خلِيليّ، عوجا اليومَ حتى تُسَلّما
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
خلِيليّ، عوجا اليومَ حتى تُسَلّما | على عذبة ِ الأنياب، طيبة ِ النشرِ |
فإنكما إن عُجتما ليَ ساعة ً، | شكرتكما ، حتى أغيّبَ في قبري |
ألما بها، ثم اشفعا لي، وسلّما | عليها، سقاها اللهُ من سائغِ القطرِ |
وبوحا بذكري عند بثنة َ ، وانظرا | أترتاحُ يوماً أم تهشُّ إلى ذكري |
فإن لم تكنْ تقطعْ قُوى الودّ بيننا، | ولم تنسَ ما أسلفتُ في سالفِ الدهرِ |
فسوف يُرى منها اشتياقٌ ولوعة ٌ | ببينٍ، وغربٌ من مدامعها يجري |
وإن تكُ قد حالتْ عن العهدِ بَعدنا، | وأصغتْ إلى قولِ المؤنّبِ والمزري |
فسوف يُرى منها صدودٌ، ولم تكن، | بنفسيَ، من أهل الخِيانة ِ والغَدر |
أعوذ بكَ اللهمُ أن تشحطَ النوى | ببثنة َ في أدنى حياتي ولا حَشْري |
وجاور، إذا متُّ ، بيني وبينها، | فيا حبّذا موتي إذا جاورت قبري! |
عدِمتُكَ من حبٍّ، أما منك راحة ٌ، | وما بكَ عنّي من تَوانٍ ولا فَتْر؟ |
ألا أيّها الحبّ المُبَرِّحُ، هل ترى | أخا كلَفٍ يُغرى بحبٍّ كما أُغري؟ |
أجِدَّكَ لا تَبْلى ، وقد بليَ الهوى ، | ولا ينتهي حبّي بثينة َ للزّجرِ |
هي البدرُ حسناً، والنساءُ كواكبٌ، | وشتّانَ ما بين الكواكب والبدر! |
لقد فضّلتْ حسناً على الناس مثلما | على ألفِ شهرٍ فضّلتْ ليلة القدرِ |
عليها سلامُ اللهِ من ذي صبابة ٍ، | وصبٍّ معنّى ً بالوساوس والفكرِ |
وإنّكما، إن لم تَعُوجا، فإنّني | سأصْرِف وجدي، فأذنا اليومَ بالهَجر |
أيَبكي حَمامُ الأيكِ من فَقد إلفه، | وأصبِرُ؟ ما لي عن بثينة َ من صبر! |
وما ليَ لا أبكي، وفي الأيك نائحٌ، | وقد فارقتني شختهُ الكشح والخصرِ |
يقولون: مسحورٌ يجنُّ بذكرها، | وأقسم ما بي من جنونٍ ولا سحرِ |
وأقسمُ لا أنساكِ ما ذرَّ شارقٌ | وما هبّ آلٌ في مُلمَّعة ٍ قفر |
وما لاحَ نجمٌ في السماءِ معلّقٌ، | وما أورقَ الأغصانُ من فننِ السدرِ |
لقد شغفتْ نفسي، بثينَ، بذكركم | كما شغفَ المخمورُ، يا بثنَ بالخمرِ |
ذكرتُ مقامي ليلة َ البانِ قابضاً | على كفِّ حوراءِ المدامعِ كالبدرِ |
فكِدتُ، ولم أمْلِكْ إليها صبَابَة ً، | أهيمُ، وفاضَ الدمعُ مني على نحري |
فيا ليتَ شِعْري هلْ أبيتنّ ليلة ً | كليلتنا، حتى نرى ساطِعَ الفجر، |
تجودُ علينا بالحديثِ، وتارة ً | تجودُ علينا بالرُّضابِ من الثغر |
فيا ليتَ ربي قد قضى ذاكَ مرّة ً، | فيعلمَ ربي عند ذلك ما شكري |
ولو سألتْ مني حياتي بذلتها، | وجُدْتُ بها، إنْ كان ذلك من أمري |
مضى لي زمانٌ، لو أُخَيَّرُ بينه، | وبين حياتي خالداً آخرَ الدهرِ |
لقلتُ: ذروني ساعة ً وبثينة ً | على غفلة ِ الواشينَ، ثم اقطعوا عمري |
مُفَلَّجة ُ الأنيابِ، لو أنّ ريقَها | يداوى به الموتى ، لقاموا به من القبرِ |
إذا ما نظمتُ الشعرَ في غيرِ ذكرها، | أبى ، وأبيها، أن يطاوعني شعري |
فلا أُنعِمتْ بعدي، ولا عِشتُ بعدها، | ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشرِ |