الا عللاني قبلَ أن يأتيَ الموتُ ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
الا عللاني قبلَ أن يأتيَ الموتُ ، | ويُبْنى لجُثماني بدار البِلَى بيْتُ |
ألا عَلّلاني كمْ حَبِيبٍ تَعَذّرَت | مَودّتُه، عن وَصلِه قد تسلّيتُ |
ألا عَلّلاني ليسَ سَعيي بمُدرَكٍ، | ولا بوُقوفي بالّذي خُطّ لي فَوتُ |
فأهلكَني ما أهلكَ النّاسَ كلَّهُم، | صروفُ المنى والحرصُ واللوُّ والليتُ |
ألا رُبّ دَسّاسٍ إلى الكَيدِ حامِلٍ | ضِبابَ حُقودٍ قد عَرَفتُ ودارَيتُ |
فعادَ صديقاً بعدَما كان شانِئاً، | بَعِيدَ الرّضى عنّي، فصافى وصافيتُ |
وخِطّة ِ رِبحٍ في العُلى قد أجَبتُها، | وخطّة ِ خَسفٍ ذاتِ بَخس تأبّيتُ |
وزادُ التّقى مثلُ الرّفيقِ مقدّماً، | تزَوّدَ قلبي سائغاً لي وأسريتُ |
فلاقيتُهُ في منزِلٍ قد أعَدّ لي | محلاًّ كريماً لا يرومُ ، فأقريتُ |
ومِن عَجَبِ الأيّامِ بغيُ مَعاشرٍ | غِضابٍ عَلى سَبقي، إذا أنا جارَيتُ |
لهم رحمٌ دنيا همُ يعرفونها ، | إذا أنهَكُوهَا بالقَطِيعَة ِ أبقيْتُ |
يَصُدّونَ عن شكري وتُهجَرُ سُنّتي | على قربِ عهدٍ مثلَ ما يهجرُ البيتُ |
فذلك دأبُ البَرّ منّي ودأبُهم، | إذا قتلوا نُعمايَ بالكُفرِ أحيَيتُ |
يغيظهمُ فضلي عليهم ، ونقصهم ، | كأنّيَ قسّمتُ الحظوظَ، فحابَيتُ |
وكم كُرَبٍ أخّاذَة ٍ بحلُوقِهِمْ، | مصممة ِ البلوى ، كشفتُ وجليتُ |
عرفتُ زماني بؤسهُ ورخاءهُ ، | ولاقيتُ مكرُوهَ الخُطوبِ، وعانَيتُ |
و دهرٍ مؤاتٍ قد ملكتُ نعيمه ، | و أعطيتُ من حلواءِ عيشٍ وأعطيتُ |
وآخرُ يُشجيني صَبَرتُ لمَضّهِ، | و كم من شجى تحتَ التصبرِ قاسيتُ |
و خصمٍ يهدُّ القرمَ رجعُ جوابهِ ، | ملأتُ له صاعَ الخصامِ ، فوفيتُ |
أصافي بني الشحناءِ ما جمجموا بها ، | لبُقيا، فإن أغرَوا بيَ الشّرّ أغرَيتُ |
و أتبعُ مصباحَ اليقينِ ، فإنْ بدا | ليَ الشكُّ في شيءٍ يريبُ تناهيتُ |
و يهماءَ ديمومٍ كسوتُ قفارها | مَناسِمَ حُرْجُوجٍ، وبهماءَ عَرّيتُ |
شغلتُ همومَ النفسِ عني برحلة ٍ ، | فأصبحتُ منها فوقَ رحلي ، وامسيتُ |
وماءِ خَلاءٍ قد طرَقتُ بسُدْفَة ٍ، | عليه القطا كأنّ آجنه الزيتُ |
ومَرقَبَة ٍ مثلِ السّنانِ عَلَوتُها، | كأني لأردافِ الكَواكبِ ناجيتُ |
و أمنية ٍ لم أمنعِ النفسَ رومها ، | بلغتُ ، وأخرى بعدها قد تمنيتُ |
و حربٍ عوانٍ يثقلُ الأرضَ حملها ، | ويلمَعُ في أطرافِ أرْماحِها الموتُ |
شَهِدتُ بصَبْرٍ لا تُوَلّي جنودُه، | فحاسَيْتُ أكواسَ المنايَا، وساقَيتُ |
و ضيفٍ رمتني ليلة ٌ بسوادهِ ، | فحيّاهُ بِشري، قبلَ زادي، وَحيّيتُ |
و باتَ بممسى ليلة ٍ غابَ شرها ، | وقُمْتُ فأُطْعِمْتُ الثّناءَ، وَأُسقيتُ |
ونُعمَى تَضِيقُ النّفسُ حينَ أرُدُّها، | شكرتُ عليها ذا البلادِ ، وكافيتُ |
و داءٍ من الأعداءِ دبتْ سمومهُ ، | وأعيا رِفاءَ الشّرّ، بالسّيْفِ داوَيت |
و عزمٍ كمتنِ السيفِ لي ولصاحبي ، | فما أظهَرتْهُ بَوحة ٌ، مُنذُ أخفَيتُ |
و راحٍ كلونِ التبرِ يضحكُ كأسها ، | صبحتُ بها شرباً كراماً ، وغاديتُ |
وبيضاءَ تُعطي العينَ حُسناًونَضرة ً، | شغلتُ بها عصرَ الشّبابِ، وأفنيتُ |
سموتُ لها ، والليلُ قد لاحَ نجمه ، | فلاقيتُ بدراً في الدُّجى ، حين لاقيتُ |
وكنتُ امرأً منّي التّصابي الذي ترَى ، | فقد بلَغتْ منّي النُّهى ، فتناهَيتُ |
و قلتُ ألا يا نفسِ هل بعدَ شيبة ٍ | نذيرٌ ، فما عذري ، غذا ما تماديتُ |
و قد أبصرتْ عيني المنية َ تنتضي | سيوفَ مشيبي فوق رأسي وأشفيتُ |
فخلّيتُ سُلطانَ التّصابي لأهلِهِ، | و أدبرتُ عم شأنِ الغويّ ، ووليتُ |
فما انا لولا الذكرُ ما قد علمتمُ ، | أطعتُ عَذولي، بعدما كنتُ عاصَيتُ |
و قالوا : مشيبُ الرأس يحدو إلى الردى ، | فقلتُ: أراني قد قَرُبتُ، ودانيتُ |
تبدّلَ قلبي ما تبدّلَ مَفرِقي، | بياضُ تُقاي، قد نزَعتُ وأبقيتُ |
و قد طالَ ما أترعتُ كأسي من الصبا ، | زماناً، فقد عطّلتُ كأسي، وأفضَيتُ |