أفعى الأسى طرقت وغاب الراقي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أفعى الأسى طرقت وغاب الراقي | فأنا اللديغُ وأدمعي درياقي |
باتت تساورُ وهي غير ضئيلة ٍ | حتى رشحن بسمّها آماقي |
لا راق نفسي العيشُ بعدك ليلة ً | ضربت عليَّ بأسدف الأرواق |
أثكلتنيها يا ثكلتك قبلها | غرراً أعزَّ عليَّ من أحداقي |
فأعدت لي في فقد أطيب معرقٍ | في المجد مفقدَ طيّب الأعراق |
ذهباً بأيام خطرت مع الهوى | لوقتْك من دمها العفاة ُ بما وقى |
زمناً لبستُ حريرها ونضوتها | عن جدَّة ٍ وأبيك لا الأخلاق |
فلأندبن اليوم صالحَ عهدها | ولأبكين نفائسَ الأعلاق |
ولأحلبنَّ من الشجون حشاشتي | دمعاً كمندفق الحيا المهراق |
أمرقصاً دمعي وأخلاقي معاً | بنشائد «الخنساء» لا «إسحاق» |
فرّق بأقتلها مجامعَ أضلعي | إنَّ المكارم آذنت بفراق |
قتلت أسى ً لأغرَّ لولا جودُه | قتل الزمان بنيه من إملاق |
فأزلْ بنعيك في الورى رمق الورى | فالموتُ زال بممسك الأرماق |
هذا "أبو حسن" استقلَّ مشيَّعاً | لكن بنعشٍ لا متون عتاق |
ومشت وراء سريره من هاشمٍ | غلبُ الرقاق خواضع الأعناق |
متماسكين من الحياء تهافتت | قطعاً قلوبُهم من الإقلاق |
يا راحلاً بالصبر حمَّل قومَه | عبثاً من الأرزاء غير مطاق |
خرجتْ تمنّي لو بهاشم كلّها | خرجت وأنت لمجد قومك باقي |
فلو افتدى بسواه غيرُك أو وقى | من حدِّ أسياف المنيَّة واقي |
لو قتْك من دمعها العفاة ُ بما وقى | بوفاء ماء سماحك الرقراق |
ولغيَّمت بالنقع دونك هاشمٌ | حتى تسدَّ مطالع الآفاق |
وأتتك ترعد بالصواهل واغتدت | بالبيض تبرقُ أيَّما إبراق |
ولأمطرت بدمٍ سقت شوك القنا | منه بأغزر وابلٍ دفّاق |
ولقارعت عنكَ الردى وشعارها | أنا من أمرَّ اليوم طعمَ مذاقي |
ولأقبلتْ بك يا عميدَ سراتها | والموت بين يديك رهنُ وثاق |
وأظن أنك والتكرّم شأنكم | كرماً تمنُّ عليه بالإطلاق |
فيردن أفئدة ٌ لهنَّ لظى الجوى | لم تبقِ باقية ً على الإحراق |
لكن دُعيتَ وأيُّ خلقٍ لم يكن | ليجيب دعوة قاهرٍ خلاّق |
فمضى الردى بك راغباً بطلاقها | دنياً تجدُّ تبعلاً بطلاق |
معشوقة ٌ وهي الملالُ وإنها | لعلى الملال كثيرة العشاق |
سارٍ على أيدٍ رفعن برفعها | منك البنان مفاتح الأرزاق |
اعتقن من رقَّ الزمان كرامه | فجمعن بين الرقِّ والإعتاق |
ودعت وقد رفعت عقيرتها العُلى | الله أين بمثقل الأعناق |
فبرغم أنفى اليوم حطَّك في الثرى | مَن كنت أرفعه على الأحداق |
فلو استطعتُ عن التراب رفعته | بالوضع بين ترائبٍ وتراقى |
واهاً لتربة ذلك الجدث الذي | فيه دفنت مكارم الأخلاق |
مصت ندى تلك البنان فأعطشت | عودَ الرجاء وكان ذا ايراق |
إيهاً صروف الدهر دونك في الورى ابـ | ـتدرى بلا فرقٍ ولا اشفاق |
غطي التراب على قريعك وابرزي | في الناس كاشفة ً لهم عن ساق |
قدرٌ رمى شجرَ العلوم بمعطشٍ | فشكت أعاليه جفاف الساق |
وذوى وزال عن القلوب لفقد مَن | قد كان بحراً والقلوبُ سواقى |
سُلبتْ نضارته وغودر عن يدي | طلاّبه متساقطَ الأوراق |
يا نازلاً غرف الجنان وباركَ الـ | ـصبَّ المشوق بقاتم الأعماق |
وفدت عليك صلاة ُ ربك شائقاً | منعت إليه وفادة َ المشتاق |
فاذهب وحسبُك للعلى "بمحمدٍ" | فعلاه لا يرقى إليها الراقى |
عرجت به لسماء فضلك همة ٌ | قالت: أجلُّ من البراق براقي |
هذا الذي ورث النبوَّة علمَها | ومن الإمامة حل أيَّ رواق |
ولقد أقولُ لمن بغاه بضغنه | أقصرْ فلستَ تناله بلحاق |
عجباً طمعت بمن يروضك عالماً | إنَّ القلوب تراضُ بالإرفاق |
لا تقرَّبن الصلَّ نضنض مطرقاً | فالصلُّ سورته مع الإطراق |
هو و«الحسين» كلاهما قمرا عُلى | في فتية ٍ هم أنجم الآفاق |
من كلّ نهاض العزائم حائزٍ | قصبَ الرهان بيوم كلِّ سباق |
خطبت لهم بكر العُلى وهمُ لها | جعلوا جميل الذكر خيرَ صداق |
فبنوا بخير عقيلة ٍ ما راعها | صرفُ النوائب منهم بطلاق |
لولاهم غدت القلوبُ كمضغة ٍ | بلهى الخطوب تلاكُ بالأشداق |
ولأطبقت ظلمُ الرزيَّة واختفى | ضوءُ السلوِّ بذلك الإطباق |
فهم البدورُ تفاوتت بطلوعها | في المجد لا في التمّ والإشراق |
المجدُ أطلعها وقال معوّذاً | لا نِيْلَ باهرُ مجدكم بمحاق |