وصلت ورَيعانُ الشبيبة ِ مونقُ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
وصلت ورَيعانُ الشبيبة ِ مونقُ | وجفت وقد لبس المشيب المفرقُ |
والغيدُ طوعَ نسيمِ رَيعانِ الصِبا | يهتّزُّ غصن شبابهنَّ المورق |
والشيبُ إن حطَّت عقابُ نهاره | فغرابُ ليلة ِ وصلهنَّ محلَّق |
أدرت فتاة ُ الحيِّ أنّي مذ نأت | قلبي أسيرُ هوى ً ودمعي مُطلق |
أنا والجوى والدمعُ وهي ومُهجتي | طوعُ البِعادِ مغرّبٌ ومشرّق |
عافت أخا دمعي العقيق وثغرُها | أمسى يَضيءُ به أخوه الأبرق |
لله موقفنا صبيحة َ أجمعت | بينا له جزعاً بريقي أشرق |
ومسكتُ قلبي كي يقرَّ وإنّه | ليكادُ يلفظه الزفيرُ فيحرق |
وكظمتُ أنفاسي الغداة َ وفوقَها | كادت مجامعُ أضلعي تتفرَّقُ |
جاذبتُها فضلَ الرداءِ فأقبلت | بالعُنف تجمعُ ما جذبتُ وأرفق |
ومذ استقلَّ بها الفراقُ دعوتُها | بالدمع إذ هو من لِساني أطلق |
الله ياذات النظاقِ بواجمٍ | لسُنُ المدامعِ عن جواه تنطِق |
وتذّكري عهدَ المودَّة ِ بيننا | أيّامَ أوقاتي بلهوِكِ تُنفق |
متألّفين بحيث لاظلُ الهوى | صاحٍ ولا صفوُّ الودادِ مرنَّق |
في روضة عذراءَ لم يبرح بها | يمري مذانبه الغمام المغدق |
يسري النسيمُ عليلة ٌ أنفاسُه | فيها بنشرٍ من عبيرك يعبَق |
وعيون نرجسُها المُندّى غازلت | منكِ المحيّا وو شمسٌ تشرق |
فكأَنَّ في أجفانِهنَّ الطلَّ من | أنوار وجهكِ أدمعٌ تترقرق |
ولهوتُ منكِ بذات خدرٍ زانَها | ثوبُ الشبابِ الغض لا الاستبرق |
طوراً تعاطيني الحديثَ وتارة ً | راحاً بها شملُ الهمومِ يفرَّق |
قالت وقد عاقرتُها من كفِّها | صرفاً لها نورٌ يروقُ ورونق |
ألها نظيرٌ، قلت خلقُ «محمَّدٍ» | في لُطفه منها أرقُّ وأورق |
خلقٌ لأبلجَ غير معقودِ الندى | ديمُ الغمامِ غدت به تتخلَّق |
عذبتُ بفيه نعم فليس بغيرها | يلقى الذي من جُوده يسترزق |
ويدّ أنَّ بكلّ منبتِ شعرهِ | منه بقول نعم لسانٌ ينطق |
أثرى من الحسب الكريم وكلّ من | أثرى بلا حسبٍ مقلٌّ مملق |
فانظر لمن عُرُبُ القوافي في الورى | تُنشى وأبكارُ المعاني تخلق |
ما فيهم إلاّ محمَّد صالحٌ | بالمدح جيدُ علائِه يتطوَّق |
المستجارُ من الزمان بظلِّه | إن جاءَ يرعدُ بالخطوب ويبرق |
والمستضاءُ بوجهه إن يدجُ من | دًُهُم الحوادث ليلهنَّ الأورق |
ومسدُد الآراءِ أسهُم رأيه | غرضَ القضايا الغامضاتِ تطبّق |
يقضانَ قد سبرت تجارب حزمه | غورَ الزمانِ بأيِّ فنِّ يطرق |
إن أبهمت يوماً مطالعُ شبهة ٍ | عمياءَ فيها الحقُّ لا يتحقّق |
يغشى نُعاسُ الجهلِ تحت ظلامها | بصرَ القلوبِ المدركاتِ فتخفق |
فعمودُ صبحِ بيانِه بضيائِه | غسقَ العمى لذوي البصائر يَفلِق |
وإذا تحيّرت العقولُ بمشكلٍ | صعبٍ مجال الوهم فيه ضيّق |
جَمعَ العقولَ على الصواب بحجّة ٍ | فيها احتمال الريبِ لا يتطرّق |
فمن السكينة ِ والوقارِ سكوتُه | وله المقالُ الفصلُ ساعة َ سنطق |
