هيَ الدّارُ إلاّ أنّها منهمُ قَفرُ،
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
هيَ الدّارُ إلاّ أنّها منهمُ قَفرُ، | وإنّي بها ثاوٍ، وإنّهُم سَفرُ |
حبَستُ بها لحظي، وأطلَقتُ عَبرَتي، | وما كان لي في الصّبرِ لو كان لي عُذرُ |
كأني ، وأيامي التي طوتِ النوى ، | تجيانِ باتا دونَ لقياهما سترُ |
تَوَهّمتُ فيها مَلعَباً ومَسارِحاً، | و نؤياً ، كملقى الطوقِ ثلمه القطرُ |
فدَعْ ذكرَ بُثنى قد مضَى ليسَ راجعاً، | فذلكَ دَهرٌ قد توَلّى ، وذا دَهرُ |
مهَفهفَة ٌ صفرُ الوِشاحِ، كأنّها | مهاة ُ خلاءٍ ظلّ يكنفها الدُّرّ |
لها وَجنَاتٌ يَضحَكُ الوَردُ فَوقَها، | وطَرْفٌ مَريضٌ حشوُ أجفانِه السّحرُ |
فما روضة ُ الزهرِ التي تلفظُ الندى ، | ويُصبحُ فيما بَينَها للنّدى نَشرُ |
بأطيَبَ من سَلمى ، ولا كلُّ طيّبٍ، | و لا مثلُ ما تحلو به يفعلُ البدرُ |
و غيثٍ خصيبِ التربِ تندى بقاعه ، | بهيمِ الذرى ، أثوابُ قيعانه خضرُ |
رَجيبٍ كَمَوْجِ الْبَحرِ يَلتَهمُ الرُّبى | ويَغْرقُ في آكلائِهِ النَّعَمُ الدَّثرُ |
ألَحَتْ علَيهِ كلُّ طَخياءَ ديمَة ٍ، | إذا ما بكَتْ أجفانُها ضَحِكَ الزّهرُ |
فَما طَلَعَتْ شمسُ النّهارِ ضُحيّة ٌ، | ولا أُصُلاً، إلاّ ومن دونِها خِدرُ |
كأنّ عُيونَ العاشقينَ مَنوطَة ٌ | بأرجائِها، فما يَجِفُّ لها شَفرُ |
كأنّ الربابَ الجونَ ، والفجرُ ساطعٌ ، | دُخانُ حَريقٍ لا يُضِيءُ لهُ جَمرُ |
أمِنكِ سرَى يا شُرُّ بَرقٌ، كأنّهُ | جَناحُ فؤادٍ خافِقٍ ضَمّهُ صَدرُ |
أرقتُ له ، والركبُ ميلٌ رؤوسهم ، | يَخوضونَ ضَحضاحَ الكَرى وبهم وقرُ |
علاهم حليدُ الليلِ حتى كأنهمْ | بُزاة ٌ تَجَلّى في مَراقِبِها قُمرُ |
إلى أن تَعَرّى النّجمُ من حُلّة ِ الدُّجى ، | وقالَ دليلُ القومِ: قد ثَقَبَ الفَجرُ |
وقدّوا أديمَ القَومِ حينَ تَرَفّعَتْ | لهم ليلة ٌ أخرى كما حلقَ النسرُ |
و جيشٍ كمثلِ الليلِ يسودُّ شمسهُ ، | ويَحمَرُّ من أعدائِهِ البَرُّ والبَحرُ |
شَهِدتُ بِطِرْفٍ أعوَجيٍّ وطِرْفَة ٍ، | وعَضبِ حُسامِ الحَدّ في مَتنِهِ أَثرُ |
و لما التقى الصفانِ فرقَ بيننا | بريقُ ضرابِ البِيضِ والأسلُ السُّمرُ |
فوَلّوا، وقد ذاقوا التي يَعرِفُونَها، | فكانَ لَهم عُذرٌ، وكانَ لَنا فَخرُ |
إذا ما رَكبتُ الجَونَ والسّيفُ مُنتضًى ، | فقلْ لبني حواءَ يجمعهم أمرُ |
و كم من خليلٍ لم أمتعْ بعهدهِ ، | وفيتُ له بالودّ فاجتحهُ الغدرُ |
فقَدّمتُ صَفحاً عنهُ يُوجبُ شُكرَهُ، | وما كانَ لي منهُ جَزاءٌ، ولا شكرُ |
وذلكَ حَظّي من رِجالٍ أعِزّة ٍ | عليّ، فإنْ أهجُرْهُمُ يَكثرِ الهَجرُ |
لهم خيرُ مالي حينَ يعتلُّ مالهم ، | وسرعَة ُ نَصري حينَ يَعتَذِرُ النّصرُ |
إذا جاءَنا العافي رأى في وُجوهِنا | طَلاقَة َ أيدينا، وبَشّرَهُ البِشرُ |