أمَا تَرى الأنواءَ والسّحائِبا،
أمَا تَرى الأنواءَ والسّحائِبا، | قد أصبحتْ دموعُها سواكِبا |
فاكتستِ الأرضُ بها جلاببا، | فأظهرَتْ أزهارَها عَجائِبا |
غَرائِباً أضحَتْ لنا رَغائِبَا | |
هذي الرّوابي بالكلا قد تُوّجَتْ، | ونَسمَة ُ الخَريفِ قد تأرّجَتْ |
وقد صفَتْ مياهُهُ ورَجّجَتْ، | والأرضُ بالأزهارِ قد تدبّجَتْ |
وأصبحَ الطلُّ عليها ساكبَا | |
فقم، فقد تمّ لنا طيبُ الهَنا، | والدهرُ قد منّ علينا بالمْنى |
والعَيشُ قد رَقّتْ حَواشيهِ لَنا، | ومُسعدي شَرخُ الشّبابِ والغِني |
هما اللّذانِ غَمرا لي جانِبَا | |
يا سَعدُ باكر، فاللّبيبُ مَنْ بَكَرْ، | وابرزْ بنا ليسَ العِيانُ كالحَبْر |
فاغتنمِ الصفوَ بنا قبلَ الكدرْ، | فالدّهرُ من زَلاّتِهِ قد اعتَذَرْ |
وجاءَنا منَ الذُّنوبِ تائباَ | |
لا تَسكُبِ الدّمعَ على عيشٍ مضَى ، | ولا تَقُلْ كانَ زمانٌ وانقَضَى |
واغتَنِمِ الغَفَلَة َ من صَرفِ القَضا، | فالمَوتُ كالسّيفِ متى ما يُنتضَى |
تضحي لهُ أعمارُنا ضرائبَا | |
فدَعْ حديثَ الزّمَنِ القَديمِ، | والذكرَ للأطلالِ والرسومِ |
فِإنْ تكنْ عوني على الهمومِ | حَدّثْ عن القَديمِ والنّديمِ |
واذكرْ لديّ رامياً أو ساريا | |
ما دامتِ الأيامُ في نصاحتي، | والعزُّ ملقٍ رحلهُ بساحتي |
لأبذلنّ ما حوتهُ راحتي، | أُتلفَ ما في راحتي في راحتي |
وأقصدُ اللذّاتِ والملاعِبَا | |
فقُم بنا مبتَكِراً، يا صاحبي، | نقضي بأيّامِ الصّبَى مآرِبي |
ولا تكنْ تفكرُ في العواقبِ، | وخلِّ خلاّني، ودعْ أقاربي |
وأقصدْ بنا الأحلافَ والقرائِبَا | |
واعتَبِرِ الجَنّة َ في الطّريقِ، | وانتَخِبِ الرّفيقَ للمَضيقِ |
ولا تصاحب غيرَ ذي التحقيقِ، | فالتّمُّ لا يَطيرُ بَينَ الشيِّقِ |
والكيُّ لا يرضَى الوريدَ صاحبَا | |
أما تَرَى الطّيرَ الجَليلَ قد أتَى | مُستَبشراً يَمرحُ في فَصلِ الشّتا |
فقُمْ بِنا إنّ الصّبَى عَونُ الفَتى ، | ولا تَقُلْ كيفَ، وأنّى ، ومتى |
إنّ الأماني لم تزَلْ كَواذِبَا | |
بمُدمَجاتٍ زانَها إدْماجُها، | معوجاتٍ، حسنُها اعوجاجُها |
أهلة ٍ أكفُّها أبراجُها، | حواملٍ، إذا دنا نتاجُها |
تقذفُ من أكبادها كواكبَا | |
ما خيبتْ يوماً لنا مساعيا، | لكادَ حسناً أن تجيبَ الداعيَا |
تُغني بها الجَليلَ والمَراعِيَا، | إنْ كمدنتْ ظننتَها افاعيَا |
أو أوترَتْ حَسبتَها عَقارِبَا | |
ومدمجِ كالنونِ في تععريقه، | أشهَى إلى العاشِقِ من مَعشوقِه |
كالصّارِمِ المَصقولِ في بَريقِهِ، | لو أنّهُ يُسكِنُ من خُفوقِه |
أضحَى على عَينِ الزّمانِ حاجِبَا | |
مستأنفٍ قد تَمّ في أقسامِه، | لكنّ نقصَ الطيرِ في تمامِه |
قد نَبَتَ العودُ على لِحامِه، | مَن خَطِفَ الخَطفة َ في مَقامِه |
أتبعهُ منهُ شهاباً ثاقبَا | |
مُرَدِّدٍ يُرضيكَ في تَرديدِهِ، | شهرتُهُ تغنيكَ عن تحديدهِ |
