أقوال السلف والعلماء في إفشاء السر
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
- (قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لابنه عبد الله رضي الله عنه: يا بني، إن أمير المؤمنين يدنيك -يعني عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه- فاحفظ عني ثلاثًا: لا تفشينَّ له سرًّا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، ولا يطَّلعنَّ منك على كذبة) .
- وقال معاوية: (ما أفشيت سرِّي إلى أحد إلا أعقبني طول الندم، وشدة الأسف، ولا أودعته جوانح صدري فحكمته بين أضلاعي، إلا أكسبني مجدًا، وذكرًا، وسناء، ورفعة.
فقيل: ولا ابن العاص .
قال: ولا ابن العاص .
وكان يقول: ما كنت كاتمه من عدوِّك، فلا تظهر عليه صديقك) .
- ويُروى أيضًا (أنَّ معاوية رضي الله عنه أسرَّ إلى الوليد بن عتبة حديثه؛ فقال لأبيه: يا أبت، إنَّ أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أُراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك.
قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه.
قال: فقلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه؟ فقال: لا والله يا بني، ولكن أحبُّ أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ.
قال: فأتيت معاوية فأخبرته، فقال: يا وليد، أعتقك أبوك من رقِّ الخطأ، فإفشاء السرِّ خيانة، وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار) .
- و(قال عمرو بن العاص: ما استودعت رجلًا سرًّا فأفشاه فلمته؛ لأني كنت أضيق صدرًا منه حيث استودعته إيَّاه) (4) .
- وقال عبد الملك بن مروان للشعبي، لما دخل عليه: (جنبني خصالًا أربعًا: لا تطريني في وجهي، ولا تجرين علي كذبة، ولا تغتابن عندي أحدًا، ولا تفشين لي سرًّا) .
- وقال الحسن: (إنَّ من الخيانة أن تحدِّث بسرِّ أخيك).
- وقال أكثم بن صيفيٍّ: (إنَّ سِرَّك من دمك، فانظر أين تريقه) .
- وقال الأعمش: (يضيق صدر أحدهم بسرِّه حتى يحدِّث به، ثم يقول: اكتمه عليَّ) .
- وقال أبو حاتم: (مَن حصَّن بالكتمان سرَّه تمَّ له تدبيره، وكان له الظفر بما يريد، والسلامة من العيب والضرر، وإن أخطأه التمكن والظفر، والحازم يجعل سرَّه في وعاء ويكتمه عن كلِّ مستودع، فإن اضطره الأمر وغلبه أودعه العاقل الناصح له؛ لأنَّ السرَّ أمانة، وإفشاؤه خيانة، والقلب له وعاؤه؛ فمن الأوعية مَا يضيق بما يودع، ومنها مَا يتسع لما استودع).
- وقال بعضهم: (كتمانك سرَّك يُعقبك السلامة، وإفشاؤك سرَّك يُعقبك الندامة، والصبر على كتمان السرِّ أيسر من الندم على إفشائه) .
- وقال الراغب الأصفهاني: (إذاعة السرِّ من قلة الصبر، وضيق الصدر، وتوصف به ضعفة الرجال، والصبيان، والنساء) .
- وعن المدائني قال: (كان يُقال: أصبر الناس الذي لا يفشي سرَّه إلى صديقه؛ مخافة أن يقع بينهما شيء فيفشيه).
- وقال بعضهم: (ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما في يده من اللصوص فيخفيه، ويمكِّن عدوَّه من نفسه بإظهاره ما في قلبه من سرِّ نفسه وسرِّ أخيه؛ ومن عجز عن تقويم أمره، فلا يلومنَّ إلا نفسه إن لم يستقم له) .
- وقال رجل من سلف العلماء: (كان يقال: أملك الناس لنفسه من كتم سرَّه من صديقه وخليله).
قال أبو عبيد معلقًا على هذا القول: (أحسب ذلك للنظر في العاقبة، ألا يتغيَّر الذي بينهما يومًا ما فيفشي سرَّه) .
- (وشكا هشام بن عبد الملك ما يجد من فقد الأنيس المأمون على سرِّه، فقال: أكلت الحامض والحلو حتى ما أجد لهما طعمًا، وأتيت النساء حتى ما أبالى امرأة لقيت أم حائطًا، فما بقيت لي لذة إلا وجود أخ؛ أضع بيني وبينه مؤونة التحفُّظ) (15).
- وقال الماوردي: (وكم مِن إظهار سرٍّ أراق دم صاحبه، ومنع من نيل مطالبه، ولو كتمه كان من سطوته آمنًا، وفي عواقبه سالـمًا، ولنجاح حوائجه راجيًا)
- وقال أيضًا: (وإظهار الرجل سرَّ غيره أقبح من إظهاره سرَّ نفسه؛ لأنَّه يبوء بإحدى وصمتين: الخيانة إن كان مؤتمنًا، أو النَّمِيمَة إن كان مستودعًا، فأما الضرر فربما استويا فيه وتفاضلا.
وكلاهما مذموم، وهو فيهما ملوم) .
- (وقيل لعدي بن حاتم: أي الأشياء أوضع للرجال؟ قال: كثرة الكلام، وإضاعة السرِّ، والثقة بكلِّ أحدٍ) .
- وقال الجاحظ: (والسرُّ- أبقاك الله- إذا تجاوز صدر صاحبه، وأفلت من لسانه إلى أُذنٍ واحدة، فليس حينئذ بسرٍّ، بل ذاك أولى بالإذاعة، ومفتاح النشر والشهرة.
وإنما بينه وبين أن يشيع ويستطير أن يُدفع إلى أُذنٍ ثانية.
وهو مع قلة المأمونين عليه، وكرب الكتمان، حريٌّ بالانتقال إليها في طرفة عين).
- وكان المنصور يقول: (الملك يحتمل كلَّ شيء من أصحابه إلا ثلاثًا: إفشاء السرِّ، والتعرُّض للحرم، والقدح في الملك)