أبعد الشباب المنتضى في الذوائب
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أبَعْدَ الَشبابِ، المُنتَضَى في الذّوَائِبِ، | أُحَاوِلُ لُطْفَ الوُدّ عندَ الكَواعِبِ |
وَكَانَ بَيَاضُ الرأس شَخصاً مُذَمّما | إلى كُلّ بَيضَاءِ الحَشا والتّرَائِبِ |
وما انفَكّ رَسْمُ الدّارِ حتّى تَهَلّلَتْ | دُمُوعي، وَحَتّى أكثَرَ اللّوْمَ صَاحبي |
وَقَفْنا فَلاَ الأطْلاَلُ رَدّتْ إجَابَةً، | ولاَ العَذْلُ أجدى في المَشوقِ المُخاطِبِ |
تَمَادَتْ عَقَابيلُ الهَوَى، وَتَطَاوَلَتْ | لَجَاجَةُ مَعْتُوبٍ عَلَيْهِ وَعَاتِبِ |
إذا قُلْتُ: قَضّيتُ الصّبَابَةَ، رَدَّهَا | خَيَالٌ مُلِمٌّ مِنْ حَبِيبٍ مُجَانِبِ |
يَجُودُ، وَقد ضَنّ الألى شَغَفي بهمْ، | وَيَدنو، وقد شَطّتْ دِيَارُ الحَبَائِبِ |
تُرِينيكَ أحْلامُ النّيامِ، وَبَيْنَنَا | مَفَاوِزُ يَستَفرِغنَ جُهْدَ الرّكائبِ |
لَبِسْنا، مِنَ المُعْتَزّ بالله، نِعْمَةً | هيَ الرّوضُ مَوْليّاً بِغُزْرِ السّحائبِ |
أقَامَ قَنَاةَ الدّينِ، بَعدَ اعوِجَاجِها، | وأرْبَى على شَغْبِ العدوّ المُشاغِبِ |
أخو الحزْمِ قد ساسَ الأمورَ وَهذّبَتْ | بَصِيرَتُهُ فيها صُرُوفَ النّوَائِبِ |
وَمُعْتَصِميُّ العَزْمِ يَأوِي بِرَأيِهِ | إلى سَنَنٍ مِنْ مُحكِمَاتِ التّجارِبِ |
تُفَضّلُهُ آيُ الكِتَابِ، وَيَنْتَهي | إلَيْهِ تُرَاثُ الغُلْبِ مِنْ آلِ غَالِبِ |
تَوَلّتْهُ أسْرَارُ الصّدُورِ، وأقْبَلَتْ | إلَيْهِ القُلُوبُ مِنْ مُحِبٍّ وَرَاغِبِ |
وَرُدّتْ، وَمَا كَانَتْ تُرَدُّ بِعَدْلِهِ، | ظُلاماتُ قَوْمٍ، مُظلِمَاتُ المَطَالِبِ |
إمَامُ هُدًى عَمَّ البَرِيةَ عَدْلُهُ، | فأضْحَى لَدَيْهِ آمِناً كُلُّ رَاهِبِ |
تَدارَكَ، بَعْدَ الله، أنْفُسَ مَعْشَرٍ، | أطَلّتْ على حَتْمٍ مِنَ المَوْتِ وَاجِبِ |
وَقَالَ لَعاً للعاثِرِينَ، وَقَدْ رَأى | وثوبَ رِجَالٍ فَرّطُوا في العَوَاقِبِ |
تَجَافَى لهمْ عَنها، وَلَوْ كَانَ غَيرُهُ | لَعَنّفَ بالتّثْرِيبِ، إنْ لم يُعَاقِبِ |
وَهَبْتَ عَزِيزَاتِ النّفُوسِ لمَعْشَرٍ | يَعُدُّونَها أقصَى اللُّهَى، والمَوَاهِبِ |
وَلَوْلا تَلاَفيكَ الخِلاَفَةَ لانبَرَتْ | لها هِمَمُ الغَاوِينَ مِنْ كُلّ جانبِ |
إذاً لادّعاها الأبْعَدُونَ، وَلارْتَقَتْ | إلَيْها أمَانيُّ الظُّنُونِ الكَواذِبِ |
زَمَانَ تَهَاوَى النّاسُ في لَيْلِ فِتْنَةٍ، | رَبُوضِ النّوَاحي، مُدلهمِّ الغَيَاهبِ |
دَعَاكَ بَنُو العَبّاسِ ثَمّ، فأسْرَعتْ | إجَابَةُ مُسْتَوْلٍ على المُلْكِ غالبِ |
وَهَزّوكَ للأمْرِ الجَليلِ، فلَمْ تكُنْ | ضَعيفَ القُوَى فيهِ كَليلَ المَضَارِبِ |
فَما زِلْتَ حتّى أذْعَنَ الشّرْقُ عَنْوَةً، | وَدانَتْ على صِغْرٍ أعَالي المَغَارِبِ |
جيُوشٌ مَلأنَ الأرْضَ حتّى ترَكْنَها | وَمَا في أقَاصِيها مَفَرٌّ لِهَارِبِ |
مَدَدْنَ وَرَاءَ الكَوْكَبيّ عَجَاجَةً، | أرَتْهُ نَهَاراً طَالِعَاتِ الكَوَاكِبِ |
وَزَعْزَعْنَ دَنبَاوَنْدَ منْ كلّ وِجْهَةٍ، | وَكَانَ وَقُوراً مُطمَئِنَّ الجَوَانِبِ |
وَقَدْ أفِنَ الصّفّارُ، حتّى تَطَلّعتْ | إلَيْهِ المَنَايَا في القَنَا والقَوَاضِبِ |
حَنَوْتَ عَلَيْهِ بَعدَ أنْ أشرَفَ الرّدَى | على نَفْسِ مُزْوَرٍّ عنِ الحَقّ ناكِبِ |
تأنّيْتَهُ حتّى تَبَيّنَ رُشْدَهُ، | وَحَتّى اكتَفَى بالكُتبِ دونَ الكَتَائِبِ |
بِلُطْفِ تأتٍّ مِنْكَ ما زَالَ ضَامِناً | لَنَا طَاعَةَ العَاصِي، وَسِلمَ المُحَارِبِ |
فَعَادَ حُساماً عَنْ وَلِيّكَ ذَبُّهُ، | وَحَدَّ سِنَانٍ في عدُوّكَ نَاشِبِ |
بَقيتَ، أميرَ المُؤمِنينَ، مُؤمَّلاً | لغَفْرِ الخَطَايَا، واصْطِنَاعِ الرّغَائِبِ |
ومليت، عبد الله من ذي تطول | كريم السجايا هبرزي الضرائب |
شَبيهُكَ في كلّ الأُمُورِ، وَلَنْ تَرَى | شَبيهَكَ إلاّ جَامِعاً للمَنَاقِبِ |
أُؤمّلُ جَدْوَاهُ، وأرْجو نَوَالَهُ، | وَمَا الآمِلُ الرّاجي نَداهُ بِخَائِبِ |