أخلايَ بالفيحاءِ إنْ طالَ بعدُكم،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أخلايَ بالفيحاءِ إنْ طالَ بعدُكم، | فأنتم إلى قلبي كسحريَ من نحرِي |
وإن يخلُ من تكرارِ ذكري حديثُكم، | فلم يخلُ يوماً من مديحكُمُ شِعرِي |
فواللهِ لا يشفي نزيفَ هواكمُ | سوى خمرِ أنسٍ كان منكم بها سكري |
أرى كلّ ذي داءٍ يُداوَى بضدّه، | وليسَ يداوَى ذو الخمارِ بلا خمرِ |
أطالبُ نفسي بالتصبرِ عنكمُ، | وأوّلُ ما أُفقِدتُ، بعدكمُ، صَبرِي |
فإن كان عصرُ الأنسِ منكم قد انقضَى ، | فوالعصرِ إنّي بعد ذلكَ في خسرِ |
بكَيتُ لفقدِ الأربعِ الخُضرِ منكمُ، | على الرملة ِ الفيحاءِ بالأربعِ الحُمرِ |
فكيفَ بقي إنسانُ عيني، وقد مضَى | على ذلكَ الإنسانِ حينٌ من الدّهرِ |
سقَى روضة َ السعديّ من أرض بابلٍ | سَحابٌ ضَحوكُ البرقِ مُنتحبُ القطرِ |
وحَيّا الحَيا مَغنًى قضَيتُ برَبعِهِ | فُروضَ الصِّبا ما بَينَ رَملة َ والجسرِ |
وربّ نسيمٍ مرّ لي من ديارِكم، | ففاحَ لنا من طيهِ طيبُ النشرِ |
وأذكرَني عَهداً، وما كنتُ ناسِياً، | ولكنّهُ تجديدُ ذِكْرٍ على ذِكْرِ |
فيا أيها الشيخُ الذي عقدُ حبهِ | تنزلض مني منزلَ الروحِ من صدري |
تجاذبني الأشواقُ نحوَ دياركم، | وأحذرُ من كيدِ العدوّ الذي يدري |
مخافةض مذاقِ اللسان يسرّ لي | ضُروبَ الرّدي بينَ البَشاشة ِ والبِشرِ |
ويَنثُرُ لي حَبّ الوَفاءِ تَمَلّقاً | وينصبُ لي من تحتِه شركَ الغدرش |
وما أنا مَن يُلقي إلى الحَتفِ نَفسَهُ، | ويجهدُ في استخلاصِها منه بالقسرِ |
إذا كان ذكرُ المرءِ شَيخَ حَياتِهِ، | فإنّ طريفَ المالِ كالواوِ في عمرِو |
ولكنّ لي في ماردينَ معاشراً، | شددتُ بهم، لمّا حللتُ بها، أزري |
ملوكٌ، إذا ألقَى الزّمانُ حِبالَهُ، | جعلتهُمُ في كلّ نائبة ٍ ذخري |
وما أحدثَتْ أيدي الزّمانِ إساءَة ً، | ووافيتهم إلاّ انتقمتُ من الدّهرِ |
إذا جئتُهم مستَصرِخاً حَقَنُوا دَمي، | وإن جئتُهم مستجدياً وفروا وفرِي |
عزائمُ من لم يخشَ بالبَطشِ من ردًى ، | وإنعامُ من لم يخشَ بالجودِ من فقرِ |
ورَوّوا بماءِ الجُودِ غَرسَ أبيهِمُ، | فأينَعَ في أغصانِهِ ثمرُ الشّكرِ |
وقلدني السلطانُ منهُ بأنعمٍ، | أخفَّ بها نَهضي وإن أثقلتْ ظَهرِي |
هوَ الصّالحُ المَلكُ الذي صَلُحتْ به | أمورُ الورى واستبدلَ العسرُ باليسرِ |
يبيتُ بها كفّي على الفتحِ بعدما | بنَتْ نُوَبُ الأيّامِ قلبي على الكَسرِ |
وبدلتُ من دهمٍ الليالي وغيرها، | لديهِ، بأيامٍ محجلة ٍ غرّ |
حَطَطتُ رِحالي في ربيعِ رُبوعِهِ، | ولولاهُ لم أثنِ الأعنة َ عن مصري |
مَنازِلُ ما لاقَيتُ فيها نَدامَة ً، | سوى أنّني قضّيتُ في غيرِها عُمرِي |
فلم يَكُ كالفِردوسِ غيرُ سميّهِ، | من الخُلدِ لا خُلدُ الخَليفَة ِ والقَصرِ |
ووادٍ حكَى الخَنساءَ لا في شجونِها، | ولكن له عَينانِ تَجري على صَخرِ |
كأنّ به الجودانَ بالسُّحبِ شامتٌ، | فما انتحبتْ إلاّ انثنى باسمَ الثّغرِ |
تَعانَقَتِ الأغصانُ فيه فأسبَلَتْ | على الروضِ أستاراً من الورق الخضرِ |
إذا ما حِبالُ الشّمسِ منها تَخَلّصَتْ | إلى روضهِ ألقتْ شراكاً من التبرِ |
تُدارُ به، من ديرِ شَهلانَ، قَهوَة ٌ | جلتها لنا أيدي القسوسِ من الخدرِ |
إذا ما حَسَوناها، وسارَ سرورُها | إلى منتهَى الإفكارِ من موضعِ السرّ |
نُعِدّ لها نَقلَ الفكاهة ِ والحِجَى ، | ونجلو عليها بهجة َ النّظمِ والنثرِ |
ونحنُ نوفّي العيشَ باللّهوِ حقّهُ، | ونسرِقُ ساعاتِ السّرورِ من العمرِ |
وقد عمّنا فصلُ الربيعِ بفضلهِ، | فبادرَنا بالوردِ في أولِ القطرِ |
فيا أيها المولى الذي وصفُ فضلِهِ | يجلُّ عن التعدادِ والحدذ والحصرِ |
أبُثّكَ بالأشعارِ فرطَ تَشَوّقي، | ولا أتعاطَى حَصرَ وصفِكَ بالشّعرِ |
وأعجبُ شيءٍ أنني مع تيقظي، | إلى مخلصِ الألفاظِ من شرَك الهجرِ |
أسوقُ إلى البحر الخضمّ جواهرِي، | وأُهدي إلى أبناءِ بابلَ من سِحرِي |
فمُنّ، فدتك النّفسُ، بالعُذرِ مُنعِماً | عليذ، وشاور حسنَ رأيك في الأمرِ |