أهلاً ببدرِ دجًى يسعى بشمسِ ضحًى ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أهلاً ببدرِ دجًى يسعى بشمسِ ضحًى ، | بنورِهِ صِبغَة َ اللّيلِ البَهيمِ مَحَا |
حَيّا بها والدّجى مُرخٍ غَدائرَهُ، | فخلتُ أنّ جبينَ الصبحِ قد وضحا |
راحاً إذا ملأ الساقي بها قدحا، | ظَننتَ جُذوَة َ نارٍ في الدّجى قَدَحَا |
لم يُبقِ طولُ المدى إلاّ حُشاشَتَها، | عَنّتْ لَنا، فتراءَتْ بيَنَنا شَبَحَا |
يسعى بها ثملُ الأعطافِ يرجعُها | سَكرَى بألفاظِهِ، إنْ جَدّ أو مَزَحا |
يجلو لنا وجههُ في الليلِ مغتبقاً | بها، فيحسبُ بالآلاءِ مصطبحا |
نادَمتُهُ وجَناحُ النّسرِ مُنقَبِضٌ | عنِ المَطارِ وجِنحُ اللّيلِ قد جَنَحا |
حتى انثنى والكرى يهوي بجانبهِ | إلى الوِسادِ، فإن طارَحتَهُ انطَرَحا |
وظلّ من فرطِ جرمِ الكأسِ منقبضاً | عن المَطارِ وجِنحُ اللّيلِ قد جَنَحا |
يضمهُ، والكرى يرخي أناملهُ، | فكلمّا أوثقتهُ كفُّهُ سرحا |
حتى رأيتُ مياهَ الليلِ غائرة ً | في غَربِها وغديرَ الصْبحِ قد طفَحا |
وللشعاعِ على ذيلِ الظلامِ دمٌ | كأنّ طِفلَ الدّجى في حِجرِهِ ذُبِحا |
وقامَ يهتفُ من فوقِ الجدارِ بنا | متوج الرأسِ بالظلماءِ متشحا |
كأنّهُ شامتٌ باللّيلِ عَن حَنَقٍ، | فكلما صدعَ الصبحُ الدجى صدحا |
نَبّهتُهُ، والكَرى يَثني معاطِفَهُ، | ونشوة ُ الرّاحِ تَلوي جيدَهُ مَرَحا |
فهَبّ لي، وحُمَيّا النّومِ تَصرَعُهُ، | والشّكرُ يُطبِقُ من جَفنيهِ ما فتَحا |
جَشّمتُهُ، وهوَ يثني جيدَهُ مَلَلاً، | كأساً، إذا بسمتْ في وجههِ كلحا |
يلقى سناها على تقطيبِ حاجبِه | أشعة ً، فيرينا قوسهُ قزحا |
فظلّ ينزو وريحَ الراح ممتعضاً، | ويستشيطُ إذا عاطيتهُ قدحا |
حتى إذا حَلّتِ الكأسُ النّشاطَ لهُ | أتبعتهُ بثلاثٍ تبعثُ الفرحا |
ونِلتُ من فَضلِها ما كانَ أسأرَهُ | بقَعرِها من رُضابٍ نَشرُهُ نَفَحا |
ريقاً لو استاقَهُ الصّاحي لمالَ بهِ | سُكراً، ولو رَشفَ السكرانُ منه صَحا |
فقال لي، وغوادي الدمعِ تسبقني | من السرورِ، وقد يبكي إذا طفحا: |
قد كنتَ تشكو فسادَ العيشِ معتدياً، | أنّى ، وقد طابَ باللّذاتِ وانفسَحا |
فقلتُ: قد كان صرفُ الدّهرِ أفسدَه، | لكنهُ بالمليكِ الصالحِ انصلحا |
ملكٌ، إذا ظَلّ فِكري في مَدائِحِه، | أمستْ تعلمنا أوصافُهُ المدحا |
فَضلٌ يكادُ يُعيدُ الخُرسَ ناطقَة ً، | تَتلو الثّناءَ، ولَفظٌ يُخرِسُ الفُسَحا |
وطلعة ٌ كجبينِ الشمسِ لو لمعتْ | يَوماً لمُغتَبِقٍ بالرّاحِ لاصطَبَحا |
وجودها كهلالِ الفطرِ ملتمحاً، | وَجُودُها كانهلالِ القَطرِ مُنفَسِحا |
يخفي مكارمهُ، والجودُ يظهرُها، | وكيفَ يَخفَى أريجُ المِسكِ إذ نَفَحا |
يكادُ يَعقُمُ فِكري، إذ أُفارقُهُ، | عن المَديحِ، وإن وافَيتُه لَقِحا |
فما أرتنا الليالي دونهُ محناً، | إلا سخا، فأرتنا كفهُ منحا |
ثبتُ الجنانِ، مريرُ الرأي صائبهُ، | إذا تَقاعسَ صرفُ الدّهرِ أو جمَحا |
لايستشيرُ سوء نفسٍ مؤيدة ٍ، | من أخطأ الرأيَ لا يستذنبُ النصحا |
ولا يُقَلِّدُ إلاّ ما تَقَلّدَهُ | من حدّ عضبٍ إذا شاورته نصحا |
ولا يُذيلُ عليهِ غَيرَ سابغَة ٍ، | كأنّما البرقُ من ضَحضاحِها لُمِحا |
مسرودة ٍ مثلِ جِلدِ الصِّلّ لو نُصِبتْ | قامتْ، ولو صُبّ فيها الماءُ ما نضَحا |
غصتْ عيونُ الردى والسوء من ملكٍ | طَرفُ الزّمانِ إلى عَليائه طَمَحا |
ما ضَرّ مَن ظلّ في أفناءِ مَنزِلِهِ، | إن أغلقَ الدهرُ بابَ الرزقِ أو فتحا |
يودُّ باغي الندى لو نالَ بلغته، | حتى إذا حَلّ في أفنائِهِ اقترَحا |
لما رأى المالَ لا تلوي عليهِ يدي، | أولانيَ الوُدَّ، إذْ أولَيتُهُ المِدَحا |
يا أيها الملكُ المحسودُ آملُه، | والمُجتدى جُودُ عافيهِ لما مُنِحا |
لو أدعتْ جودكَ الأفواهُ لاتهمتْ، | ولو تتعاطاهُ لجُّ البحرِ لافتضحا |
حزتَ العلى ، فدعاكَ الناسُ سيدهم، | والكأسُ لولا الحُمَيّا سُمّيتْ قدَحا |
في وَصِفنا لَكَ بالإنعامِ سوءُ ثَناً، | والغيثُ يُنقِصُهُ إن قيلَ قد سَمَحا |
يا باذلاً من كنوزِ المالِ ما ذَخَروا، | وقابضاً من صيودٍ الشكرِ ما سنحا |
وملبسي النعمَ اللاتي يباعدني | عنها الحياءُ، فلا أنفكُّ منتزحا |
لئِن خصَصتُك في عيدٍ بتهنئَة ٍ، | فما أجدتُ، ولا عذري بهِ وضحا |
العيدُ نذكرهُ في العامِ واحدة ً، | وجُودُ كَفّكَ عيدٌ قطّ ما بَرِحا |
لكن أهني بكَ الدينَ الحنيفَ، فقد | أتيتَ للدينِ مخلوقاً كما اقترحا |
فاسلَمْ، فما ضرّني، مما دامَ جودُك لي، | سِواكَ إن منَعَ الإحسانَ أو منَحا |