هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي | برقٌ يمانيٌّ وريحُ شمال |
وترنم الورقاء في أفنانها | ما زاد هذا الصب غير خبال |
وأُشيمُ من برقِ الغُوير لوامعاً | فإخاله تبسام ذات الخال |
زعم المفنِّد أنْ سلوت غرامها | زوراً وما خطر السلوّ ببالي |
ما بالُ أحداق المها من يعرب | فتكت بغير صوارم ونصال |
يرمين في المهج الهوى فتظنها | ترمي القلوب بنافذات نبال |
هيف أنت عالمة بما يخفي الجوى | من كل داء يا أميم عضال |
لله ما فعل الغرام بأهله | والحب في أهليه ذو أفعال |
ولقد أقول لأبلج لا اهتدي | إلاّ بصبح جبينه لضلال |
أبلى هواك حشاشتي وأذابها | لولاك ما أصبحت بالي البال |
بالله يا مؤذي الفؤاد بلومه | جَدّ الغرام فلا تمل لجدالي |
حمّلتني ما لا أطيق وإنّما | حُمّلتُ أثقالاً على أثقالي |
كيف احتيالك في سلوّ متيّم | أعْيَتْ عليه حيلة المحتال |
إنّي أحنُّ إلى مراشف ألعسٍ | أحداقهنّ مصارع الأقيال |
ويشوفني زمن غصبت سروره | رغماً على الأنكاد والأنكال |
أيام نتّخذ المَسَّرة مغنماً | فنبيت نرفل في برود وصال |
ومليكة الأفراح تبرز بيننا | قد كُلِّلَت تيجانها بلآل |
يسعى بها أحوى أغنُّ مهفهفٌ | فترى الغزالة في يمين غزال |
ويحضّنا داعي السرور على طلاً | زفت على الندمان بالأرطال |
ألهو فيطرب مسمعي من غادة | نغم الحليّ ورنة الخلخال |
وألذّ ما يلقى الخليع سويعة | خفيت عن الرقباء والعذال |
أيامها مرّت ولا ندري بها | فكأنها مرّت مرور خيال |
أين الأحبّة بعد أسنمة اللّوى | قد حال من بعد الأحبّة حالي |
سارت ظعونهم وما أدّت لنا | حقاً على الأزماع والترحال |
أقمار أفلاك الجمال تغيَّبت | بعد الطلوع على حدوج جمال |
ما كنت أدري لا دريت بأنه | هول الوداع نهاية الأهوال |
وجهلت يا لمياء قتل ذوي الهوى | حتى بليت بحبّكِ القتال |
سكان وجرة والعذيب وبارق | تحريمكم للوصول غير حلال |
أنتم أسرتم قلب كل متيم | بلحاظ أحوى مائل لملال |
أو يطلقون من الأسار عصابة | غلّتهم الأشواق في أغلال |
ما جرّدت فينا صوارمها النوى | إلاّ لقطع حبالهم وحبالي |
أسفي على عمر تقضّى شطره | في خيبة المسعى إلى الآمال |
ونبات أفكار لنا عربية | رخصت لدى الأعجام وهي غوالي |
يا هذه أين الذين عهدتهم | آساد معترك وغيث نوال |
عجباً لمثلي أنْ يقيم بمواطنٍ | متشابهِ الأشراف بالأنذال |
تقذى نواظره بأوجه معشر | لا يعثرون بصالح الأعمال |
ولعت بهم أيامهم من دوننا | ما أولعَ الأيامَ بالجهّال |
لولا خبال الدهر ما نال الفنى | في الناس ذو بَلهٍ به وخبال |
هم كالبحور الزاحرات وإنني | لم أنتفع من وردهم ببلال |
ذهب الملوك الباذلات أكفهم | بذل لغمام بعارض هطال |
حتى عفت أطلال كل فضيلة | فليبك من يبكي على الأطلال |
وأرى النقيصة شأن كل مبجل | فكمال فضل المرءغير كمال |
وكأنّما الأيام آلت حلفة ً | أن لا أرى في الدهر غير نكال |
وأنا الذي حلَّيتُ أجياد العلى | بعقود ألفاظي ودُرّ مقالي |
إن كنت من حلل الفضائل ناسجاً | أبرادها فانسج على منوالي |
ما فضل أبناء الزمان فضيلتي | كلا ولا أمثالهم أمثالي |
إنّا لنسمع بالكرام فأين هم | هيهات ما هم غير لمع الآلِ |
