أيّ خطبٍ عن قوسهِ الموتُ يرمي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أيّ خطبٍ عن قوسهِ الموتُ يرمي | وسهامٌ تصيبُ منه فتُصْمي |
يسرعُ الحيّ في الحياة ببرءٍ | ثم يُفضي إلى المماتِ بسقم |
فهو كالبدرِ ينقصُ النورُ منه | بمحاقٍ وكانَ من قبلُ يَنمي |
كلّ نفسٍ رَمِيّة ٌ لزَمانٍ | قدر سهم له، فَقل: كيف يرمي |
بيضُ أيّامها وسودُ لياليـ | ـها كشهبٍ تكرّ في إِثْر دُهْمِ |
وهي في كرّها عساكرُ حربٍ | غُرَّ مَنْ ظنها عساكرَ سلمِ |
بَدَرَ الموْتُ كلَّ طائرِ جَوٍّ | في مَفازٍ وكلَّ سابحِ يمّ |
رِبّ طوْدٍ يريك غيرَ بعيدٍ | منه شَمّ السماءِ أنْفُ أشَمَ |
جَمَعَ المَوْتُ بالمصارع منه | بين فُتخٍ محلّقاتٍ وعُصمِ |
كم رأينا وكم سمعنا المنايا | غيرَ أنّ الهوى يُصم ويعمي |
أين من عمّرَ اليبابَ، وجيلٌ | لبسَ الدهرَ من جديسٍ وطسم |
وملوكٌ من حِميرٍ ملأوا الأرْ | ضَ، وكانتْ من حكمهم تحتَ خَتْم |
وجيوشٌ يُظلّ غابُ قناها | أسُداً من حُماة ِ عُربٍ وعجم |
كَشّرَ الدهر عن حِدَادِ نُيوبٍ | أكلتهم بكلّ قضْمٍ وخضمِ |
وَمُح-ُوا من صحيفة الدهر طُرّاً | مَحَوَ هُوجِ الرياحِ آياتِ رسْم |
أفلا يُتّقى تغيّرُ حالٍ | فَيَدُ الدهرِ في بناءٍ وهدم |
والرزايا في وعظهنّ البرايا | في الأحايين ناطقاتٌ كبكم |
والذي أعجزَ الأطباءَ داءٌ | فقدُ روحٍ به وَوِجدانُ جسمِ |
لو بكى ناظري بصوتِ دماءٍ | ما وفَى في الأسى بحسرة ِ أمِّي |
مَنْ توسّدتُ في حشاها | وارتدى اللحمَ فيه والجلدَ عظمي |
وضعتْني كَرْهاً كما حملتني | وجرى ثديُها بشر بي وطَعمي |
شرح الله صدرها لي فأشهى | ما إليها إحضانُ جسمي وضمي |
بحنانٍ كأنها في رضاعي | أمّ سقْبٍ درّتْ عليه بشمِّ |
يا ابن أمي إني بحكمك أبكي | فقدَ أمي الغداة َ فابكِ بحُكمي |
قُسمَ الحُزنُ بيننا فثبيرٌ | لك قسم، وَيَذُبُلٌ منه قسمي |
لم أقُلْ والأسى يُصَدّقُ قولي | جمدت عبرتي فلذت بحلمي |
ولو أني كففتُ دمعي عليها | عقّني برّها فأصبحَ خصمي |
أُمّتا هل سمعتني من قريبٍ | حيثُ لي في النياح صرخة ُ قرم |
كنتُ أخشى عليك ما أنت فيه | لو تخيّلتُ في مُصابك همّي |
كم خيالٍ يبيتُ يمسح عطفي | لكِ يا أمتّا ويهتفُ باسمي |
وبناتٌ عليك منتحباتٌ | بخدودٍ مخّدرات بلطمِ |
بتنَ يمسحنَ منكِ وجهاً كريماً | بوجوهٍ من المصيبة ِ قُتْمِ |
وينادينَ بالتفجّعِ أمّاً | يا فداءً لها إجابة ُ غتم |
بأبي منك رأفة ٌ أسندوها | في ضريحٍ إلى جنادلَ صُمّ |
وعفافٌ لو كان في الأرض عادتْ | كلَّ عظم من الدفين ولحم |
وصيامٌ بكلّ مطلَع شمسٍ | قيامٌ بكلّ مطلع نجم |
ولسانٌ دعاؤهُ مُسْتجابٌ | ليَ أودعتُهُ الرغامَ برغمي |
وحفير من الصبابة ِ فيه | في حجاب التقى سريرة كتم |
كم تكفّلتِ من كبيرة سنّ | وتبنّيْتِ من صغيرة يُتمِ |
فأضاقتْ يداك من صَدَقاتٍ | كان يُحيا بهنّ ميّتُ عُدْم |
كان بين الأناس عُمْرُكِ حمدا | قد تبرّأتِ فيه من كلّ ذمّ |
أنتِ في جنة ٍ وروضِ نعيمٍ | لم يَسِمْ أرْضَها السحابُ بوسم |
يا أبا بكر: المصابُ عظيمٌ | فهو يُبكي بكلّ سحٍّ وسَجْمِ |
أنتَ في الودّ لي شقيقُ وفاءٍ | ومصابي إلى مصابك ينمي |
أنت من صفوة ِ الأفاضل نَدْبٌ | في نِصابٍ كريمِ خالٍ وعمِّ |
باتَ من طبعك المفجعِ طبعي | ربّ سهم أُعِيرَ صارم شهم |
تركت بيت يوسفٍ للمعالي | أسفاً ينحر العيون فيدمي |
دوحة ُ المجد بالفخار جناها | يافعٌ فهي في البلى تحت ردم |
فسقى التربة َ التي هي فيها | عارضٌ منه رحمة اللهِ تَهمي |
ولبستَ العزاءَ يا خير فرْعٍ | قد بكى حسرة ً على خير جِذْم |