أرشيف المقالات

الاستمرار نحو التغيير بعد رمضان..

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
الاستمرار نحو التغيير بعد رمضان

مقدمة:
أقدم هذا الكتيب إلى كل من ثابر وصَبر، وسار بنفسه نحو طريق التغيير لتخرج من ظلمات النفس الأمارة بالسوء إلى نور الله سبحانه وتعالى...
إلى كل من ملَّ أن يكون من عوام الناس ويريد القرب من حبيبه، ويحن نفسه إليه، إليك أُهدي هذا الكتيب لينير لك طريقك نحو التغيير الذي بدأت مسيره من رمضان...

فهنيئًا لك على هذه الخطوة المباركة، وأتمنى لك التوفيق والسداد من الله...

بدأنا مشوار التغيير، وهتفنا بها عندما أعلنا أن ننتصر على هذه النفس الأمارة بالسوء، كان الدوام شعارنا، وكانت بداية انطلاقنا إلى تحرير أنفسنا من الظلمات شهرًا كله بركات،شهرًا هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه من أفضل الأيام، ولياليه هي على الإطلاق أفضل الليالي...
إنه رمضان...
وها نحن قد ودَّعناه بأيامه الجميلة ولياليه العطِرة الفوَّاحة بالروحانية، ودَّعناه ومضى، ولا ندري هل سندركه في عام قادم، أو ستنتهي آجالنا دونه؟ فهل يا تُرى سنكمل المشوار الذي بدأناه؟ وهل سيكون الاستمرار على ما كنا عليه في رمضان دائمًا ما حيينا؟!

لا أقصد بالاستمرار أن نكون تمامًا على ما كنا عليه في رمضان؛ لأن ذلك صعب على النفس في بداية طريقها إلى التغيير، ولكن ما أقصده من الاستمرار أن يحتويَ على هذه المعاني الثلاث:
١.
الهجرة: أن تهجر كل حرام ساقتك إليها هذه النفس، وجعلته لك عادة من قبل رمضان من قول وعمل.

٢.
الزيادة: أن تكون هذه النفس تحولت إلى الأحسن مما كانت قبل رمضان، وعزمت على الارتقاء في الطاعات والأعمال الصالحة ولو قليلًا.

٣.
المواظبة: أن تواظب وتستثمر في بداية طريقك إلى التغيير، ولا تجعلها مقيدة بشهر واحد في السنة، بل الدوام، بل الدوام، حتى تلقى الله بنفس مطمئنة وقلب سليم.

أخي، أُخيتي، لقد انتقيتُ لك عشرة حوافز، تكون كالوقود تشحن همتك، وتعينك على الاستمرار والالتحاق بقطار المتقين الذي بدأ رحلته من رمضان، ولأن الرحلة ستكون طويلة من أجل ذلك؛ أعددت لك محطات سميتها "وقفة مع النفس"، أتركك فيها لنفسك مع نفسك، حاسبها، تحدث إليها، وارتقِ بها إلى مولاها؛ نعم المولى ونعم النصير.

أعلم أنك تتساءل: ما المستفاد من هذه الرحلة الطويلة؛ رحلة الاستمرار نحو التغيير؟! وأقوم بإجابتك مسرعة أن من خلال هذه الرحلة:
• ستقضي على المرض الوبائي الذي تسرب إلى قلبك.
• ستعود إليكِ روحك التي طالما كانت تحت سجن الشيطان وظلمات الخطايا.
• قلبك يفر مسرعًا إلى حبيبه الذي طالما مات شوقًا للُقياه.
• دموع خشيتك تغسلك من الخطايا بالماء والثلج والبرد.
• آيات قرآنك تطهرك وتنقيك، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
• ستشعر بحلاوة الإيمان يتسرب إلى قلبك.

كل هذا نتيجة وبركة الاستمرار، وصدق الإصرار نحو هذه الرحلة المباركة.

إليك أول حافز أيها المبارك، أيتها المباركة:
أوشك القطار أن يرحل، الْحَقْ بالرَّكب...

لقد تخرجتَ من أيام مدرسة رمضان، فلا شك أن قلبك في شوق، وهو شاحن فلا يحتاج منك الكثير من الوقت كي توقظه، فهلا لحقت بركب الصالحين؟وكيف تتعرف عليهم؟ والقطار واسع وفيه ألوان وأشكال الخلق كُثُر؟ سأخبرك فهذا أمر سهل!

الصالحون هم الذين يهتفون: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]، فإذا وجدتهم فالزمهم، وشاركهم في مجالس الذكر وأعمال الخير، وهداية الخلق...
تزاور معهم في الله وأحِبَّهم فيه.

وقفة مع النفس...

