أخذتْ سفاقس منك عهدَ أمانِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أخذتْ سفاقس منك عهدَ أمانِ | وَدَدْتُ أهليها إلى الأطانِ |
أطلقتَ بالكرم الصريح سراحَهُمْ | فرعوا بقاعَ العزّ بعد هوانِ |
وعطفتَ عطفة َ قادمٍ أسيافهُ | غُمِدَتْ على الجانين في الغفران |
كم من مسيءٍ تحتَ حكمك منهم | قلّدتهُ منناً من الإحسان |
ومروَّعٍ وقع الردى في رُوعه | أطفأتَ جَمْرَة َ جَوْفِهِ بأمان |
كان الزّمانُ عدّوهم فثنيتهُ | وهو الصّديقُ لهم بلا عُدوان |
أمسى وأصبح طيبُ ذكركَ فيهم | بأريجهِ يتأرجح الملوان |
ولقد يكون من الضلوع حديثُهُم | في مُعْضِلاتِ تَوَقّعِ الحدثان |
يا يومَ ردّهمُ إلى أوطانهم | لرددتَ أرواحاً إلى أبدان |
نزلتْ بك الأفراحُ في عَرَصَاتهمْ | وبها يكونُ تَرَحّلُ الأحزان |
فِلَذُ القلوب إلى القلوب تراجعت | في مُلتقى الآباء بالولدان |
والأمّهاتُ على البناتِ عَواطِفٌ | والمشفقاتُ على اللّداتِ حوانِ |
سُرَّ القرابة ُ بالقرابة ِ منهمُ | وتأنسَ الجيران بالجيران |
وتَزَاوَرَ الأحبابُ بعد قطيعة ٍ | دخلتْ بذكر الودّ في النّسْيان |
في كلّ بيتٍ نعمة ٌ ومسرة ٌ | شربوا سُلافتها بلا كيزان |
ودُعاؤهم لك في السماء مُحلّقٌ | حتى لضاقَ بعرضه الأفقان |
كحجيج مكة في ارْتفاع عجيجهم | وطوافهم بالبيتِ ذي الأركان |
صَيّرْتَ في الدّنْيا حديثك فيهمُ | مثلاً يمرّ بأهل كلّ زمان |
فخرٌ يقيمُ إلى القيامة ذكرهُ | مثلَ الشنوفِ تُناط بالآذان |
لك يا ابن يحيى في علائك مرتقى | لم تَرْقَهُ من أكبرٍ قدمان |
إن كنتَ في الأيمان أشرعتَ القنا | فبها أقمتَ شرائع الإيمان |
أو كان فضْلُكَ ليس يُجحَد حقُّه | فعليه مُتّفِقٌ ذوو الأديان |
أو كنتَ مرهوبَ الأناة ِ فكامنٌ | فيها وثوبُ الضيغم الغضبان |
لا يأمن الأعداء وقعَ صورام | نامتْ مناياهنّ في الأجفان |
فلها انتباهٌ في يديكَ وإنَّها | لقطوف هامات الجُناة ِ جوان |
كم للعدى في الروع من خَرَسٍ إذا | نطقَ الردى لهمُ من الخرصان |
لله دركَ من هُمامٍ حازمٍ | يَرْضى ويغضَبُ في رضى الرحمان |
لله منك جميلُ صنعٍ سائحٌ | في الأرضِ منْه حديثُ كل لسان |
سرّحتْ مالكِ من يمين سميحة ٍ | والمال في المينى السميحة عان |
إني امرؤ أبني القريض ولا أرى | زَمناً يحاولُ هدْمَ ما أنا باني |
صنعٌ بتحبير الثناء وَحَوْكِهِ | فكأنما صنعاءُ تحت لساني |
وأفيدُ نوّارَ البديع تضوّعاً | مُتَنَسّماً بدقائقِ الأذهان |
والشعرُ يسري في النفوس ولا كما | يَسْرِي مع الصّهباءِ والألحان |
ولقد شأوتُ الريح فيه مُسابقاً | من بعد ما أمسكتُ فضْل عِناني |
وطعنتُ في سنّ الكبير وما نبا | عن طَعْنِ شاكلة البديع سناني |
ولو أنني أصْفيْتُ منه لولّدتْ | علياك في فكري ضروبَ معاني |
فافْخَرْ فإنَّكَ من ملُوكٍ لم يَزَلْ | لهمُ قديمُ مَفاخِرِ الأزمان |
ولقد عكفتَ على مواصلَة ِ النّدى | فكأنَّهُ حُبٌّ بلا سلوان |
وغمرتَ بالطَّولِ الزّمانَ فقل لنا | أهُوَ الهواءُ يعمّ كلّ مكان |
نُفني مدائحنا عليكَ لأنها | سُقيتْ ظماءً منك ماءَ بنانِ |
والرّوضُ إن رَوّى الغمامُ بقاعهُ | أثْنَى عليه تَنَفّسُ الريحان |