واعمُرْ بقصرِ المُلْكِ ناديكَ الذي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
واعمُرْ بقصرِ المُلْكِ ناديكَ الذي | أضحى بمجدك بيته معمورا |
قصرٌ لو أنَّك قد كحلتَ بنوره | أعمى لعادَ إلى المقام بصيرا |
واشتقّ من معنى الحياة نسميه | فيكادُ يُحْدِثُ للعظام نُشورا |
نُسيَ الصبيحُ مع المليح بذكره | وسما ففاقَ خورنقاً وسديرا |
ولو أنَّ بالألوان قوبلَ حسنُهُ | ما كان شيءٌ عنده مذكورا |
أعيت مصانعه على الفُرْسِ الألى | رفعوا البناء وأحكموا التدبيرا |
ومضَتْ على الرّوم الدهورُ وما بنوْا | لملوكهم شَبَهاً له ونظيرا |
أذكرتنا الفردوس حينَ أريتنا | غُرَفاً رفعتَ بناءَها وقصورا |
فالمحسنون تزيّدوا أعمالهم | وَرَجَوْا بذلك جَنَّة ً وحريرا |
والمذنبون هُدوا الصراطَ وكفّرتْ | حسناتهمْ لذنوبهم تكفيرا |
فلكٌ من الأفلاكِ إلاّ أنّه | حَقَرَ البدورَ فأطلع المنصورا |
أبصرتُهُ فرأيتُ أبدعَ منظرٍ | ثم انثنيتُ بناظري محسورا |
وظننتُ أني حالمٌ في جنّة ٍ | لمّا رأيتُ الملكَ فيه كبيرا |
وإذا الولائد فتّحتْ أبوابه | جَعَلَتْ تَرَحّبُ بالعُفاة ِ صريرا |
عَضّتْ على حلقاتهنّ ضراغمٌ | فغرَتْ بها أفواهها تكسيرا |
فكأنَّها لَبَدَتْ لتهصرَ عندها | من لم يكنْ بدخوله مأمورا |
تجري الخواطر مطلقات أعنة ٍ | فيه فتكبو عن مداه قصورا |
بمرخَّم الساحاتِ تحسبُ أنّهُ | فُرِشَ المهَا وتَوَشّحَ الكافورا |
ومحصَّبٍ بالدرّ تحسبُ تربَهُ | مسكاً تَضَوّعَ نشره وعبيرا |
يستخلفُ الإصباح منه إذا انقضى | صبحاً على غسقِ الظلام منيرا |
وضراغمٌ سكنتْ عرينَ رئاسة ٍ | تركتْ خريرَ الماء فيه زئيرا |
فكأنَّما غَشّى النّضارُ جُسومَهَا | وأذابَ في أفواهِها البلّورا |
أسدٌ كأنّ سكونها متحركٌ | في النفس لو وجدتْ هناك مثيرا |
وتذكّرتْ فتكاتها فكأنما | أقعتْ على أدبارها لتثورا |
وتخالُها، والشمسُ تجلو لونَها | نارا وألسُنَها اللواحسَ نورا |
فكأنما سُلّتْ سيوفُ جداولٍ | ذابتْ بلا نارٍ فعُدنَ غديرا |
وكأنما نسجَ النسيم لمائه | درعاً فقدّرَ سردها تقديرا |
وبديعة ِ الثمرات تعبرُ نحوها | عيناي بحرَ عجائبٍ مسجورا |
شجرية ٍ ذهبية ٍ نزعتْ إلى | سحر يؤثّر في النهى تأثيرا |
قد صَوْلجتْ أغصانها فكأنما | قنصَتْ لهنّ من الفضاء طيورا |
وكأنَّما تأبى لواقع طيرها | أن تستقلّ بنهضها وتطيرا |
من كلّ واقعة ٍ تَرَ منقارها | ماءً كسلسال اللجين نميرا |
خُرسٌ تُعدّ من الفصاح فإن شدّتْ | جعلتْ تغرّدُ بالمياه صفيرا |
وكأنَّما في كلّ غصنٍ فضة ٌ | لانتْ فأرسلَ خيطها مجرورا |
وتريكَ في الصهريج موقعَ قطرها | فوقَ الزبرجدِ لؤلؤاً منثورا |
ضحكتْ محاسنهُ إليك كأنما | جُعلتْ لها زهرُ النجوم ثغورا |
ومَصفَّحِ الأبوابِ تبرا نَظّروا | بالنقش بين شكوله تنظيرا |
تبدو مساميرُ النضارِ كما عَلَت | فلك النهود من الحسان صدورا |
خلعتْ عليه غلائلاً ورسيَّة ً | شمسٌ تردّ الطرفَ عنه حسيرا |
وإذا نظرتَ إلى غرائب سقفه | أبصرت روضا في السماء نضيرا |
وعجبتَ من خُطّافِ عسجده التي | حامت لتبني في ذراه وكورا |
وضعتْ به صناعُهُ أقلامَها | فأرتكَ كلّ طريدة ٍ تصويرا |
وكأنَّما للشمس فيه ليقة ٌ | مشقوا بها التزْويقَ والتشجيرا |
وكَأنَّما للازَوَرْد مُخَرَّمٌ | بالخطّ في ورقِ السماءِ سطورا |
وكأنما وَشّوا عليه ملاءة ً | تركوا وشاحِها مقصورا |
يا مالكَ الأرضِ الذي أضحى له | مَلِكُ السماءِ على العداة نصيرا |
كم من قصورٍ للملوك تقدّمتْ | واستوجَبَتْ لقصورك التأخيرا |
فعمرتها ومَلَكتَ كلّ رئاسة ٍ | منها ودمّرْتَ العدا تدميرا |