ما ماسَ مُنعطِفاً في قُرطَقٍ وقَبَا،
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ما ماسَ مُنعطِفاً في قُرطَقٍ وقَبَا، | إلاّ وعوذتهُ من غاسقٍ وقبَا |
ظبيٌ نَبا سَيفُ صَبري في مَحبّتِهِ، | وطِرفُ عَزمي بمَيدانِ السلوّ كَبَا |
مُتَرَّكُ اللّحظِ في أخلاقِهِ دَمَثٌ، | مُستَعرِبُ اللّفظِ تركيٌّ إذا انتَسَبَا |
يرمي بسهمٍ من الأسقامِ أسهمني | عن حاجبِ للكرَى عن ناظري حجبَا |
صَعبُ القِيادِ، فإن راضَتْ خلائِقَهُ | كأسُ المدام الانتْ منهُ ما صعبَا |
وليلة ٍ جادَ لي عدلُ الزمانِ بهِ، | فلَم يُفِدْ بعدَها جُوداً ولا ذَهَبَا |
سقيتُ من يدهِ طوراً ومن فمهِ | كأسَيْ سُلافٍ تُزيلُ الهَمّ والكُرَبَا |
في جَنّة ٍ من رِياضِ الحَزنِ غاليَة ٍ، | يضاحكُ الزهرُ من نوارشها السحُبَا |
قد أفرَشَتنا من الرّوضِ الأنيقِ بها | بسطاً، ومدّ علينا دوحها طنبَا |
بتنا بها ليلة ً رقتْ شمائلُها، | كيَومِها يَستَجِدّ اللّهوَ والطّرَبَا |
أسقي نَديمي بها، إذ غابَ ثالِثُنا، | إذا شربتُ، ويسقيني إذا شربَا |
من قَهوَة ٍ كشُعاعِ الشّمسِ مشرِقَة ٍ، | إذا جرى الماءُ فيها أطلعتْ شهبَا |
شعشعتها فأضاءَ الشرقُ منبلجاً | بها، وقامَ لها الحرباُ منتصبَا |
حتى إذا أمَحَلَتْ منها زُجاجَتُنا، | وظلّ منها غديرُ الدنْ قد نضبَا |
نَبّهتُ راهبَ دَيرٍ كانَ يُؤنِسُنا | ترجيعهُ الصوتَ إن صلّى وإن خطبَا |
بادرتهُ، وقرعتُ البابَ واحدة ً | قرعاً توسمَ من إخفائهِ الأدبا |
فقامَ يَسحَبُ بُردَيهِ على مَهَلٍ، | فما استشاطَ بنا خوفاً ولا رعبا |
وجاءَ يَسألُ عَمّا ليسَ يُنكِرُهُ | مما نرومُ، ولكنْ يثبتُ الطلبَا |
فقلتُ: ضَيفٌ مُلِمٌّ غيرُ ذي طَمَعٍ | في الزادِ، لكنّه يرضَى بما شربَا |
فأطلَقَ البابَ إذناً في الدّخولِ لَنا، | وقال: هذا عَلَينا بعضُ ما وَجَبَا |
وجاءنا بسلافٍ نشرها عبقٌ، | شَمطاءُ قد عُتّقَتْ في دَنّها حِقَبَا |
أفنى المَدى جِرمَها حيناً، فلَو مكَثَتْ | في الدّنّ حولاً لكادَتْ أن تَطيرَ هَبَا |
فأترَعَ الكأسَ حتى فاضَ فاضلُها، | بكفهِ وسقاني بعدما شربا |
فمُذ رأينا سروراً في أسرّتِهِ | تَبدو وكَفّاً لهُ بالنّورِ مُختَضِبَا |
كِلنا لهُ فضّة ً بالكَفّ فاضِلَة ً | عنّا، وكالَ لنا من دونهِ ذهبَا |
من قَهوَة ٍ حَجَبوها في مَعابِدِهم، | وعَلّقُوا حَولَها الأستارَ والصُّلُبَا |
فبتُّ أسقي نديمي من سلافتِها، | راحاً تكونُ إلى راحاتِهِ سببَا |
ما زلتُ أسقيهِ حتى مالَ جانبهُ | إلى الوِسادِ وأغفَى بعدَما غُلِبَا |
حتى إذا قدّ ذيلُ الليلِ من دبرٍ | بها وسل علينا صبحُها قضبا |
ومَدّ باعُ الضّحَى كَفّاً أنامِلُها | تُزجي الشّعاعَ وأخرَى تَلقَطُ الشُّهُبَا |
نَبّهتُهُ وجَبينُ الصّبحِ مُندَلِقٌ، | وقد دَنا أجَلُ الظّلماءِ واقتَرَبَا |
فقامَ يَمسَحُ عَينَيهِ براحَتِهِ، | والنّومُ يعقدُ من أجفانِهِ الهُدُبَا |
عاطيتهُ، وحجابُ الليلِ منخرقٌ، | راحاً تخرقُ من لألائها الحجبَا |
عَذراءَ تَعلَمُ أنّ الماءَ والدُها، | وتَستَشيطُ، إذا ما مَسّها، غَضَبَا |
إذا أصابَ لجينُ الماءِ عسجدها، | أرتكَ دراً يريكَ الدرّ محتلبَا |
وبِتُّ في طيبِ عَيشٍ رقّ جانبُهُ، | مُرَفَّهَ البالِ لا أخشَى بِهِ نَصَبَا |
بتنا نقضيهِ، والأيامُ تنشدنا: | ما كلَّ يومٍ يَنالُ المَرءُ ما طَلَبَا |
والدهرُ قد غفلتْ أيامهُ، وغدتْ | بطيبِ ساعاتهِ تستوقفُ النوبَا |
فلا تضعُ ساعة ً كانتْ لنا هبة ً، | من قبل أن يَستردّ الدّهرُ ما وَهَبَا |