وعُلاؤه الآفاقُ ضِقنَ بعظمها | وبعظمِ معجزه البسيطة ُ أضيق |
إمّا أقامَ فمنه طرفُ الناس في | قرّت بإنسانيهما عيناكما |
وبأيّ أرضٍ قد سرى ففعاله | عن أهلها عين الحوادثِ تطبق |
فالناسُ في جدواه شخصٌ واحدٌ | وبمدحه الدنيا جميعاً تنطق |
ونداه لو سكتوا لنوَّه باسمه | إنَّ الندى لهو الخطيبُ المفلق |
وإذا ترادفت المحولٌ تشعّبت | منه غمائمُ للبلاد تطبّق |
وغدا يرفُّ على البريّة ظلُّها | وبرَّيق النعماءِ فيهم تغدق |
حتّى تمجُّ الأرضُ ماءَ نعيمها | ريّا وبالعشب الثرى يتشقّق |
فتبيتُ حالية َ بوشي ربيعها | ولساكنيها العيشُ غضًّا يونق |
مننٌ تفوت الواصفينَ وإنّما | وصفُ الأنامِ ببعضها يستغرق |
وإذا انتمى فلدوحة الشرف التي | تنمو على مرِّ الزمانِ وتورق |
وشجت قديماً سارياتُ عروقها | حيث المجرّة ُ نهرُها يتدفّق |
فاصولُها فوقَ السما وفروعُها | شرفاً إلى مالا نهايَة تبسق |
وطريفُ علياهُ يريك تليدها | فمن المكذِّبُ والطريفُ مصدّق |
لا كالذي بينَ البريّة أصلُه | خرٌ على عَلكِ اللسان يُلفَّق |
مَلِكٌ على أُولى الزمانِ قبيلهُ | بذوائب الشرف الرفيع تعلّقوا |
طلبوا سماءَ المجد فابتدرت بهم | تسموا قُدامى عزِّهم وتحلّق |
حتى ارتقوا أفلاكها وغدا لهم | دون البريّة غربُها وتحلّق |
وإلى انقطاعِ الدهرِ فخرُ علاهم | أبداً بهالتها الرفيعة محدق |
فكفاهم فخراً بأنَّ عشيرَهم | فيه وفي عبد الكريم معرّق |
فهما معاً كفّا نداً وُصِلا بِهم | وُهُم لتاج العزّ قدماً مِفَرق |
فرعا عُلاهم في حديقة ِ مجدهم | ما أثمراه طيبٌ مستوسق |
ضربا بعرقٍ واحدٍ في طينة ٍ | هي من سواها في المكارم أسبق |
مَثَلانِ مهما راهنا في حلبة ٍ | فغبار شأوهما بها لا يُلحق |
وبكفّ كلّ منهما ما برّزا | في السَبقِ رهنَ ذوي المعالي يغلق |
كالعين تبلغُ أختُها الشأوَ الذي | بلغتهُ إن كلٌّ إلأيه تحدّق |
يا نيّري فلكِ المعالي مَن غدا | لهما بكلّ سماءِ مجدٍ مَشرِق |
وعلى القذى أغضى الحسودُ المحنق | |
فلقد تباشرتِ النفوسُ بأوبة "الـ | ـهادي" وجمَّع أُنسُها المتفرّق |
وسما المكارمِ أشرقت لمّا بدا | نورُ «الحسينِ» بأُفقها يتألّق |
قَدِما معاً والسعدُ طائرُ يمنه | غَرِدٌ يرفُّ عليهما ويرنّفق |
ولئن تشوّقت البلادُ إليهما | فألى لقائِهما المعالي أشوق |
لا مسَّ أيدي الرامياتِ إلى مِنى ً | نَصَبٌ ولا منها عُقِرنَ الأسوق |
فلكعبة البيت الحرام بكعبتي | أملِ العفاة ِ سرت خفائف تُعنِق |
وبثقل أجرهما ثقيلاتُ الخطا | صدرت كأَنَّ لها الرواسي أوسق |
المُحرِمَينِ وإن أحلاّ دائماً | زهداً بما تهوى النفوس وتعشق |
فكأَنَّ كلَّ مقامٍ احتلاّ به | حرمٌ وحجٌّكلَّ يومٍ يخلق |
والركنُ يشهدُ أنَّ كفهما التي | استلمته لا إثمٌ بها متعلق |
نحرا غداة َ النَفرِ هدياً قال لم | ي~~ُقبل سواي لو أنَّ هدياً ينطق |
وسرينَ من حرم الأله جوانحاً | بهما إلى حرم البنيّ الأينق |
