لمنِ الشوازبُ كالنَّعامِ الجُفَّلِ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
لمنِ الشوازبُ كالنَّعامِ الجُفَّلِ، | كُسَتْ حلالاً من غبارِ الفسطَلِ |
يَبرُزنَ في حُلَلِ العَجاجِ عَوابِساً، | يَحمِلنَ كلّ مُدَرَّعٍ ومُسرْبَلِ |
شِبه العَرائِسِ تُجتَلى ، فكأنها | في الخدرِ من ذيلِ العجاجِ المسبَلِ |
فعلتْ قوائمهنّ عندَ طرادِها | فِعلَ الصّوالجِ في كُراتِ الجَندَلِ |
فَتظَلُّ تَرْقُمُ في الصُّخورِ أهِلّة ً | بشَبا حَوافرِها، وإنْ لمْ تُنعَلِ |
يَحمِلنَ من آلِ العَريضِ فَوارِساً | كالأسُدِ في أجَمِ الرّماحِ الذُّبَّلِ |
تَنشالُ حَولَ مُدرَّعٍ بجَنانِهِ، | فكأنّهُ من بأسِهِ في معقِلِ |
ما زالَ صدرَ الدَّستِ، صدرَ الرتبة ِ الـ | ـعَلياءِ، صدرَ الجيشِ، صدرَ المَحفِلِ |
لو أنصفتهُ بنو محاسنَ، إذْ مشوا، | كانتْ رؤوسُهُمُ مكانَ الأرجُلِ |
بينا تراهُ خطيبهم في محفلٍ | رحبٍ، تراهُ زعيمهم في جحفلِ |
شاطَرتُهُ حَربَ العُداة ِ لعِلمِهِ | أني كنانتُهُ التي لم تنثلِ |
لمّا دعتين للنّزالِ أقاربي، | لباهُمُ عني لسانُ المنصُلِ |
وابيتُ من أني أعيشُ بعزّهمْ | وأكونُ عنْهم في الحروبِ بمعزِلِ |
وافَيتُ في يَومٍ أغَرَّ مُحجَّلٍ، | أغشَى الهياجَ على أغرّ محجَّلِ |
ثارَ العجاجُ فكنتُ أوّلَ صائلٍ، | وعلا الضّرامُ فكنتُ أوّلَ مُصطَلِ |
فغَدا يَقولُ كَبيرُهمْ وصَغيرُهم: | لا خيرَ فيمنْ قالَ إنْ لم يفعلِ |
سلْ ساكني الزوراءِ والأممَ التي | حضَرَتْ، وظَلَّلَها رِواقُ القَسطَلِ |
مَن كانَ تَمّمَ نَقصَها بحُسامِهِ، | إذْ كلُّ شاكٍ في السّلاحِ كأعزَلِ |
أو مَن تدرَّعَ بالعجاجة ِ عندما | نادى مُنادي القومِ: يا خيلُ احمِلي |
تُخبِرْكَ فُرسانُ العَريكَة ِ أنّني | كنتُ المصلّي بعدَ سبقِ الأوّلِ |
ما كان يَنفَعُ مَن تَقدّمَ سَبقُهُ، | لو لم تُتَمّمْها مَضارِبُ مُنصُلي |
لكن تَقاسَمْنا عَواملَ نَحوِها، | فالاسمُ كان لهُ، وكان الفعلُ لي |
وبديعة ٍ نظرتْ إليّ بها العِدى | نظرَ الفقيرِ إلى الغنيّ المقبلِ |
واستثقلتْ نطقي بها، فكأنّما | لقيتْ بثالثِ سورة ِ المزّمِّلِ |
حتى انثنتْ لم تدرِ ماذا تتقي، | عندَ الوقائعِ، صارِمي أمْ مقولي |
حَمَلُوا عليّ الحِقدَ حتى أصبَحتْ | تغلي صدروهُمُ كغلْي المرجلِ |
إن يَطلُبوا قَتلي، فلَستُ ألومُهم، | دَمُ شَيخِهمْ في صارمي لم يَنصُل |
ما لي أسترُها، وتلكَ فضيلة ٌ؟ | الفخرُ في فصدِ العدوّ بمنجلِ |
قد شاهدوا من قبلِ ذاكَ ترفّعي | عن حربهمْ، وتماسُكي وتجمُّلي |
لمّا أثاروا الحَربَ قالتْ هِمْتي: | جهلَ الزّمانُ عليكَ إنْ لم تجهلِ |
فالآنَ حينَ فلَيتُ ناصيَة َ الفَلا، | حتى تعلمتِ النّجمُ تنقلي |
أضحَى يحاولني العدوّ، وهمّتي | تعلو على هام السماكِ الأعزلِ |
ويَرومُ إدراكي، وتلكَ عجيبَة ٌ، | هل يمكنُ الزرزورَ صيدَ الأجدلِ |
قُلْ لليّالي: ويكِ ما شئتِ اصنَعي | بَعدي، وللأيّامِ ما شئتِ افعَلي |
حسبُ العدوّ بانني أدركتُهُ، | لمّا وَليتُ، وفُتُّهُ لمّا وَلي |
سأظَلُّ كلَّ صَبيحَة ٍ في مَهَمهٍ، | وأبِيتُ كلَّ عَشيّة ٍ في مَنزِل |
وأسيرُ فرداً في البلادِ، وإنّني | من حَشدِ جَيشِ عزائمي في جَحفل |
أجفو الدّيارَ، فإنْ ركبتُ وضَمّني | سرجُ المطهَّمِ قلتُ: هذا منزِلي |
لا تسمعنّ بأنّ أسرتُ مسلِّماً، | وإذا سمِعتَ بأنْ قُتلتُ فَعَوّل |
ما الاعتذارُ، وصارمي في عاتقي، | إن لم يكُنْ من دونِ أسري مَقتَلي |
ما كانَ عُذري إن صَبرتُ على الأذى ، | ورضيتُ بعد تدللي بتذلّلي |
فإذا رُميتَ بحادِثٍ في بلدَة ٍ | جردْ حسامَكَ صائلاً، أو فارحلِ |
فلذاكَ لا أخشَى ورودَ منيّتي، | وأرى وُرودَ الحتَفِ عَذْبَ المَنهَل |
فإذا علا جدّي فقلبي جنّتي، | وإذا دَنا أجَلي فَدِرعي مَقتَلي |
ما تِهتُ بالدّنيا، إذا هيَ أقبَلَتْ | نحوي، ولا آسَى ، إذا لم تُقبِل |
وكذاكَ ما وَصَلتْ فقُلتُ لها اقطَعي | يوماً، ولا قطعتْ فقلتُ لها صِلي |
صبراً على كيدِ العُداة ِ لعلّنا | نَسقي أخيرَهمُ بكأسِ الأوّل |
يا عصبة ً فرحوا بمصرعِ ليثنا، | ماذا أمنتُمْ من وثوبِ الأشبُلِ |
قومٌ يُعزِّونَ النّزيلَ، وطالَما | بَخِلَ الحيَا، وأكُفُّهمْ لم تَبخَل |
يَفنى الزمانُ، وفيه رونَقُ ذِكرِهم؛ | يبلى القَميصُ، وفيهِ عَرفُ المَندَل |