أيُرْجِعُ مَيْتاً رَنّة ٌ وَعَوِيلُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أيُرْجِعُ مَيْتاً رَنّة ٌ وَعَوِيلُ | ويشفى بإسراب الدموع غليل |
نُطِيلُ غَرَاماً، وَالسّلُوُّ مُوَافِقٌ | ونبدي بكاء والعزاء جميل |
شَبَابُ الفَتى لَيلٌ مُضِلٌّ لطُرْقِهِ | وَشَيبُ الفَتى عَضبٌ عَلَيهِ صَقيلُ |
فَمَا لَوْنُ ذا قَبَلَ المَشيبِ بدائِمٍ | ولا عصر ذا بعد الشباب طويل |
وحائل لون الشعر في كل لمة | دَلِيلٌ عَلى أنّ البَقَاءَ يَحُولُ |
نؤمل أن نروى من العيش والردى | شَرُوبٌ لأِعْمَارِ الرّجَالِ أكُولُ |
وهيهات ما يغنى العزيز تعزز | فيبقى ولا ينجي الذليل خمول |
نقول مقيل في الكرى لجنوبنا | وَهَل غَيرُ أحشَاءِ القُبُورِ مَقيلُ |
دَعِ الفِكْرَ في حُبّ البَقاءِ وَطولِهِ | فهمك لا العمر القصير يطول |
ولا ترج أن تعطى من العيش كثرة | فكل مُقام في الزمان قليل |
وَمَنْ نَظَرَ الدّنْيَا بِعَينِ حَقيقَة ٍ | درى أن ظلاًّ لم يزل سيزول |
تُشَيَّعُ أظْعَانٌ إلى غَيرِ رَجْعَة ٍ | وَتُبْكَى دِيَارٌ بَعْدَهمْ وَطُلُولُ |
لماذا تربي المرضعات طماعة | لماذا تخلَّى بالنساء بعول |
ألَيسَ إلى الآجَالِ نَهوِي، وَخَلفَنا | مِنَ المَوْتِ حَادٍ لا يَغُبُ عَجُولُ؟ |
فمحتضر بين الأقارب أو فتى | تشحط ما بين الرماح قتيل |
إذا لم يكن عقل الفتى عون صبره | فَلَيسَ إلى حُسْنِ العَزَاءِ سَبِيلُ |
وإن جهل الأقدار والدهر عاقل | فأضيع شيء في الرجال عقول |
تغير ألوان الليالي وتنمحي | بِهِ غُرَرٌ مَعْلُومَة ٌ وَحُجُولُ |
تعزَّ أمين الله واستأنف الأسى | ففي الأجر من عظم المصاب بديل |
وما هذه الأيام إلا فوارس | تُطَارِدُنَا، وَالنّائِبَاتُ خُيُولُ |
وإن زال نجم من ذؤابة هاشم | فَلا عَجَبٌ، إنّ النّجومَ تَزُولُ |
مَضَى وَالذِي يَبقَى أحَبُّ إلى العُلى | وَأهدَى إلى المَعرُوفِ حِينَ يُنيلُ |
بقاءَك نهوى وحده دون غيره | فَدَعْ كُلّ نَفسٍ ما سِوَاكَ تَسيلُ |
وَمَوْتُ الفتى خَيرٌ لَهُ من حَيَاتِهِ | إذا جاور الأيام وهو ذليل |
تَلَفّتْ إلى آبَائِكَ الغُرّ هَل تَرَى | مِنَ القَوْمِ بَاقٍ جاوَزَتْهُ حُبُولُ |
وَهل نالَ في العَيشِ الفتى فوْقَ عمرِهِ | وهل بُلَّ من داء الحمام غليل |
وَمَن ماتَ لمْ يَعلَمْ وَقد عانَقَ الثّرَى | بكاه خليل أم سلاه خليل |
فكَفْكِفْ عِنانَ الوَجدِ، إمّا تَعزّياً | وَإمّا طِلاباً أنْ يُقَالَ حَمُولُ |
فكُلٌّ، وَإن لمْ يَعجلِ المَوْتُ، ذاهِبٌ | ألا إنّ أعْمَارَ الأنَامِ شُكُولُ |
وللحزن ثورات تجور على الفتى | كما صرعت هام الرجال شمول |
لقد كنت أوصى بالبكاء من الجوى | لَوَ أنّ غَرَاماً بالدّمُوعِ غَسِيلُ |
فَأمّا، وَلا وَجْدٌ يَزُولُ بعَبرَة ٍ | فصبر الفتى عند البلاء جميل |
وكَم خالَطَ الباكينَ مِن سنّ ضَاحكٍ | وبين رغاء الرازحات صهيل |
وإني أراني لا ألين لحادثٍ | لَهُ أبَداً وَطْءٌ عَليّ ثَقِيلُ |
وَأُغضِي عَنِ الأقدارِ، وَهيَ تَنوبُني | وما نظري عند الأمور كليلُ |
يُهَوِّنُ عِندي الصّبرَ ما وَقَعَتْ بِهِ | صروف اللّيالي والخطوب نزولُ |
وما أنا بالمغضي على ما يعيبني | وَلا أنَا عَنْ وُدّ القَرِيبِ أحُولُ |
وَلا قَائِلٌ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ ضِدّهُ | وَلَوْ نَالَ مِنْ جِلْدِي قَناً وَنُصُولُ |
وَلَوْلا أمِيرُ المُؤمِنِينَ تَحَضّرَتْ | بيَ البِيدَ هَوْجاءُ الزّمَامِ ذَمُولُ |
وَطَوّحَ بي، في كُلّ شَرْقٍ وَمَغرِبٍ | زَمَانٌ ضَنِينٌ بِالرّجَاءِ بَخِيلُ |
ولكنهُ أعلى محلّي على العدا | وعلم نطقي فيه كيف يقول |
وعوّدني من جود كفيه عادة | أعُوجُ إلَيْهَا بِالمُنى وَأمِيلُ |
يُقولونَ: لوْ أمّلْتَ في النّاسِ غَيرَهُ | وَهَلْ فَوْقَهُ للسّائِلِينَ مَسُولُ |
وَمَنْ يَكُ إقْبَالُ الخَلِيفَة ِ سَيفَه | يلاق الليالي وهي عنه نكولُ |
وَمَنْ كَانَ يَرْمي عَن تَقَدّمِ باعِه | يصبْ سهمه أغراضه ويؤل |
فَتًى تُبصِرُ العَلْيَاءُ في كُلّ مَوْقِفٍ | بِهِ الرّمْحَ أعمَى وَالحُسَامَ ذَلِيلُ |
ويدخلُ أطراف القنا كل مهجة ٍ | بِهَا أبَداً غِلٌّ عَلَيْهِ دَخِيلُ |
إذا لاحَ يَوْمُ الرّوْعِ في سرْجِ سابحٍ | تَنَاذَرَهُ بَعْدَ الرّعِيلِ رَعِيلُ |
بَقِيتَ، أمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَإنّما | بَقَاؤكَ بِالعِزّ المُقِيمِ كَفِيلُ |
ولا ظفرت منك الليالي بفرصة ٍ | وَلا غَالَ قَلباً بَينَ جَنبِكَ غُولُ |
وأُعطيتُ ما لم يُعط في الملك مالك | فإنّك فضل والأنامُ فضولُ |