رأيتُ فيها برقَها لمّا وَثَبْ،
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
رأيتُ فيها برقَها لمّا وَثَبْ، | كمثلِ طرفِ العينِ أو قلبٍ يجب |
ثمّ حدتْ بها الصبا كأنها | فيها من البرقِ كأمثالِ الشهب |
باكية ٌ يضحَكُ فيها برقُها، | موصلولة ٌ بالأرض مرماة ُ الطنب |
كأنها ، ورعدها مستعبرٌ | لَجّ به على بُكاهُ، ذو صَخَب |
جاءتْ بجَفنٍ أكحلٍ، وانصرفتْ | مرهاءَ من إسبال دمعٍ منسكب |
إذا تَعرّى البرقُ فيها خِلتَه | بطنَ شجاعٍ في كثيبٍ يضطرِب |
وتَارة ً تُبْصِرُهُ كأَنَّهُ | أَبْلَقُ مَاَل جُلُّهُ حِيَنَ وَثَبْ |
وتارَة ً تَخالُه، إذا بَدا | سلاسلاً مصقولة ً من الذّهب |
و الليلُ قد رقّ وأصغى نجمهُ ، | واستوفزَ الصبحُ، ولمّا ينتقِب |
معترضاً بفَجرِهِ في ليلة ٍ، | كَفَرَسٍ بيضاءَ دهماءَ اللَّبَب |
حتّى ، إذا لَجّ الثّرى بمائِها، | وملّها صَدّتْ صُدودَ مَن غَضِب |
كأنّها جمعُ خميسٍ حكَمت | عليه أبطالُ الرجال بالهرب |
يومَ يخوضُ الحربَ مني عالمٌ ، | إنّ يدَ الحتف تصيبُ من طلب |
كم غمرة ٍ للموتِ يُخشى خوضُها | جرَيتُ فيها جرْيَ سِلكٍ في ثَقَب |
حتى إذا قيلَ خضيبٌ بدمٍ | نجمتُ فيها بحسامٍ مختضب |
الموتُ أولى للفتى من أن يرى | ظالِعَ دَهرٍ كلّما شاء انقلَب |
و صاحبٍ نبهني بكأسهِ ، | و الفجرُ قد لاحَ سناهُ وثقب |
لا عذرَ لي في سمتي ولمتي ، | سيّان من شَيبٍ وشَعرٍ لم يَشِب |
لأي غاياتي أجري بعدما | رأيتُ أترابي وقد صاروا ترب |
لبستُ أطوارَ الزّمانِ كلَّها، | فأيّ عيشٍ أرتجي وأطلب |
وسابحٍ مُسامحٍ ذي مَيعة ٍ، | كأنّهُ حريقُ نارٍ تلتهِب |
تراهُ ، إن أبصرتهُ مستقبلاً | كأنما يعلو من الأرضِ حدب |
عاري النَّسا يَنتهبُ التُّربَ له | حوافرٌ باذلة ٌ ما ينتهب |
تصالحُ التربَ ، إذا ما ركضت ، | لكنها مع الصخورِ تصطخب |
تحسبهُ يزهى على فارسهِ ، | وإنّما يُزهى به، إذا رُكِب |
أسرعُ من لحظته ، إذا رنا ، | أطوعُ من عِنانه، إذا جُذِب |
يبلُغُ ما تبلُغه الرّيحُ، ولا | تبلُغ ما يبلُغه، إذا طلَب |
ذو غرة ٍ قد شدخت جبهته ، | و أذنٍ مثل السنانِ المنتصبِ |
و ناظرٍ كأنهُ ذو روعة ٍ ، | و كفلٍ ململمٍ ضافي الذنب |
و منخرٍ كالكيرِ لم تشقَ به | أنفاسُه، ولم يُخنها في تَعَب |
يبعثها شمائلاً ، وينثني | جَنائِباً إلى فُؤادٍ يَضطرِب |
قد خاض في يومْ الوغى في حلة ٍ | حمراءَ تَسديها العَوالي والقُضُب |
في غمرة ٍ كانت رحى الموتِ بها | تدورُ، والصّبرُ لها منّي قُطُب |
وليلة ٍ ضَمّ إليّ شطرَها | ضيفي ، ونادى باليفاع تلتهب |
حلّت به الأقدارُ نحوَ عاشقٍ | لحمدهِ صبٍّ بتفريقِ النشب |
يرى ابتزالَ الوفرِ صونَ عرضهِ ، | ويجعلُ الذُّخَر له فيما يَهَب |