قال أحد الشيوخ: لو أُذِن لكل ميت لقال: أهلكتني (سوف) و(السين) سأتوب، سوف أتوب، سأتصدق، سوف أتصدق، سأصلي، سوف أصلي، وهكذا مات كثير من الناس ولم يحققوا أمنياتهم، فمات وفي نفسه غُصَّة...

الحافز الثاني...
رسالة من رمضان...
اقرأها بقلبك:
أنا شهر كله خير، أيامي ولياليَّ مباركة، ينتظرني الجميع بشوق؛ لأنهم يعرفون أني الشهر الوحيد الذي فيه أُنزل القرآن، فيجتهدون بقراءته آناء الليل وأطراف النهار؛ كي ينالوا الأجر العظيم، ومن بين لياليَّ ليلةٌ هي خير من ألف شهر، فيتجه الكل بالعبادة حتى يدركها، ولكن يتعامل كثير من الناس معي خارج إطار الزمن، فلا يصلوني بإخواني من شهور العام، ولا يَرَون أني حلقة في سلسلة من الزمن المبارك، فينظرون إليَّ على أني مجرد فرصة لاكتناز الثواب والعبِّ من الحسنات...
ويا ليتهم مع هذا يجتهدون في الحفاظ على ما اكتسبوا، بل يسمحون لشياطين الإنس والجن أن تسرق إيمانهم وتسطو على حسناتهم، فيرجعون بالإفلاس آخر العام بعد أن كانوا أغنى الأغنياء في أوله؛ ذلك لأنهم اعتبروا مهمتي انتهت بانتهائي، وهي بالكاد بدأت...
فهل أدركتم عظمتي؟!

وقفة مع النفس:
لا تحزنوا؛ الصوم لا ينتهي...
والقرآن لا يُهجر،والمساجد لا تُترك...
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، كونوا ربانين ولا تكونوا رمضانين.

الحافز الثالث:
القادمون عبر رمضان لا يأسَ بعد اليوم:
اعلم بعد مرورك من طريق رمضان أنك تشعر بالندم؛ لأن رمضان كان شمعة أضاءت لك ظلمات نفسك، فأرتك نفسك على حقيقتها، وعرفتك عيوبك ونقاط ضعفك، فلا تيأس إذا كثرت انتكاساتك وكثرت محاولاتك، بل تذكر أن الندم وحده لا يأتي بالشيء المفيد، ولكن عليك بالمثابرة، وأن تخطط لكي تستمر نحو هدفك وغايتك...
وتذكر أن مواسم الطاعات كُثُر، فانتهز الفرص فيها، ولا تجعل للشيطان حظًّا أن يُثبِّطك حين يرى أنك تهاونت في الأعمال الصالحة بعد رمضان، بل قُلْ وبكل ثقة: إنك سوف تبدأ في الزرع مرة أخرى لتحصده في رمضان القادم بإذن الله.

وقفة مع النفس:
"تأكد أنك حين تنكسر لن يرحمك بعد الله سوى نفسك، وحين تنهزم لن ينصرك سوى إرادتك، فقدرتك على الوقوف مرة أخرى لا يملكها سواك، وﻻ ﺗﻴﺄﺱ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺑﻜﺖ ﻗﻠﺒﻚ، ﻭﻗﻞ: ﺍﻟﻠﻪ يعوضني ﺧﻴﺮًﺍ"؛ د.
رمضان حسين الشيخ.

الحافز الرابع: أبشر يا صاحب الهمة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال فكأنما صام الدهر))؛ [حديث صحيح]، إليك سر هذا الثواب العظيم أيها العزيز وأيتها العزيزة؛ قال الإمام المناوي: "خص شوال لأنه زمن يستدعي الرغبة فيه إلى الطعام لوقوعه عقب الصوم، فالصوم حينئذٍ أشق، فثوابه أكثر"، هذه فرصة عظيمة أعطاك الله؛ فربما مات أناس لم يبلغوا شوال بيوم أو يومين، فبادر ولا تؤجلها، ولا تقول: سوف أصوم في العام المقبل أو في نهاية الشهر، بل بادر لأنك لا تدري هل أنت من الأحياء أو الأموات؟!

استشعر عظمة هذا الأجر بأن تنوي هذه النوايا خالصة لوجه الله:
هذه الست من شوال تقوم بمقام النافلة، وتكمل لك ما انتقص من صيامك بإذن الله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص فريضته من شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبديمن تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك))؛ فلا تتهاون في صيامه، إنها فرصة عظيمة لك لتستمرَّ على ما كنت عليه في شهر البركات.
صيام ستٍّ من شوال يكون بمثابة شكر النعمة؛ نعمة الصيام في رمضان الذي منحك إياه ربما حرم منه الكثير؛ سواء كانوا أحياء أم أمواتًا.

اجعل صيام الست من شوال نقطةَ انطلاقك بمداومة صيام التطوع؛ كصيام الاثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام البيض في كل شهر، وصيام العشر من ذي الحجة، وتأمل في الحديث جعلني وإياكم من أهله: ((إن في الجنة بابًا، يُقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يُقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد)).