لولا وجود ابن الجميل وجوده | قلت الزمان من الأكارم خالي |
قرم لراحته وشدة عزمه | جود السحاب وصولة الرئبال |
يعطي_ولم يسأل_ نداه وهكذا | يعطي الكريم ولو بغير سؤال |
وأحقّ خلق الله بالمدح امرؤ | كثرت عطاياه من الإقلال |
خواض ملحمة الأمور بهمّة ٍ | جالت سوبقها بكل مجال |
ضربت به الأمثال في عزماتها | حتى غدا مثلاً من الأمثال |
لا زال يُطلِعُ في سموات العلى | أقمار مجد أو نجوم خلال |
خُلُقٌ يمازجه الندى فكلاهما | كالراح مازجها غير زلال |
يفتر عن وبل المكارم مثلما | يفتر عن وطفاء برق الخال |
وعن المروءة وهي شيمة ذاته | ما حال عند تقلب الأحوال |
يحمي النزيل بنفسه وبماله | يسخو بها كسخائه بالمال |
والخوف يوم الطعن من وشك الردى | كالخوف يوم البذل من إقلال |
إنّ الشجاعة والسماحة حلّتا | منه بأفضل سيّد مفصال |
يرتاح للمعروف إذ هو أهله | فيهش للإنعام والإفضال |
مثل الجبال الراسيات حلومه | أمنَ الأنام به من الزلزال |
عوّل عليه من الشدائد كلّها | واسأل فَثَمَّ محل كل سؤال |
حيث المحاسن قُسّمت أشطارها | فيه على الأقوال والأفعال |
ومهذب سبق المقال بفعله | حيث الفعال نتيجة الأقوال |
ولطالما وعد العفاة فبادرت | يمناه الحسنى على استعجال |
ويمدّها بيضاء يهطل وبلها | ويسيل شامل برها السيال |
يعطي ولامنٌّ ويجزي بالذي | هو أهله وينيل كل منال |
سامٍ إذا ما قست فيه غيره | قست الهضاب بشامخات جبال |
قيل تعاظم كالرواسي شأنه | وكذلك شأن السادة الأقيال |
عزّت أبوَّته وجلّ فنفسه | في العز ذات أبوّة وجلال |
يمّم ذرى عبد الغنيّ فإنّه | لمناخ مجد أو محط رحال |
آل الجميل وأهله ومحله | سادوا البرية في جميل خصال |
الصائنون من الخطوب نزيلهم | والباذلون نفايس الأموال |
فغلت نفوسهم ببذل مكارم | للوفد ترخص كل شئ غال |
فترى على طول المدى أيامهم | يومين يوم ندى ويوم نزال |
يا من سرت عنه سباق محامد | تجتاب بين دكادك ورمال |
فسرت كما تسري نسايمها الصبا | عبقت بطيب نوافج وغوالي |
عن روضة غنَّاء باكرها الحيا | فزهت بقطر الصيّب المنهال |
ولقد قربت من المعالي قربك الـ | ـداني من العافين بالإيصال |
فبعدت عن قرب الدنيّة في الدنى | بعد المكارم من يد الأرذال |
وترفَّعت بك شيمة علوية | لم ترض إلاّ بالمحلّ العالي |
سبق الكرام الأوّلين.. فقولنا | سبق الألى هذا املجلّي التالي |
ممن يذل لديه صعب خطوبها | بأساً ويبطل غيلة المغتال |
فكأن حدَّة عزمه صمصمامه الماضي | وفيصل عضبه الفصّال |
طلاب شأو الفخر ما بين الورى | في المجد بين صوارم وعوالي |
والمجد يطلب في شفير مهند | ماضي الغرار وأسمرٍ عسّال |
والفخر في فضل الفتى وكماله | والعز صهوة أشقر صهال |
لك منطق يشفي القلوب كأنه | برء من الأسقام والإعلال |
ومناقب كست القوافي بردة | في الحسن ترفل أيما إرفال |
أضحى يغرّد فيك مطرب مدحها | لا بالعقيق ولا بذات الضال |
فاقبل من الداعي قصيدة شعره | لأعدها من جملة الإقبال |
فعليك يا فخر الوجود معوّلي | وإليك من دون الأنام مآلي |
لولا علاقتنا بمدحك سيّدي | لتعلّقت آمالنا بمحال |
فاغنم إذَنْ أجر الصيام ولم تزل | تهنا بعَوْرِ العيد من شوال |