أرشيف المقالات

استدراجهم بصنوف النعم ليزدادوا إثما

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
اسْتَدْرَاجَهُم بصُنُوفِ النِّعَمِ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا
 
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.[1]
 
من أعظم أسباب ضلال الكفار، ومن أظهر الصوارف لهم عن التفكر في عاقبة أمرهم، ما هم فيه من رغد العيش، وعدم المعاجلة بالعقوبة.
 
فيتعامي الواحد منهم عما هو فيه من الضلال، لأنَّه لم ير أثرًا لمغبة كفره، بل ربما يكون أرغد عيشًا من كثير من المسلمين.
 
فيتوهم أن بين رغدِ العيش ورضى الرب تلازمًا، وأن سعة الرزق في الدنيا علامة على السعادة الأبدية في الآخرة.
 
وهي شبهة ألقاها الشيطان في قلوب الكفار على مَرِّ الدهورِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم: ﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾.
[سَبَأٍ: 35]، ظنوا أنَّ كثرةَ الأموالِ والأولادِ علةُ عدمِ العذابِ.
 
وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ ذلكَ الرَّجُلِ الذي كفر بالله تعالى وأنكر البعث والنشور: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾.
[الْكَهْفِ: 35، 36]، ظنًّا منه أن بين رغدِ العيش والسعادة الأخروية تلازمًا.
 
وقد حذرهم الله تعالى من الاغترار بإمهاله لهم، وإغداق الرزق عليهم فقال: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ ﴾.[2]
 
وبين سبحانه وتعالى علة ذلك الإِمْلَاءِ، وهو أنهم أَعْرَضُوا عَنْ الإيمانِ بالله وَجَعَلُوهُ دينَ الله تعالى وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ فَفَتَحَ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ الرِّزْقِ واسْتَدْرَاجَهُم بصنوفِ النِّعَمِ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا؛ كما قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾.[3]
 
فاحذر يا عبد الله أن تسلك سبيلهم، أو تعتقد رأيهم، فإنهم وردوا موارد الهلاك!
 
وكن على حذرٍ من مكرِ اللهِ؛ ﴿ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾[4].
 
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَمْكُرُ بِهِ، فَلَا رَأْيَ لَهُ[5].



[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَة/ 178.


[2] سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: الآية/ 55، 56.


[3] سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الآية/ 44.


[4] سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الآية/ 99.


[5] رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ في التفسير (4/ 1291).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