحِ مَرتعي | ومِنْ لفظهِ ذاك المشرِّفُ لي عُشبي |
وكم جهدَ الأعداءُ فيما يسوؤني | فما خوّفوا أََمْني ولا ذَعْذَعوا سِرْبي |
رضينا عن الدُّنيا وأنتَ تركتَنا | بلا سَخَطٍ في ذا الزَّمانِ ولا عَتْبِ |
وجُدْتَ ولم تُسْألْ بكلِّ نفيسة ٍ | وقبلك قومٌ لا يدرّون بالعَصْبِ |
شربنا أُجاجاً مِنْهُمُ وتنازحوا | عنِ الموردِ المورودِ والمنهلِ |
وما نِلْتَهُ إلاّ بحقٍّ أتيتَهُ | وكم نيلَتْ العظمى من الأمر بالغصْبِ |
حلفتُ بمن ضحَّتْ مِنًى يومَ نحرِهمْ | وما عرقوا من أُمِّ سَقْبٍ ومن سَقْبِ |
وبالنّفرِ الثّانين عُقْلَ رِكابِهِمْ | على عَرَفاتٍ يَبتغون رِضا الرَّبِّ |
لقد نالَ فخرُ الملك ما شاءَ من عُلاً | حَلَلْنَ على أعلى محلِّ منَ السُّحْبِ |
فتى ً لم يزلْ يغدو بِعرْضٍ مُمَنَّعٍ | ومالٍ مُذال لا يُفيقُ منَ النَّهْبِ |
ولم يرضَ سهلَ الأمرِ يرطبُ مسُّه | ولم تلْقَهُ إلاّ على مركبٍ صَعْبِ |
ورام مداه المُترفون وإنّما | يَرومون ما رامَ الوِهادُ منَ الهَضْبِ |
فللّهِ أيّامٌ مَضَين قطعتَها | بلا سَأَمٍ منها على ضُمَّرٍ قُبِّ |
ولا ظِلَّ إلاَّ ما تُفيءُ لك القَنا | ولا زادَ إلاَّ نُجعة ُ الطَّعنِ والضَّربِ |
تصول بعضْبٍ في يديك وخلفَه | من الرأْي ما أمضى وأقضى من العَضْبِ |
فصفْوُكَ لا يُبلى بشيءٍ من القذى | وخِصْبُكَ لا يُمنى بشيءٍ من الجَدْبِ |
وطاولتَ أعماراً طِوالاً فطُلتَها | وأربيتَ حتى نِلتَ ما لم ينلْ مُربِ |
ولا زال هذا العيد يتلوه مثلُهُ | تعاقُبَ أنواءِ السّحابِ على التُّربِ |
ألا مَنْ معيني مِن خليلٍ أَعدُّهُ | على شكرِ نعماءٍ أَتَتْني بلا كسْبِ؟ |
تجشَّم خيرُ الناس طُرًّا عِيادتي | فجاءَ بما حَسْبي به شَرفًا حَسبي |
ولم يَعرفوا شُكرًا لها ولربِّها | فلم يُعْلمونا كيف نشكرُ في الكُتْبِ؟ |
فإنْ أَعْيَ عن شكرٍ لها من صنيعة ٍ | فذلك من ذنبِ البلاغة ِ لا ذَنبي |