سأَبكي وأَستبكي عليك المعاليا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
سأَبكي وأَستبكي عليك المعاليا | وأسْكُبُ من عَيني الدموعَ الجواريا |
وأَصْلى لظى نار الأسى كلّما أرى | مكانك ما قد كان بالأمس خاليا |
وإنْ لم يكن يجدي البكاءُ ولم يعدْ | عليَّ الأسى من ذلك العهد ماضيا |
ومن حقِّ مثلي أنْ يذوب حشاشة ً | من الحزن أو يبكي الديار الخواليا |
خلتْ من أبي محمود دار عهدتها | تضيء به أرجاءها والنواحيا |
تنوَّرها من كلّ فجٍّ مؤمّلٌ | وطارق ليلٍ يبتغي العزَّ راجيا |
على ثقة ٍ بالنَّيل مما يرومه | يعاني السُّرى ليلاً ويطوي الفيافيا |
إذا بَلَغَتْ آل الجميل ركابه | فقد فاز بالجدوى ونال الأمانيا |
ولما مضى عبد الغني مَضَتْ به | صنايع برٍّ تستفاض أياديا |
مضى أيها الماضي بك الجود والندى | وأصبحَ روض الفضل بعدك ذاويا |
لئِنْ كنتُ أغدو من جميلك ضاحكاً | لقد رحتُ ألفى موجع القلب باكيا |
وقد كنتُ ألقى الخيرَ عندك كلَّه | إلى أنْ قضى الرحمن أنْ لا تلاقيا |
فقدناك فقدانِ الغمامة أقلعتْ | وقد ألْبَسَتْ برد الربيع اليمانيا |
وكان مرادي أنْ أكون لك الفدى | ولكن أراد الله غير مراديا |
على هذه الدينا العَفا بعد باسلٍ | عقير المنايا يعقر الليث جاثيا |
ولو أنَّ قَرْماً يفتدى من مَنِيَّة ٍ | ويمضي بما يفدي من الموت ناجيا |
فدتكَ صناديدُ الرجال وأرخصتْ | نفوساً أهانتها المنايا غواليا |
لقيتُ بك الأيامَ غرّاً فأصبحت | بفقدك يا شمس الوجود لياليا |
وما كنتُ أخشى أنْ أراعَ بحادثٍ | يجرُّ إليَّ القارعات الدواهيا |
وفي نظر من عين لطفك شاملي | لقد كنتَ مرعيّاً وقد كنتَ راعيا |
وكنتُ إذا يمَّمتُ جودك ساخطاً | على الدهر أمضي من جميلك راضيا |
أمرُّ على ناديك بعدك قائلاً | سُقِيتَ الحيا المنهلَّ بالوبل ناديا |
وأذكرُ ما أَوْلَيْتَني من صنايع | من البرّ معروفاً وما كنت ناسيا |
وكنتُ متى أسعى إليكَ بحاجة | حَمِدْتُ لدى علياك فيك المساعيا |
فيا جَبَلاً ساروا به لضريحه | يطاول بالمجد الجبال الرواسيا |
وفي رحمة الرحمن أصبحتَ ثاويا | |
تبوَّأتَ منها مقعدَ الصدق مكرماً | ونلْتَ مقاماً عند ربك عالياً |
وغودِرْتَ في دار النعيم مخلَّداً | وفارقْتَ إذ فارقْتَ ما كان فانيا |
أناعٍ نعاه معلناً بوفاته | أَسْمَعْتَ أَمْ أَصْمَمْتَ، ويحك ناعيا |
شققت قلوباً لا جيوباً وأذرفتْ | إلى جَنَّة ِ الفردوس والعفو والرضى |
وأسرعتَ إحراقَ القلوب صوادياً | وعاجلتَ إهراق الدموع سواقيا |
رُوَيْدَك ما أبقيتَ بالجود مطمعاً | ولا لذوي الحاجات في الناس راجيا |
نَعَيْتَ إلى العلياء أَفلاذَ قلبِها | وأدميتَ منها مهجة ً ومآقيا |
ومما يريعُ الرُّوحَ قولك بعده | لنفسي بنفسي خاطباً ومناجياً |
فيا ليتني ذقتُ المنيَّة قلبه | ولم أَرَ فيه ما يشيب النواصيا |
صروف المنايا العاديات كأنَّها | تخال الكرام الأنجبين أعاديا |
قضى الله بالأمر الذي قد قضى به | وكان قضاء الله في الخلق جاريا |
أقلِّبُ طرفي بالرجال وأغتدي | لنفسي خاطباً ومناجياً |
تبدَّلتِ الشُّمُّ العرانين والتوتْ | بهم بدهى ً دهياء تُصمي المراقيا |
ولم يَبْقَ في بغداد من لو فقدْتُهُ | أَسَيْتُ له أو كان للحزن آسيا |
لقد زالت الشُّمُّ الرواسي فلم نبلْ | إذا زلزلتْ بعدَ الجبال الرواسيا |
سُقِيتَ الغوادي طالما قد سَقَيْتَني | فما تُدْرَكُ الآمالُ إلاّ أمانيا |
وحيّاك منهلٌّ من المزن رائحاً | وحيَّاك منهلٌّ من المزن غاديا |
ترحَّات عنا لا ملالاً ولا قلى ً | وهل يعرف السلوانُ بعدك ساليا |
وحال الثرى بيني وبينك بالردى | فما تدركُ الآمالُ إلاّ ما أمانيا |
كأَنَّك لم تُولِ ولم تُنِل | جزيلاً ولم تطلق من الأسر عانيا |
عزاءً بني عبد الغنيّ فإنّكم | فقدتم به ظلاً على الخلق ضافيا |
ودِرعاً حصيناً يعلَمُ الله أنَّه | مدى الدهر لم يبرح من الدهر واقيا |
بنى لكم المجد الأثيلَ الذي بنى | ولا تهدمُ الأيام ما كان بانيا |
إذا بزغتْ منه نجومُ مناقبٍ | أباهي بساريها النجوم السوارايا |
لِمَن أنظِمُ الشعر الذي دَقَّ لفظه | ورقَّ أساليباً وراق معانيا |
وما كان يحلو لي القريض ونظمه | إذا لم يكن في ذكره الشعر حاليا |
وأقسمُ لو لامستُ قبرك فالغنى | وحقّك مرجوُّ الحصول به ليا |
أَخَذْتَ المزايا والمكارم كلّها | جميعاً فما أبْقَيْتَ للناس باقيا |
مَضَيْتَ ولم يُعْقِبْ لك الدهر ثانيا | |
يُراعُ بك الخطبُ المهولُ وتُنتَضى | على حادث الأيام عضباً يمانياً |
وكم نعمة أوليتها وحسرة | غَدَوْتُ بها من لوعة البين شاكيا |
إذا نَثَرتْ عيني عليك دموعَها | نظمتُ لأحزاني عليك القوافيا |
وقد كنتُ أشتاق المدائِحَ قبلَها | وبعدك لا أشتاق إلاّ المراثيا |