أرشيف المقالات

صلاة الجماعة .. تنبيهات فقهية (1)

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
صلاة الجماعة..
تنبيهات فقهية (1)
 
صلاة الجماعة من الشعائر التي تنطوي على حسنات جزيلة، ومعانٍ عظيمة، وحِكَم ربانية جليلة، ويكفي أن حاضري المسجد ضيوف الرحمن، فضلاً عن توكيد أواصر المحبة والتآلف بين المسلمين، وترسيخ معاني الوحدة والتآزر؛ ولذا وجب الاهتمام بفقهها، والعناية بآدابها علمًا وعملاً، ومن هذا المنطلق رأيت أن أقتطفَ من البحوث الفقهية بعض الدرر والتنبيهات النادرة التي ربما لا يتفطن لها البعض، سائلاً المولى - عز وجل - النفع والمثوبة، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
 
• روى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من سمع النداء فلم يأتِهِ فلا صلاة له إلا من عذر))؛ [(صحيح)، حديث 6300، صحيح الجامع]. ‌
 
• من كان بعيدًا نائيًا من المسجد، بحيث لا يسمع النداء بلا مكبرات الصوت مع سكون الرياح والضوضاء، ونحو ذلك مما يؤثِّر على السماع - لا تجب عليه صلاة الجماعة في المسجد.
 
وهذا بالنسبة للصلوات الخمس مع الجماعة، وأما الجمعة فلها شأن مختلف؛ فإنها تجب على كل من كان في المدينة أو القرية التي تقام فيها الجمعة، سواء سمع النداء أم لم يسمع، مهما ترامت أطراف البلد، وهذا بإجماع العلماء.
 
• قال عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: "كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن"؛ [رواه الحاكم في المستدرك (764) وغيره، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي والألباني].
 
• روى الترمذي عن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى لله أربعين يومًا في جماعةٍ يدرك التكبيرة الأولى، كتبت له براءتان: براءةٌ من النار، وبراءةٌ من النفاق))، والحديث ضعفه الترمذي، وضعفه جماعة من العلماء المتقدمين، وأعلوه بالإرسال، وحسنه بعض المتأخرين، منهم الألباني في صحيح الترمذي.
 
• روى أبو داود والنسائي عن أنس - رضي الله عنه - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((راصُّوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق))؛ [صححه الألباني].
 
قال السندي - رحمه الله -: "قوله: (راصوا صفوفكم) بانضمام بعضكم إلى بعض على السواء، (وقاربوا بينها)؛ أي: اجعلوا ما بين صفين من الفصل قليلاً، بحيث يقرب بعض الصفوف إلى بعض".
 
وقال المناوي - رحمه الله -: "(وقاربوا بينها)، بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر؛ حتى لا يقدر الشيطانُ أن يمر بين أيديكم".
 
• إذا أدرك المأمومُ الإمامَ حال الركوع أجزأته تكبيرة واحدة، وهي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع، رُوِي ذلك عن زيد بن ثابت، وابن عمر وسعيد، وعطاء والحسن، وإبراهيم النخعي، وبه قال الأئمة الأربعة؛ أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
 
قال أبو داود: "قلت لأحمد: أُدرِكُ الإمامَ راكعًا؟ قال: يجزيك تكبيرة".
 
فإن أمكن أن يأتي بتكبيرتين: الأُولى للإحرام، والثانية للركوع، فهذا أَولى، قال أبو داود: "قلت لأحمد: يكبِّر مرتين أحب إليك؟ قال: فإن كبَّر مرتين فليس فيه اختلاف".
 
وعلى الداخل أن يكبر للإحرام قائمًا، فإن أتى به على حال انحنائه للركوع لم يصح.
 
قال أبو داود: "سمعت أحمد سئل عمن أدرك الإمام راكعًا، فكبر ثم ركع فرفع الإمام؟ قال: إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك".
 
• قال ابن عثيمين - رحمه الله -: "إذا صلى الإمام صلاة يسرع فيها، لا يطمئن فيها، ولا يَدَع مَن خلفه أن يطمئن، فها هنا لا تجوز الصلاة خلفه، ويجب على مَن خلفه أن يفارقه ويتم الصلاة وحده؛ لأنه إذا كان تطويل الإمام إطالة مخالفة للسنة تبيح للمأموم أن يدع إمامه ويتم الصلاة وحده، فإن ترك الإمام الطمأنينة يبيح الانفراد، فإذا كان الإمام يسرع إسراعًا لا يتمكن المأموم فيه من القيام بواجب الطمأنينة، فإنه يجب على المأموم في هذه الحال أن يفارق الإمامَ وأن يصلي وحده؛ لأن المحافظة على الطمأنينة ركنٌ من أركان الصلاة"؛ [مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (13/ 634)].
 
• إن زاد الإمام ركنًا ناسيًا، كما لو قام لركعة خامسة من الرباعية مثلاً، أو زاد سجودًا، وجب على المأموم تنبيهه، فإن لم يرجع لم يجُزْ له متابعته، وعليه أن يبقى جالسًا ويتشهد ويسلِّم، فإن تابعه عالِمًا بأن هذه الركعة هي الخامسة بطَلت صلاته، وإن تابعه جاهلاً أو ناسيًا، فصلاتُه صحيحة.
 