وقفة مع النفس:
هل تريد أن تكون موفقًا؟! فاحرص على مدوامة الصيام بعد رمضان؛ لأنها مرتبة ودرجة عالية لا يبلغها إلا موفَّق.

الحافز الخامس:
واصل جهدك يا أيها المثابر نحو طريق التغيير:
يا من اتخذتَ شهر رمضان على أنه فرصة مرت بك، ثم تركتَ كل ما كنت عليه فيه من الأعمال الصالحة، هل تعلم أنك بدَّلت نعمة الصيام كفرًا؟! وأنك إذا تريد قياس قبول عملك في رمضان سوف تتوفق وتستمر على ما كنت عليه بعده؛ يقول ابن رجب: "فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من بدل نعمة الله كفرًا"؛ فالاستمرار الاستمرار حتى تقضي على دستور نفسك الظالمة.

وقفة مع النفس:
أخي الفاضل، أختي العزيزة، اذكر حلاوة الإيمان الذي تذوقته في رمضان، اذكر كظم غيظك، اذكر تعبك ومجاهدة نفسك على التغيير، اذكر تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار طوال الشهر، فهل تريد أن يضيع كل هذا الجهد هباءً؟

الحافز السادس:
اهتف بالاستقامة لأنها طريق الهداية...
يقول الله عز وجل: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾ [هود: 112]؛ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية"، لماذا؟ أتدري؟ لأن الاستقامة عِلْمٌ، فكلما استقمت، زاد علمك ومعرفة طريقك من قربك إلى الله، وتتعرف أكثر على محطة الوصول، والاستقامة أيضًا سداد، فكلما ركزت عليه، كانت عزيمتك أقوى وأقرب لمرادك؛ قل: "اللهم اهدني وسددني".

وقفة مع النفس:
أيها المبارك، أيتها المباركة، عندما تهتف بهذا الدعاء سبع عشرة مرة في اليوم والليلة، وفي أشرف المواضع على الإطلاق في صلاتك، حين تقرأ بفاتحة الكتاب: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، اقرئها بقلبك، وكررها بلسانك، واستشعر قرب الاستقامة.

الحافز السابع:
نلْ محبة الله:
أتدري أيها المحب لتنال محبة الله فإن ذلك متوقف على أن تستمر في الأعمال الصالحة، وأن تتزود من النوافل؛ تأمل هذا الحديث: ((ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))، الله جل وعلا يحبنا، أعلم أنك تحب الله، هذا أمر واجب عليك، وكيف لا وهو الذي أوجدك في هذه الدنيا، وهو الذي رباك منذ الصغر، هو الذي أصبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة؟ ولكن أن يحبك الله، فهذا والله هو الفوز العظيم، وهو التوفيق.

وقفة مع النفس:
تأمل في ثمرات محبة الله، وهي كثيرة؛ سأذكر منها الآتي:
١- توفيق الله عبده للعمل الصالح؛ فترى هذا الإنسان تُيسر له الأعمال الصالحة، ويستعمله الله، ولا يستبدله، لا سيما قبل موته، يختم له بعمل يحبه الله ويرضاه.

٢- قبول العبد في الأرض؛ فإذا أحبك الله، حبب خلقه فيك في السماوات السبع والأرضين، فتراه مقبولًا بين الناس يحبونه، ونفوسهم تميل إلى حديثه ووجوده بينهم.

٣- مقبول الدعاء، فمن ثمرة محبة الله للعبد أن دعاءه مستجاب؛ لأنه حقق تمام العبودية لله، وزهدت نفسه في حطام الدنيا وزينتها، فكان جزاؤه أن الله يعطيه سؤله ومبتغاه مما هو خير له في دنياه وآخرته.

وتذكر "من ذاق حب الله ارتوى"، فاروِ عطشك بحبه يروِك.

الحافز الثامن:
جدد العهد مع الله؛ فكل واحد منا في رمضان قد عزم وعهد الله على أن يستمر على الطاعات؛ مثل: قيام الليل، الصيام، الصدقة...
يقول الله سبحانه: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ [النحل: 91]، وما إن جاء العيد نسينا ما عهدنا الله، فهلَّا جددنا عهودنا مع الله، ونبدأ بداية جديدة ومشرقة، فقد قِيل منذ زمن: "من كانت له بداية محرقة، كانت له نهاية مشرقة".

وقفة مع النفس:
أخي، أختي، إلى متى تخضع لهذه النفس الأمارة بالسوء، وتنقض عهدك مع الله مرة تلو المرة؟ ألا تخاف أن تتصف بصفات المنافقين: ((وإذا وعد أخلف)) أم تريد أن تكون من الذين ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾ [التوبة: 46]، وما فعلت ذلك، ثم قيل لك: ﴿ وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46].

