بطيبة َ رسمٌ للرسولِ ومعهدُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
بطيبة َ رسمٌ للرسولِ ومعهدُ | منيرٌ، وقد تعفو الرسومُ وتهمدُ |
ولا تنمحي الآياتُ من دارِ حرمة ٍ | بها مِنْبَرُ الهادي الذي كانَ يَصْعَدُ |
ووَاضِحُ آياتٍ، وَبَاقي مَعَالِمٍ، | وربعٌ لهُ فيهِ مصلى ً ومسجدُ |
بها حجراتٌ كانَ ينزلُ وسطها | مِنَ الله نورٌ يُسْتَضَاءُ، وَيُوقَدُ |
معالمُ لم تطمسْ على العهدِ آيها | أتَاهَا البِلَى ، فالآيُ منها تَجَدَّدُ |
عرفتُ بها رسمَ الرسولِ وعهدهُ، | وَقَبْرَاً بِهِ وَارَاهُ في التُّرْبِ مُلْحِدُ |
ظللتُ بها أبكي الرسولَ، فأسعدتْ | عُيون، وَمِثْلاها مِنَ الجَفْنِ تُسعدُ |
تذكرُ آلاءَ الرسولِ، وما أرى | لهَا مُحصِياً نَفْسي، فنَفسي تبلَّدُ |
مفجعة ٌ قدْ شفها فقدُ أحمدٍ، | فظلتْ لآلاء الرسولِ تعددُ |
وَمَا بَلَغَتْ منْ كلّ أمْرٍ عَشِيرَهُ، | وَلكِنّ نَفسي بَعْضَ ما فيهِ تحمَدُ |
أطالتْ وقوفاً تذرفُ العينُ جهدها | على طللِ القبرِ الذي فيهِ أحمدُ |
فَبُورِكتَ، يا قبرَ الرّسولِ، وبورِكتْ | بِلاَدٌ ثَوَى فيهَا الرّشِيدُ المُسَدَّدُ |
وبوركَ لحدٌ منكَ ضمنَ طيباً، | عليهِ بناءٌ من صفيحٍ، منضدُ |
تهيلُ عليهِ التربَ أيدٍ وأعينٌ | عليهِ، وقدْ غارتْ بذلكَ أسعدُ |
لقد غَيّبوا حِلْماً وعِلْماً وَرَحمة ً، | عشية َ علوهُ الثرى ، لا يوسدُ |
وَرَاحُوا بحُزْنٍ ليس فيهِمْ نَبيُّهُمْ، | وَقَدْ وَهَنَتْ منهُمْ ظهورٌ، وأعضُدُ |
يبكونَ من تبكي السمواتُ يومهُ، | ومن قدْ بكتهُ الأرضُ فالناس أكمدُ |
وهلْ عدلتْ يوماً رزية ُ هالكٍ | رزية َ يومٍ ماتَ فيهِ محمدُ |
تَقَطَّعَ فيهِ منزِلُ الوَحْيِ عَنهُمُ، | وَقَد كان ذا نورٍ، يَغورُ ويُنْجِدُ |
يَدُلُّ على الرّحمنِ مَنْ يقتَدي بِهِ، | وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الخَزَايَا ويُرْشِدُ |
إمامٌ لهمْ يهديهمُ الحقَّ جاهداً، | معلمُ صدقٍ، إنْ يطيعوهُ يسعدوا |
عَفُوٌّ عن الزّلاّتِ، يَقبلُ عُذْرَهمْ، | وإنْ يحسنوا، فاللهُ بالخيرِ أجودُ |
وإنْ نابَ أمرٌ لم يقوموا بحمدهِ، | فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يَتَشَدّدُ |
فَبَيْنَا هُمُ في نِعْمَة ِ الله بيْنَهُمْ | دليلٌ به نَهْجُ الطّريقَة ِ يُقْصَدُ |
عزيزٌ عليْهِ أنْ يَحِيدُوا عن الهُدَى ، | حَريصٌ على أن يَستقِيموا ويَهْتَدوا |
عطوفٌ عليهمْ، لا يثني جناحهُ | إلى كَنَفٍ يَحْنو عليهم وَيَمْهِدُ |
فَبَيْنَا هُمُ في ذلكَ النّورِ، إذْ غَدَا | إلى نُورِهِمْ سَهْمٌ من المَوْتِ مُقصِدُ |
فأصبحَ محموداً إلى اللهِ راجعاً، | يبكيهِ جفنُ المرسلاتِ ويحمدُ |
وأمستْ بِلادُ الحَرْم وَحشاً بقاعُها، | لِغَيْبَة ِ ما كانَتْ منَ الوَحْيِ تعهدُ |
قِفاراً سِوَى مَعْمورَة ِ اللَّحْدِ ضَافَها | فَقِيدٌ، يُبَكّيهِ بَلاطٌ وغَرْقدُ |
وَمَسْجِدُهُ، فالموحِشاتُ لِفَقْدِهِ، | خلاءٌ لهُ فيهِ مقامٌ ومقعدُ |
وبالجمرة ِ الكبرى لهُ ثمّ أوحشتْ | دِيارٌ، وعَرْصَاتٌ، وَرَبْعٌ، وَموْلِدُ |
فَبَكّي رَسولَ الله يا عَينُ عَبْرَة ً | ولا أعرفنكِ الدهرَ دمعكِ يجمدُ |
ومالكِ لا تبكينَ ذا النعمة ِ التي | على الناسِ منها سابغٌ يتغمدُ |
فَجُودي عَلَيْهِ بالدّموعِ وأعْوِلي | لفقدِ الذي لا مثلهُ الدهرِيوجدُ |
وَمَا فَقَدَ الماضُونَ مِثْلَ مُحَمّدٍ، | ولا مثلهُ، حتى القيامة ِ، يفقدُ |
أعفَّ وأوفى ذمة ً بعدَ ذمة ٍ، | وأقْرَبَ مِنْهُ نائِلاً، لا يُنَكَّدُ |
وأبذلَ منهُ للطريفِ وتالدٍ، | إذا ضَنّ معطاءٌ بما كانَ يُتْلِدُ |
وأكرمَ حياً في البيوتِ، إذا انتمى ، | وأكرمَ جداً أبطحياً يسودُ |
وأمنعَ ذرواتٍ، وأثبتَ في العلى | دعائمَ عزٍّ شاهقاتٍ تشيدُ |
وأثْبَتَ فَرْعاً في الفُرُوعِ وَمَنْبِتاً، | وَعُوداً غَداة َ المُزْنِ، فالعُودُ أغيَدُ |
رَبَاهُ وَلِيداً، فَاسْتَتَمَّ تَمامَهُ | على أكْرَمِ الخيرَاتِ، رَبٌّ مُمجَّدُ |
تَنَاهَتْ وَصَاة ُ المُسْلِمِينَ بِكَفّهِ، | فلا العلمُ محبوسٌ، ولا الرأيُ يفندُ |
أقُولُ، ولا يُلْفَى لِقَوْلي عَائِبٌ | منَ الناسِ، إلا عازبُ العقلِ مبعدُ |
وَلَيْسَ هَوَائي نازِعاً عَنْ ثَنائِهِ، | لَعَلّي بِهِ في جَنّة ِ الخُلْدِ أخْلُدُ |
معَ المصطفى أرجو بذاكَ جوارهُ، | وفي نيلِ ذاك اليومِ أسعى وأجهدُ |