• يجوز للمرأة أن تفتح على محرمها في الصلاة إذا أخطأ، بشرط ألا يكون هناك رجال أجانب يسمعونها، ونهيُ المرأة عن التسبيح وأمرُها بالتصفيق في الحديث إنما هو في مثل الحال التي ورد فيها الحديث، وهي وجود النساء مع الرجال الأجانب، فمع وجود الرجال الأجانب فإنه لا ينبغي للنساء رفع أصواتهن بالتأمين في الصلاة، ولا التسبيح لرد الإمام عند خطئه.
 
قال الزركشي: وقد أطلقوا التصفيق للمرأة، ولا شك أن موضعه إذا كانت بحضرة رجال أجانب، فلو كانت بحضرة النساء أو الرجال المحارم، فإنها تسبّح كالجهر بالقراءة بحضرتهم؛ [مغني المحتاج: 1/ 418].
 
• "المشروع للمأموم إذا كان واحدًا أن يقف عن يمين الإمام مساويًا له، وليس في الأدلة الشرعية ما يدل على خلاف ذلك"؛ [مجموع فتاوى الشيخ ابن باز: 12/ 198].
 
وإذا كان المأموم أكثر من واحد، فإنه يكون خلفه، ويمين الصف أفضل من يساره، وهذا إذا كانا متقاربين، فإذا بعُد اليمينُ بُعدًا بيّنًا فإن اليسارَ والقرب من الإمام أفضلُ.
 
• قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله [في الشرح الممتع]: والتخلف عن الإمام نوعان: تخلفٌ لعذرٍ، وتخلفٌ لغير عذرٍ.
 
فالنوع الأول: أن يكون لعذرٍ، فإنه يأتي بما تخلف به، ويتابع الإمام ولا حرج عليه، حتى وإن كان ركنًا كاملاً أو ركنين، فلو أن شخصًا سها وغفل، أو لم يسمع إمامه حتى سبقه الإمام بركنٍ أو ركنين، فإنه يأتي بما تخلف به، ويتابع إمامه، إلا أن يصل الإمام إلى المكان الذي هو فيه، فإنه لا يأتي به ويبقى مع الإمام، وتصح له ركعة واحدة ملفقة من ركعتي إمامه، الركعة التي تخلف فيها، والركعة التي وصل إليها الإمام، وهو في مكانه، مثال ذلك:
رجلٌ يصلي مع الإمام، والإمام ركع، ورفع، وسجد، وجلس، وسجد الثانية، ورفع حتى وقف، والمأموم لم يسمع "المكبر" إلا في الركعة الثانية؛ لانقطاع الكهرباء مثلاً، ولنفرض أنه في الجمعة، فكان يسمع الإمام يقرأ الفاتحة، ثم انقطع الكهرباء فأتم الإمام الركعة الأولى، وقام وهو يظن أن الإمام لم يركع في الأولى فسمعه يقرأ: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾ [الغاشية: 1].
 
فنقول: تبقى مع الإمام، وتكون ركعة الإمام الثانية لك بقية الركعة الأولى، فإذا سلَّم الإمام فاقضِ الركعة الثانية، قال أهل العلم: وبذلك يكون للمأموم ركعة ملفقة من ركعتي إمامه؛ لأنه ائتم بإمامه في الأولى وفي الثانية.
 
فإن علم بتخلفه قبل أن يصل الإمام إلى مكانه، فإنه يقضيه ويتابع إمامه، مثاله:
رجلٌ قائمٌ مع الإمام، فركع الإمام، وهو لم يسمع الركوع، فلما قال الإمام: "سمع الله لمن حمده" سمع التسميع، فنقول له: اركع وارفع، وتابِعْ إمامك، وتكون مدركًا للركعة؛ لأن التخلف هنا لعذرٍ.
 
النوع الثاني: التخلف لغير عذرٍ.
إما أن يكون تخلفًا في الركن، أو تخلفًا بركنٍ.
 
فالتخلف في الركن معناه: أن تتأخر عن المتابعة، لكن تدرك الإمام في الركن الذي انتقل إليه، مثل: أن يركع الإمام وقد بقي عليك آيةٌ أو آيتان من السورة، وبقيتَ قائمًا تكمل ما بقي عليك، لكنك ركعت وأدركت الإمام في الركوع؛ فالركعة هنا صحيحةٌ، لكن الفعل مخالفٌ للسنة؛ لأن المشروع أن تشرَعَ في الركوع من حين أن يصل إمامك إلى الركوع، ولا تتخلف؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا ركع فاركعوا)).
 
والتخلف بالركن معناه: أن الإمام يسبقك بركنٍ؛ أي: أن يركع ويرفع قبل أن تركع؛ فالفقهاء - رحمهم الله - يقولون: إذا تخلفت بالركوع فصلاتك باطلةٌ كما لو سبقته به، وإن تخلفت بالسجود فصلاتك على ما قال الفقهاء صحيحةٌ؛ لأنه تخلفٌ بركنٍ غير الركوع.
 
ولكن القول الراجح أنه إذا تخلف عنه بركنٍ لغير عذرٍ فصلاته باطلةٌ، سواءٌ كان الركن ركوعًا أم غير ركوع، وعلى هذا لو أن الإمام رفع من السجدة الأولى، وكان هذا المأموم يدعو الله في السجود، فبقي يدعو الله حتى سجد الإمام السجدة الثانية، فصلاته باطلةٌ؛ لأنه تخلفٌ بركنٍ، وإذا سبقه الإمام بركنٍ فأين المتابعة؟

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