بيتٌ لو البيت استطاعَ لجاءَه | بالركن يسعى سعيَ من يتملّق |
فالدهرُ فيه محرِّمٌ فمقصِّرٌ | والفخرُ فيه طائفَّ فمحلِّق |
عكفا به يتمسَّكانِ فناشقٌ | لَثَم الضريحَ ولاثمٌ يتنشَّق |
واستقبلا حرمَ الوصيِّ وإنَّه | حرمُ الإله به الملائكُ تحدِق |
وحمى ً يُجيرُ من السعير لأنَّه | |
فاستشفعا لله فيه ويميمّا | نادٍ بغير العزِّ ليسَ يُروَّق |
رُفعت بأعلا "الكرخ" منه سُرادقٌ | بعلائها العيّوق لا يتعلّق |
جمعَ الصلاحَ على التُقى أطرافهُ | وغدا لواءُ الفخرِ فيه يخفق |
فلتلبس الزوراءُ حلَّة زهوِها | فالعيشُ رغدٌ والهنا مُستوسقِ |
أوما ترى كأَس المسرّة تُجتلى | لعشيرة الشرفِ الرفيعِ وتُدَهق |
عقدوا النديَّ وللوفاءِ محبُّهم | يُنشي المديحَ مُهنياً وينمّق |
والزهرُ من أبنائهم ما بينها الـ | ـندبُ "الرِضا" في خُلقه تتخلّق |
قد أحدقت منه بأزهدِها كما | تمسي بأزهرها الكواكب تُحدق |
تسمو لو احظُهم إليه مُطرِقاً | وإذا سمت منه اللواحظُ تُطرِق |
لو أنصفته الكاشحون بنعله | لتتوجوا ويبشعِها لتمنطقوا |
عبِقت شمائله فما رَيّا للصَبا | ممطورة َ الأنفاسِ منها أعبق |
وجلت محيّا الدهرِ بهجة ُ وجهه | فارتدَّ وهو من النضارة مُشرِق |
وجهٌ يلوحُ عليه عنوانُ النُهى | ويروق فيه من الطلاقة ِ رَونَق |
ومن الخلالِ الصالحات قد احتوى | مجموعَ ما هو في الورى مُتفرّق |
فبعزّه صرفُ الزمانِ مقيدٌ | وبجوده جودُ العفاة ِ مطوّق |
أمراهنيه في الفخار وراءكم | عمّن إذ ابتدرَ المدى لا يُلحق |
ودعوا الندى فله محمدُ جعفرٌ | يسقي رياضَ المكرماتِ فتورِق |
ضرغامُ هيجاءٍ إذا ذُكر اسمه | في يوم روعٍ للجموع تفرّقوا |
خُلِقت أنامل راحتيه أبحراً | يروي بها طوراً وطوراً يغرِق |
نشأت لهنَّ غمائم بين الورى | عشرٌ بوادقها تضيء وتحرق |
في السلم وابلُها النُضار وإنّما | في الحرب وابلُها دمٌ يتدفّق |
ولها تُبسمُه بريقٌ في الندى | وبسيفه يومَ الكريهة تَبرُق |
لو قيلَ يومَ الروعَ من ترِبُ الوغى | لأشارَ من بُعدٍ إليه الفليق |
أو قيلَ أيُّ الناسِ أسبقُ للندى | قلنا "محمدٌ الجواد" الأسبقُ |
لججٌ أسرّة ُ راحتيه ووجهُه | منه سهيلٌ طالعٌ يتألّق |
فاعجب لأنضاء الوفود وأُنسها | بسناه إن وردت وليست تفرُق |
ملأَ الزمان فواضلاً وفضائلاً | بهما يكلُّ من الفصيح المَنطِق |
يا مَن رباعُهم غدت مملوَّة ً | بالوفد من كلِّ الأماكنِ تُطرق |
فتحوا لهم بابَ السماحِ بهنَّ في | زمنٍ به بابُ السماحة ِ مُغلق |
قد زفَّ فكري من عقائِله لكم | عذراءَ ليس لِغيركم تتشوّق |
أَضحت بجيب الدهرِ جَونَة عنبر | في نشر ذكركم تضوعُ وتعبق |
جاءَت كما اقترح الوفاءُ وإن يكن | كثرُ القصيدُ فغيرُها لا يُعشق |
وترى الوفا نفسُ الكريم لأهله | فرضاً ولو بأدائه هي تزهق |
وتمجُّه نفسُ اللئيم ولو لَها | ما دُمتَ بالعسل المصفّى تُلعِق |