(قَسْم الصدقات ) من بلوغ المرام
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
مختصر الكلام على بلوغ المرام(بابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ)
والأصل في ذلك قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
611- عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدْريِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحِلُّ الصَّدقَةُ لغَنيّ إلا لخمسةٍ: لعاملٍ عليها أَوْ رجل اشتراها بمالِهِ، أَوْ غارِمٍ، أَوْ غازٍ في سبيل الله، أَوْ مسكينٍ تُصُدِّق عليه منها فَأَهْدى منها لغنّيٍّ" رواهُ أحمد وأبو داود وابن ماجه وصحَّحه الحاكم وَأُعِلّ بالإرسال.
الحديث دليل على تحريم الصدقة على الغني إلا إذا كان من الخمسة المذكورين.
612- وعن عُبَيْد الله بن عَدِيِّ بن الخِيَارِ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلَيْنِ حدّثَاهُ أنّهُما أَتَيا رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يسأَلانِهِ من الصَّدَقةِ فقَلَّبَ فيهِمَا النَّظَرُ فرآهُما جَلْدَيْنِ فقال: "إن شِئْتُما أعْطيتكُما ولا حظَّ فيها لغنيٍّ ولا لقويٍّ مُكتَسِبٍ" رواهُ أحمد وقواه أبو داودَ والنسائي.
الحديث دليل على أن الغني والقوي المكتسب لا حق لهما في الصدقة.
613- وعنْ قَبِيْصَة بن مُخَارق الهلاليِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ المسألةَ لا تَحِلُ إلا لأحد ثلاثة: رَجُلٍ تَحَمّلَ حَمَالةً فحَلَّت لَهُ المسأَلَة حتى يُصيبها ثم يمسك، ورجلٍ أَصابتْهُ جائحَةٌ اجتاحتْ مالهُ فَحَلّت لهُ المسْأَلَةُ حتى يصيب قِوَاماً منْ عيشٍ، ورجل أَصابتهُ فاقةٌ حتى يقول ثلاثةٌ من ذوي الحِجَى مِنْ قَوْمه: لَقَدْ أصابت فلاناً فاقةٌ فحَلّتْ لَهُ المسأَلةُ حتى يُصيب قِواماً مِنْ عَيْش فمَا سواهُنَّ من المسأَلة يا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يأكُلُهُ صَاحِبُهُ سُحْتاً" رواهُ مُسْلمٌ وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان.
الحديث دليل على جواز المسألة لمن تحمل عن غيره ديناً أو دية ليصلح بذلك بين الناس وإن كان غنياً حتى يحصلها، الثاني من أصاب ماله آفة حلت له المسألة حتى يحصل ما يقوم بحاله، الثالث من أصابته فاقة بشرط أن يشهد له ثلاثة من ذوي العقول ممن يخبر حاله فتحل له المسألة حتى يحصل ما يقوم بحاله، وما زاد على ذلك من المسألة فهو حرام.
614- وعنْ عَبْدِ المُطلب بن ربيعة بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إن الصدقةَ لا تنبغي لآل محمدِ، إنما هي أَوْساخُ الناس".
وفي رواية "وإنها لا تحلُّ لمحمدٍ ولا لآل محمد" رواهُ مُسْلمٌ.
الحديث دليل على تحريم الصدقة على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعند أبي نعيم: "إن لهم في خمس الخمس ما يكفيهم ويغنيهم"، واستدل به على جواز الصدقة لهم إن منعوا خمس الخمس.
615- وعنْ جُبيرِ بن مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قالَ: مشيتُ أنا وعثمان بنُ عفانَ - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقُلنْا: يا رسول الله أَعطَيْتَ بَني المطلبِ من خُمُس خَيْبرَ وتركْتَنَا ونحن وهُمْ بمنزلةٍ واحدةٍ؟ فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما بنُو المطلب وبنُو هاشمٍ شيءٌ واحدٌ" رواهُ البخاري.
بنو المطلب هم أولاد المطلب بن عبد مناف، وجبير بن مطعم من أولاد نوفل بن عبد مناف، وعثمان من أولاد عبد شمس بن عبد مناف، وهاشم بن عبد مناف، فبنو المطلب وبنو عبد شمس وبنو نوفل أولاد عم في درجة واحدة، والحديث دليل على أن بني المطلب يشاركون بني هاشم في سهم ذوي القربى، وتحريم الزكاة أيضاً دون من عداهم لاستمرارهم على الموالاة كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام)، وهو مذهب الشافعي، وقال الجمهور: إنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاهم على جهة التفضل، والله أعلم.
616- وعنْ أَبي رافع - رضي الله عنه - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثَ رجُلاً على الصدقَةِ من بني مَخْزُومٍ فقال لأبي رافع: اصْحَبْني فإنك تُصيبُ منها، فقال: لا، حتى آتِيَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأَسْأَلُهُ، فأَتاهُ فسأله فقال: "مولى القَوْم مِنْ أَنفسهم وإنَّها لا تحلُّ لنَا الصَّدقة" رواهُ أحمد والثلاثة وابن خزيمةَ وابن حِبَّانَ.
الحديث دليل على أن حكم موالي آل محمد - صلى الله عليه وسلم - حكمهم في تحريم الصدقة.
617- وعن سالم بن عَبْدِ الله بن عُمر عَنْ أَبيه - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُعْطي عُمَرَ ابن الخطاب العْطاءَ فيقولُ: أَعْطِه أَفْقَر منّي، فَيَقُول: "خُذْهُ فَتَمَوّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ به، وما جاءَكَ مِنْ هذا المال وأَنْت غيرُ مُشْرِفٍ ولا سائلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا فلا تُتْبِعه نَفْسَكَ" رواهُ مسلمٌ.
الحديث دليل على أن العامل ينبغي له أن يأخذ العمالة ولا يردها، فإن الحديث ورد فيها كما في بعض طرقه: "عملت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعملني أي أعطاني أجرة عملي" الحديث وفي بعض طرقه: "قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحداً شيئاً ولا يرد شيئاً أعطيه" قال في سبل السلام: وأما عطية السلطان الجائر وغيره ممن ماله حلال وحرام، فقال ابن عبدالبر: إن أخذها جائز مرخص فيه، قال: وحجة ذلك أنه تعالى قال في اليهود: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ [المائدة: 42]، وقد رهن - صلى الله عليه وسلم - درعه من يهودي مع علمه بذلك انتهى، والله أعلم.