تنأى المنازلُ |
تنأى الحقولُ اليبيسةُ |
- خلفَ زجاجِ قطارِ الحروبِ الأخيرِ - |
وتنأى المسافاتُ |
- بين النوافذِ، والقلبِ - |
حتى كأنَّ النجومَ أزاهيرُ ذابلةٌ |
تتساقطُ من شُرفاتِ العماراتِ |
لكنَّكَ الآنَ لصقَ الزجاجةِ |
ترقبُ موتَ الشوارعِ في فضلةِ الكأسِ |
ترقبُ موتَكَ منحشراً – كاليتامى – بمظروفِ قنبلةٍ |
تتراكضُ، حاسرةَ الرأسِ، شعثاءَ… |
تَعْثُرُ بالطينِ والشهداءِ |
وتقفزُ فوقَ الملاجيءِ، كي تَسْبِقَ العجلاتِ إليكَ،… فتجفلُ |
يا أَيّها العاشرُ المرُّ |
يا كأسُ… |
خُذْني إلى أَيِّمَا جهةٍ |
لا نرى موتَنا لصقَنا |
أَيّها الواحدُ المرُّ |
يا قلبُ.. |
يا صاحبي في التشتّتِ |
بين المنافي: البلادُ على بُعْدِ 5 طوابع من غربتي |
وضحكتها في شريطِ المسجّلِ |
والياسمينُ المعرّشُ أسفلَ أحلامِنا، يتفتّحُ عن مطرٍ أسودٍ |
ما الذي ترتجي؟ |
النوافذُ أَوْصَدَها البردُ والطائراتُ |
وتلكَ التي رحلتْ في قطارِ الجنوبِ إلى زوجِها الفظِّ |
قصَّ الرقيبُ ضَفائِرَها |
فوقفتُ وحيداً، أمامَ مرايا دمي |
ألملمُ أطرافَ خُصْلَتِها، عن غيومي التي ثقَّبتها الشظايا |
تسيلُ على شرشفِ الطاولةْ |
فيمسحها، عجلاً – نادلُ البارِ - |
وهو يُعِدُّ لزوجِكِ كأساً مثلّجةً |
…… ولقلبي فاتورةَ الدمعِ |
يا أخوتي، في الجنونِ |
ارحموا شاعراً ضيَّعتهُ أغانيه |
يا أخوتي، في الجنوبِ |
ارحموا نخلتي |
كان لي ظلُّها وطناً |
كان لي تمرُها خمرةً |
كان لي شَعرُها المتطاولُ حتى تخومِ القصيدةِ |
منتجعاً للحنين |
كان لي.. |
آهِ، ما كان لي...... |
... أنْ أغادرَ مرجَ الطفولةِ |
نحو المدينةِ |
ما كان لي...... |
أنْ أُبَدِّلَ زقزقتي برباطِ الوظيفةِ |
ما كان لي.. |
أنْ أستعيضَ عن النهرِ |
ما كان لي… |
ولكنَّهم أَوصَلُوني لهذا الخرابِ |
وقالوا: اُكْتُبِ الآنَ |
عن شَعرِ سيِّدةٍ |
يتناثرُ حتى تخومِ البنوكِ |
اُكْتُبِ الآنَ عن شِقَّةٍ لستَ تملك إيجارها |
ورصيفٍ تقاسمهُ أثرياءُ الحروبِ |
لا……… |
إنَّنِي أستميحكمُ – لحظةً – |
أَيّها المحتفونَ أمامَ القصيدة |
لأقيءَ على كلِّ هذا الذي [.. سَمِّهِ أنتَ ما شئتَ] |
لكنَّ لي وطناً من أغانٍ وقمح |
لنْ أُبَدِّلَهُ بعمارتكمْ |
أستميحُ الوطنْ |
– لحظةً – |
وهو يجلِسُ – كالدمعةِ – القرفصاءَ، على عَتبةِ العين |
لألملمَ عن شُرفةِ الذاكرة |
حبالَ غسيلِ القنابلِ |
تقطرُ بالدمِ |
نفتحُ قمصانَ أيّامنا، هكذا، للرياحِ… تُجَفِّفُها |
ثم نمضي… |
نشقُّ دروبَ المدينةِ بالثرثراتِ |
وبالدهشةِ البِكْرِ |
[تعلو العمارات،.. تعلو.. وتعلو… |
لا مباليةً – |
فوق أنقاضنا |
ما الذي نفعلُ الآنَ، |
أسفلَ جُدْرَانِها |
هل نبيعُ السجائرَ… |
......................... |
……………] |
ما هكذا… |
يا مدينةُ، |
تنسينَ عُمري الذي سرقتْ نصفَهُ الحربُ |
ما هكذا، يا مدينةُ تنسينَ أحزانَنا |
والوجُوهَ التي غيَّبتها الخنادقُ |
ما هكذا، يا مدينةُ… نحن {طعامَ} المعاركِ |
كمْ صدحتْ |
في الأناشيدِ – |
أسماؤنا |
* * * |
15/12/1988 – 21/1/1989 بغداد |