أذابَ التّبرَ في كأسِ اللُّجَينِ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أذابَ التّبرَ في كأسِ اللُّجَينِ، | رَشاً بالرّاحِ مَخضوبَ اليَدينِ |
رخيمٌ من بني الأعرابِ طفلٌ، | يُجاذِبُ خَصرُهُ جَبَلَيْ حُنَينِ |
يُبَدّلُ نُطقَهُ ضاداً بدالٍ، | ويشركُ عجمة ً قافاً بغينِ |
يَطوفُ عَلى الرّفاقِ من الحمَيّا، | ومن خَمرِ الرُّضابِ بمُسكِرَينِ |
إذا يَجلو الحمَيّا والمُحَيَا | شَهِدْنا الجَمعَ بَينَ النّيّرَينِ |
وآخرَ من بني الأعرابِ حفتْ | جيوشُ الحُسنِ منهُ بعارضَينِ |
إلى عينيهِ تنتسبُ المنايا، | كما انتَسَبَ الرّماحُ إلى رُدَينِ |
تلاحظُ سوسنَ الخدّينِ منهُ، | فيُبدِلُها الحَياءُ بوَردَتَينِ |
ومَجلِسُنا الأنيقُ تُضيءُ فِيهِ | وباتَ الزقُّ مغلولَ اليدينِ |
وشمعتنا شبيهُ سنانِ تبرٍ، | تركبَ في قناة ٍ من لجينِ |
وقهوتنا شبيهُ شواظِ نارٍ، | توقدُ في أكفّ الساقيينِ |
إذا ملىء َ الزجاجُ بها وطارتْ | حواشي نورها في المشرقينِ |
عجبتُ لبَدرِ كأسٍ صارَ شَمساً | يحفّ من السقاة ِ بكوكبينِ |
ونحنُ نزُفّ أعيادَ النّضارى | بشَطّ مُحَوِّلٍ والرّقمَتَينِ |
نوحدُ راحنا من شركِ ماءٍ، | ونولعُ في الهوى بالمذهبينِ |
بوردٍ كالمداهنِ في عقيقٍ، | وأقداحٍ كأزرارِ اللُّجَينِ |
وقد جمعتْ ليَ اللذاتُ لما | دنتْ منها قطوفُ الجنتينِ |
وما أن من هوَى الفيحاءِ خالٍ، | ولا ممّنْ أُحبّ قضيتُ ديني |
إذا ما قلبوا في الحشرِ قلبي، | رأوا بينَ الضلوعِ هوى حسينِ |
تَمَلّكَ حبُّهُ قَلبي وصَدري، | فأصبحَ ملءَ تلكَ الخافقينِ |
وأعوَزَ مع دُنُوّي منهُ صَبري، | فكَيفَ يكونُ صَبري بعدَ بَينِ |
إذا ما رامَ أن يَسلوهُ قَلبي | تمثلَ شخصهُ تلقاءَ عيني |
ألا يا نَسمَة َ السّعديّ كُوني | رَسُولاً بَينَ مَن أهوى وبَيني |
ويا نشرَ الصّبا بلغْ سلامي | إلى الفيحاءِ بينَ القلتينِ |
وحيّ الجامعينِ وجانبيها، | فقد كانا لشملي جامعينِ |
وقُلْ لمُعَذّبي هل من نجازٍ | لوعديْ سالفيكَ السالفينِ |
سَمِيّكَ كانَ مَقتولاً بظُلمٍ، | وأنتَ ظلمتني، وجلبتَ حيني |
وهَبتُكَ في الهوى روحي بوَعدٍ، | وبِعتُكَ عامِداً نَقداً بدَينِ |
وجِئتُ وفي يَدي كفَني وسَيفي، | فكَيفَ جعَلتَها خُفّيْ حُنَينِ؟ |
ولِمْ صَيّرْتَ بُعدَكَ قَيدَ قَلبي، | وكانَ جمالُ وجهك قيدَ عيني؟ |
فصرنا نشبهث النسرينِ بعداً، | وكنّا أُلفَة ً كالفَرقَدَينِ |
علمتُ بأنّ وعدَكَ صارَ مَيناً، | لزَجري مُقلَتَيكَ بصارِمَينِ |
وقلتُ، وقد رأيتُك: خابَ سعيي | لكونِ البدرِ بينَ العقربينِ |
فلِم دَلّيتَني بحِبالِ زُورٍ، | ولم أطعَمتَني بسَرابِ مَينِ |
وهَلاّ قلتَ لي قَولاً صَريحاً، | فكانَ المنعُ إحدَى الراحتينِ |
عرفتكَ دونَ كلّ الناسِ لمّا | نقدتكَ في الملاحة ِ نقدَ عينِ |
وكم قد شاهدَتكَ النّاسُ قَبلي، | فَما نَظَروكَ كلّهُمُ بعَيني |
وطاوعتُ الفتوة َ فيكَ حتى | جَعَلتُكَ في العَلاءِ برُتبَتَينِ |
فلمّا أن خلا المغنى وبتنا | عُراة ً بالعَفافِ مؤزَّرَينِ |
قضينا الحجّ ضماً واستلاماً، | ولم نشعرْ بما في المشعرينِ |
أتَهجُرُني وتَحفَظُ عَهدَ غَيري، | وهل للموتِ عذرٌ بعدَ دينِ |
وقلتُ: الوَعدُ عندَ الحرّ دَينٌ، | فكيفَ مطلتني وجحدتَ ديني |
أأجعَلُ لي سِواكَ عليك عَيناً، | وكنتَ على جمعيِ الناسِ عيني |
إذا ما جاءَ محبوبي بذنبٍ | يُسابقُهُ الجمالُ بشافِعَينِ |
وقلتُ: جعلتَ كلّ النّاسِ خَصمي | لقد شاهدتُ إحدى الحالَتَينِ |
فكانَ الناسُ قبلَ هواكَ صحبي، | فهل أبقيتَ لي من صاحبينِ |
بُعادي أطمَعَ الأعداءَ حتى | رأوكَ اليومَ خُزرَ النّاظرَينِ |
وهَلاّ طالَعوكَ بعَينِ سُوءٍ، | وأمري نافِذٌ في الدُّولَتَينِ |
وما خفقتْ جناحُ الجيشِ إلاّ | رأوني ملءَ قلبِ العَسكَرَينِ |
لئِن سكَنَتْ إلى الزّوراءِ نَفسي، | أواني الرّاحِ من وَرَقٍ وعَينِ |
هوًى يُقتادُني لديارِ بَكرٍ، | وآخرُ نحوَ أرضِ الجامعينِ |
سأسرعُ نحوَ رأسِ العينِ خطوي، | وأقصدُها على رأسي وعيني |
وأسرحُ في حمَى جيرونَ طرفي، | وأربَعُ فِي رِياضِ النّيّرَينِ |
فلَيسَ الخَطبُ فَي عَيني جَليلاً، | إذا قابلتهُ بالأصغرينِ |
فَيا مَن بانَ لمّا بانَ صَبري، | وحارَبَني رُقادُ المُقلَتَينِ |
تنغصَ فيكَ بالزوراءِ عيشي، | وبدلَ زينُ لذاتي بشينِ |