صروفُ الليالي لا يدومُ لها عهدُ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
صروفُ الليالي لا يدومُ لها عهدُ، | وأيدي المنايا لا يطاقُ لها ردُّ |
تُسالمُنا سَهواً، وتَسطو تَعَمّداً، | فإسعافُها عَسفٌ، وإقصادُها قَصدُ |
عَجِبتُ لمن يَغَترّ فيها لِجَنّة ٍ | من العيشِ ما فيها سلامٌ ولا بردُ |
أفي كلّ يومٍ للنوائبِ غارة ٌ | يشقّ عليها الجيبُ أو يلطمُ الخدّ |
أرى كلّ مألوفٍ يُعَجَّلُ فَقدُهُ، | فما بالُ فقدِ الإلفِ ليسَ له فقدُ |
فقدتُ رِجالاً كانَ في البؤسِ بأسُهم، | هوَ الظّهرُ لي والباعُ واليَدُ والزّندُ |
يزيدهم ليلُ الخطوبِ، إذا دجا، | ضِياءً وحُسنُ الضّدّ يُظهُرُه الضّدّ |
أرى كلّ من يستخلِصُ الشكرَ بعدَهم | من الناسِ نحراً لا يليقُ به عقدُ |
لذاكَ هجرتُ الإلفَ أعلمُ أنّني | لكَ السّيفُ لا يُبليهِ، إن بَليَ، الغِمدُ |
وزرتُ بِلاداً يُنبِتُ العزَّ أرضُها، | ويَنجَحُ في أبناءِ أبياتِها العَقدُ |
مخافة َ أن أضحي من الخلّ خالياً، | وَحيداً، وأُمسي عندَ مَن ما لَهُ عِندُ |
ولمّا عطفتُ العيسَ، آخرَ رحلة ٍ، | إلى مَعهَدٍ لي، والحَبيبُ بهِ عَهدُ |
وشارَفتُ أعلامَ الطّويلَة ِ ذاكِراً | عهودَ الصّبا، والشيبُ لمّا يلحْ بعدُ |
سألتُ حِمَى الفيحاءِ: ما بالُ ربعِها | جديباً، وقد كانتْ نَضارَتُهُ تبدو |
وما بالُها لَمْ يُروَ من مائِها الصّدى | لظامٍ، ولا يُوري لقاصدِها زَندُ |
فقالتْ: قضَى من كان بالسعد لي قضَى ، | وصوحَ نبتُ العزّ وانهدم المجدُ |
فأصبحَ مجدُ الدينِ في التربِ ثاوياً، | وزالَ السماحُ السبطُ والرجلُ الجعدُ |
فتًى علمتهُ غاية َ الزهدِ نفسهُ، | فأصبَحَ حتى في الحَياة ِ لهُ زُهدُ |
ولم أرَ بدراً قَبلَهُ حازَهُ الثّرى ، | ولم أرَ بحراً قَبلَهُ ضَمّهُ اللّحدُ |
سَليلُ صفيّ المُصطَفى ، وابنُ سبطه، | لقد طابَ منهُ الأُمّ والأبُ والجَدّ |
فَصيحٌ، إذا الخَصمُ الألَدّ تَعالمتْ | دلائلهُ، كانتْ لهُ الحججُ اللدُّ |
إذا قالَ قَولاً يَسبُقُ القولَ فِعلُهُ، | فلَيسَ لَهُ يوماً وَعِيدٌ، ولا وَعدُ |
لئن أخطأتْ أيدي الرّدى بمُصابِهِ، | لعَمرُ أبي، هذا هوَ الخَطأُ العَمدُ |
مضَى طاهرَ الأثوابِ والجسمِ والحشَى ، | له الشّكرُ دِرْعٌ، والعَفافُ لهُ بُردُ |
وأبقَى لنا من طيبَ ولدهِ، | ينوبُ كما أبقَى لنا ماءَهُ الوردُ |
همُ القومُ فاهُوا بالفَصاحة ِ رُفّعاً، | وشابتْ نواحي مجدهم، وهم مردُ |
إذا حَلّ منهم واحدٌ في قَبيلَة ٍ | يُشارُ إلَيهِ إنّهُ العَلَمُ الفَرْدُ |
كفاهم فخاراً أنهُ لهمُ أبٌ، | ويكفيهِ أن أمسَى ومنهم لهُ ولدُ |
فيا نازحاً يدنيهِ حسنُ ادكارهِ، | ففي بُعدِهِ قُربٌ، وفي قُربه بُعدُ |
لك اللهُ كم أدركتَ في المجدِ غاية ً | تقاعسَ عن إدراكها الأسدُ الوردُ |
إذا افتخرَ الأقوامُ بمجدهمْ، | فإنكَ من قومٍ بهمْ يفخرُ المجدُ |
تعودَ متنَ الصافناتِ صغيرُهم، | إلى أن تَساوَى عندَهُ السّرجُ والمَهدُ |
حَمَوا لجنودِ الجأشِ حَولَ بيوتهم، | من المَجدِ، ما لم يَحمِه الجيشُ والجُندُ |
بيوتُ كُماة ٍ دونَها تُحطَمُ القَنا، | وغاباتُ أسدٍ دونها تفرسُ الأسدُ |
أقاموا وبردُ العيشِ عندهمُ لظًى ، | وصالوا وحَرُّ الكَرّ عندَهمُ بَردُ |
وعَزّوا إلى أن سالمتهم نجومُها، | فلا نجمَ إلاّ وهوَ في رَبعِهمْ سَعدُ |
ورثتَ علاهم واقتديتَ بفضلِهم، | فأنتَ إذاً ندّ الكرام لهم ندُّ |
فإن شاقَ صدرُ الخَودِ والنّهدُ مَعشراً | يشوقك صدرُ الدستِ والفرسُ النهدُ |
فبالرّغمِ منّي أن يُغَيّبَكَ الثّرَى ، | ويَرجعَ مَردوداً بخَيبَتِهِ الوَفدُ |
ويُعرِضَ عن رَدّ الجَوابِ لسائِلٍ، | وقد كنتَ لم يعرفْ لسائلكَ الردُّ |
سأبكيكَ جهدَ المستطيعِ منظماً | رِثاكَ، وهذا جُهدُ مَن مَاله جُهدُ |
فإنْ رمدتْ أجفانُ عينيَ بالبُكا، | فكَم جَلَيتْ منَا بك الأعينُ الرُّمدُ |
لئن كنتَ قد أصبَحتَ عنّا مُغَيَّباً، | فقد نابَ عنك الذّكرُ والشّكرُ والحمدُ |
وما غابَ مَن يَقصو ومَعناهُ حاضرٌ، | ولا زالَ من يخفَى وآثارهُ تبدو |