وقفة مع النفس:
لا تغفل عن ذكر الله خاصة أذكار الصباح والمساء؛ لأن بين طياتها كلمات تعينك على يقظة قلبك، وتُذكِّرك بعهدك السابق الذي قطعته على نفسك، وكأنك تقول بلسان حالك: ((أنا على عهدك ووعدك ما استطعت))، تأملها واجعلها تمر على قلبك قبل لسانك، وسترى العجب، ابدأ فقط أنت لها.

الحافز التاسع:
أكثر من الأعمال الصالحة:
أخي الكريم، أختي الكريمة، إليك أقدم بعض الأعمال الصالحة تكون لك زادًا في طريقك، وتعينك على الاستمرار بإذن الله:
١- الإكثار من ذكر الله والاستغفار؛ فإنه عمل يسير ونفعه كبير يزيد الإيمان ويقوِّي القلب.

٢- البدء بحفظ كتاب الله والمداومة على تلاوته وقراءة ما تحفظ في الصلوات، وتعلم علم التجويد كي تتقن قراءة القرآن الكريم.

٣- الحرص على الفرائض كالصلوات الخمس والحرص على أدائها في وقتها.

٤- الحرص على النوافل ولو القليل المحب للنفس؛ فإن أحب الأعمال إلى الله كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أدومه وإن قلَّ)).

٥- التعرف على سير الصالحين من خلال قراءة الكتب أو سماع المحاضرات، وخاصة سير الصحابة؛ فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة.

٦- الإكثار من مجالسة الصالحين والحرص على مجالس الذكر.

٧- البعد كل البعد عن مفسدات القلب من أصحاب السوء وأجهزة التلفاز والستلايت والاستماع للغناء والطرب والنظر في المجلات الخليعة.

٨- ليكن لديك أرقام العلماء والدعاة وطلاب العلم؛ للرجوع إليهم عند أي استفسار أو استشارتهم في أمورك.

وقفة مع النفس:
اسمع هذا الكلام الذي والله يُكتب بماء الذهب؛ يقول أبو العلاء بن زيادة رحمه الله: "لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت، وأنه استقال ربه فأقاله، فليعمل بطاعة الله".

الحافز العاشر والأخير:
استعِنْ بالله:
عزيزي القارئ، عليك دومًا أن تسأل المعونة من الله؛ فإنك لا توفق إلى أي عمل صالح إلا بإذنه، فقِفْ على بابه بذلٍّ وانكسار؛ فأنت الفقير وأنت الضعيف، وهو الملك الغني عن العالمين، ومع هذا فهو يحب أن يسمع دعاءك وإلحاحك له...فهلا دعوته بصدق وبُحتَ له بما بداخلك؛ لأنه الوحيد الذي يحن عليك ويفهمك، ويستجيب لطلبك، فهل لك حبيب سواه؟ ألم يقل لك في كتابه العزيز: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، ألم يأنِ يا عبدالله أن ترجع إلى مولاك ومأواك؟ ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الحديد: 16].

وقفة مع النفس:
اسمع دعاء خليفة رسول الله؛ عمر بن الخطاب يقول:"اللهم إني غلِيظ فليِّنِي إلى أهل طاعتك ابتغاء وجهك والدار الآخرة، وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة والنفاق من غير ظلم مني لهم ولا اعتداء عليهم، اللهم إني شحيح فسُقني في نوائب المعروف قصدًا من غير سرف ولا تبذير، ولا رياء ولا سمعة، واجعلني أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة، اللهم ارزقني خفض الجناح ولين الجانب للمؤمنين، اللهم إني كثير الغفلة والنسيان، فألهمني ذكرك على كل حال، وذكر الموت في حين، اللهم إني ضعيف عند العمل بطاعتك، فارزقني النشاط فيها والقوة عليها بالنية الحسنة، التي لا تكون إلا بعزتك وتوفيقك"، فإذا كان هذا حال مبشَّر بالجنة، فكيف بحالنا نحن؟!

وأخيرًا:
لم تنتهِ رحلتنا نحو التغيير، ولكن انتهى مطافنا، أوصيك ونفسي بالتوبة العاجلة؛ التوبة النصوح، التوبة التي ليس فيها رجوع؛ فإن الله يفرح بعبده إذا تاب أشد الفرح، ولا تكن من أولئك القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان؛ لقد قال أحد السلف فيهم: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان"، فلنَسِرْ على طريق سلفنا الصالح؛ حيث كانوا يرفعون أيديهم، يدعون الله قبل رمضان بستة أشهر ويسألونه أن يبلغهم رمضان، وإذا انقضى رمضان أخذوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم هذا العمل، وهم بين الخوف والرجاء، فأسأل الله لي ولكم الثبات على طاعته حتى نلقاه.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١