لافرقَ بينَ شاخِه وعودِه، | يحققُ البندقَ في صعودِه |
ويَضمَنُ المَصروعَ والصّوائِبَا | |
أصلحهُ صالحٌ عندَ جسهِ، | وزانهُ واختارهُ لنفسهِ |
منظَرُه يُغني الفتى عن لمسِهِ، | فهوَ لهُ بعدَ حلولِ رمسِه |
يُهدي الثّنا ويُظهِرُ المَناقِبَا | |
وبندقٍ معتدلِ المقدارِ، | كأنّما قسمَ العيارِ |
قد حَملَ الحِقدَ على الأطيارِ، | فهوَ إذا انقضّ من الأتارِ |
يرَى فناءَ الطيرِ فرضاً واجبَا | |
يريكَ في وقتِ الصّباحِ لهبَا، | كأنّهُ بَرقٌ أضاءَ وخَبَا |
يَقطَعُ مَتنَ الرّيحِ من غيرِ شَبا، | يَقظانَ لا يَصبو إلى خَفقِ الصَّبَا |
ولا يَلينُ للجَنوبِ جانِبَا | |
وخشية ٍ لطفتُ في مقدارِها | تَغنى بها الأطيارُ عن أوكارِها |
لايبرحُ الريشُ على نوارِها، | والدَمُ مَسفُوكاً على أقطارِها |
إذْ كانَ في اللّونِ لها مُناسِبَا | |
كأنذها من كثرة ِ الصروعِ، | قد خضبتْ بخالصِ النجيعِ |
لم تخلُ في البروزِ والرجوعِ | من صارعٍ يحملُ، أو مصروع |
تحملْ آتٍ أو تقلُّ ذاهبا | |
وحلة ٍ جفتية ٍ كالعندمِ، | لطيفَة ِ التّجليسِ والتّهَندُمِ |
مُؤخَرُها في الحُسنِ مثلُ المُقدَمِ، | يظنُّها الطيرُ لهُ نطعَ الدّمِ |
ولم يكنْ فيما يَظنُّ كاذِبَا | |
فَلو شهِدتَ طَيرَنا فيمَن رَمَى ، | وجيسهُ من جمعِنا قد هزِمَا |
وبندقَ الصّحبِ إليهِ قد سَمَا، | عجبتَ من راق إلى جوَّ السّمَا |
أرسلتِ الأرضُ عليهِ حاصِبَا | |
من كلّ شَهمٍ كالهِزَبْرِ الباسِلِ، | وكلِّ قيلٍ قائلٍ وفاعلَ |
ذخر الزّميلِ عِدّة المُقاوِلِ، | وبينهم حملٌ بلا تحاملِ |
من بَعدِ ما اصطَفّوا له مَراتِبَا | |
حولَ قديمٍ كالحُسامِ الماضِي | خالٍ من الأغراضِ والأعراضِ |
يطبُّ داءَ الكلمِ المراضِ، | يرضَى بأنْ الجَمَعَ عنها راضِ |
لا يرقبُ الأسباقَ والمواهبَا | |
في مَوقِفٍ بِهِ الصُّروعُ تُنثَلُ، | تُلقَى المَراعي، والجَليل تَحمِلُ |
مَعدودَة ٌ أصنافُهُ لا تُجهَلُ، | إذْ هيَ في سبعٍ وسبعٍ تكملُ |
وصاحبٍ أعُدُّهُ لي مالِكا، | كلفَني في النّظمِ عدَّ ذلكَا |
وقال: لخصْ ذاكَ في نظامِكا، | قلتُ: علُوُّ صُنعِكَ احتِشامُكَا |
إنْ كنتَ لي حلَّ الرّموزِ دائِبَا | |
لم أنسَ في ثوبٍ شليلٍ برزتي، | بينَ ثقافٍ من رُماة ِ الحلة ِ |
وقد أتاني محرقاً عن جفتي، | مزجوجق من العنانينِ التي |
بينَ الرماة ِ أصبحتْ غرائِبَا | |
ثبَّتُّ للزّوجِ، وقد أتاني | مُصَعصَعاً يَمرَحُ في أمانِ |
عاجَلتُهُ من قَبلِ أن يَراني | صرعتُ حداهُ، وصبتُ الثّاني |
دَلّى البَراثيمَ ووَلّى هارِبَا | |
فخَرّ كالنّجمِ، إذا النّجمُ هوى ، | ما ضلّ عن صاحبِه وما غوَى |
وافاهُ، وهوَ ناطقٌ عن الهوى ، | قد هُدّ منهُ الخيلُ من بعدِ القوَى |
وأصبحَ الثاني عليهِ نادبَا | |
فيا لها من فرصة ٍ لو تمتِ، | كنتُ وهَبتُ للقَديمِ مُهجَتي |
ولم يكن ذو قَدمَة ٍ كقَدمَتي، | بل فاتني الثاني، وكانتْ همتي |