أرشيف الشعر العربي

الجنوب

الجنوب

مدة قراءة القصيدة : 3 دقائق .

تنأى المنازلُ

تنأى الحقولُ اليبيسةُ

- خلفَ زجاجِ قطارِ الحروبِ الأخيرِ -

وتنأى المسافاتُ

- بين النوافذِ، والقلبِ -

حتى كأنَّ النجومَ أزاهيرُ ذابلةٌ

تتساقطُ من شُرفاتِ العماراتِ

لكنَّكَ الآنَ لصقَ الزجاجةِ

ترقبُ موتَ الشوارعِ في فضلةِ الكأسِ

ترقبُ موتَكَ منحشراً – كاليتامى – بمظروفِ قنبلةٍ

تتراكضُ، حاسرةَ الرأسِ، شعثاءَ…

تَعْثُرُ بالطينِ والشهداءِ

وتقفزُ فوقَ الملاجيءِ، كي تَسْبِقَ العجلاتِ إليكَ،… فتجفلُ

يا أَيّها العاشرُ المرُّ

يا كأسُ…

خُذْني إلى أَيِّمَا جهةٍ

لا نرى موتَنا لصقَنا

أَيّها الواحدُ المرُّ

يا قلبُ..

يا صاحبي في التشتّتِ

بين المنافي: البلادُ على بُعْدِ 5 طوابع من غربتي

وضحكتها في شريطِ المسجّلِ

والياسمينُ المعرّشُ أسفلَ أحلامِنا، يتفتّحُ عن مطرٍ أسودٍ

ما الذي ترتجي؟

النوافذُ أَوْصَدَها البردُ والطائراتُ

وتلكَ التي رحلتْ في قطارِ الجنوبِ إلى زوجِها الفظِّ

قصَّ الرقيبُ ضَفائِرَها

فوقفتُ وحيداً، أمامَ مرايا دمي

ألملمُ أطرافَ خُصْلَتِها، عن غيومي التي ثقَّبتها الشظايا

تسيلُ على شرشفِ الطاولةْ

فيمسحها، عجلاً – نادلُ البارِ -

وهو يُعِدُّ لزوجِكِ كأساً مثلّجةً

…… ولقلبي فاتورةَ الدمعِ

يا أخوتي، في الجنونِ

ارحموا شاعراً ضيَّعتهُ أغانيه

يا أخوتي، في الجنوبِ

ارحموا نخلتي

كان لي ظلُّها وطناً

كان لي تمرُها خمرةً

كان لي شَعرُها المتطاولُ حتى تخومِ القصيدةِ

منتجعاً للحنين

كان لي..

آهِ، ما كان لي......

... أنْ أغادرَ مرجَ الطفولةِ

نحو المدينةِ

ما كان لي......

أنْ أُبَدِّلَ زقزقتي برباطِ الوظيفةِ

ما كان لي..

أنْ أستعيضَ عن النهرِ

ما كان لي…

ولكنَّهم أَوصَلُوني لهذا الخرابِ

وقالوا: اُكْتُبِ الآنَ

عن شَعرِ سيِّدةٍ

يتناثرُ حتى تخومِ البنوكِ

اُكْتُبِ الآنَ عن شِقَّةٍ لستَ تملك إيجارها

ورصيفٍ تقاسمهُ أثرياءُ الحروبِ

لا………

إنَّنِي أستميحكمُ – لحظةً –

أَيّها المحتفونَ أمامَ القصيدة

لأقيءَ على كلِّ هذا الذي [.. سَمِّهِ أنتَ ما شئتَ]

لكنَّ لي وطناً من أغانٍ وقمح

لنْ أُبَدِّلَهُ بعمارتكمْ

أستميحُ الوطنْ

– لحظةً –

وهو يجلِسُ – كالدمعةِ – القرفصاءَ، على عَتبةِ العين

لألملمَ عن شُرفةِ الذاكرة

حبالَ غسيلِ القنابلِ

تقطرُ بالدمِ

نفتحُ قمصانَ أيّامنا، هكذا، للرياحِ… تُجَفِّفُها

ثم نمضي…

نشقُّ دروبَ المدينةِ بالثرثراتِ

وبالدهشةِ البِكْرِ

[تعلو العمارات،.. تعلو.. وتعلو…

لا مباليةً –

فوق أنقاضنا

ما الذي نفعلُ الآنَ،

أسفلَ جُدْرَانِها

هل نبيعُ السجائرَ…

.........................

……………]

ما هكذا…

يا مدينةُ،

تنسينَ عُمري الذي سرقتْ نصفَهُ الحربُ

ما هكذا، يا مدينةُ تنسينَ أحزانَنا

والوجُوهَ التي غيَّبتها الخنادقُ

ما هكذا، يا مدينةُ… نحن {طعامَ} المعاركِ

كمْ صدحتْ

في الأناشيدِ –

أسماؤنا

* * *

15/12/1988 – 21/1/1989 بغداد

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (عدنان الصائغ) .

ساعي بريد

الأضابير

تكوينات (1)

بريد القنابل

هكذا قلتُ لها كلَّ شيء