أرشيف المقالات

الألفاظ التي يقع بها الخلع

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
أركان الخلع

المقصود بأركان الخُلْع[1]: أجزاؤه التي يتكوَّن منها، ولا يمكن تصوُّر وجودِه بدونها
 
تمهيد وتقسيم:
• الصيغة ركن من أركان الخُلْع، وهي: ما يعبِّر به أطراف الخُلْع عن وقوعه؛ إذ لا بد من صيغةٍ تُعبِّر عن وقوع الخُلْع - أيًّا كان شكلُ هذه الصيغة - فلا يقع بالنية وحدها.
 
الألفاظ التي يقع بها الخُلْع:
• يقع الخُلْع بألفاظٍ كثيرة، منها ما هو صريح وما هو كناية، خلافًا للحنفية الذين اشترطوا في الخُلْع أن يكونَ بألفاظ مخصوصة، كما سيأتي توضيح ذلك، وعلى هذا فإن الألفاظَ التي يقع الخُلْع بها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: اللفظ الصريح:
•  اللفظ الصريح: هو ما قطع بصراحته فيما استخدم فيه، وهو هنا لفظ الخُلْع وما اشتُقَّ منه، إذا ذُكِر معه العِوَض، وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء؛ نظرًا لكثرة استعماله وتكرُّره على لسان حَمَلة الشريعة.
 
ولا شك أن اللفظَ الصريح يقع به الخُلْع عند الفقهاء، وإن كان من الألفاظ الصريحة ما اختلف في صراحته، وهو ما اشتق من لفظ الفسخ، أو لفظ المفاداة، وذلك على النحو التالي:
أولاً: ما اشتق من لفظ الفسخ:
• اللفظ المشتق من لفظ الفسخ انقسم الفقهاءُ فيه إلى رأيينِ:
الرأي الأول:
أن ما اشتق من لفظ الفسخ هو مِن قَبيل الصريح، وإليه ذهَب الحنابلة، والراجح عند الشافعية.
 
وحجَّتُهم في ذلك أنه أشد دلالةً على حقيقة الخُلْع من لفظ الخُلْع نفسه؛ إذ هو مقصود الخُلْع ومقتضاه، ألا ترى أنه إذا استعمل لفظُ التمليك في عقد البيع كان صريحًا؛ لأن التمليك هو المراد من عقد البيع، فكذا لفظ الفسخ في الخُلْع[2].
 
الرأي الثاني:
يرى بعض الشافعية أن ما اشتق من لفظ الفسخ هو كنايةٌ، وليس من قبيل الصريح.
 
وحجتهم في ذلك أن لفظَ الفسخ لا يُستعمَل في فُرقة النكاح إلا مقرونًا بعيب أو بسبب - كأن كان الزوج مريضًا بما يمنع التناسل؛ كالعُنَّةِ والجبِّ والخِصاء - وذلك بخلاف لفظ الخُلْع، فإنه يستعمَل كثيرًا في الفُرقة.
 
وكونُ الفسخِ هو مقصودَ الخُلْع ليس دليلاً على أنه من قَبيل الصريح في عقد الخُلْع؛ وذلك لأن القصدَ من الطلاق إنما هو تحريمُ المرأة وإبانتُها، ومع ذلك فإن التحريمَ والإبانة من كنايات الطلاق لا من صريحه.
 
• ويُرَد على أصحاب هذا الرأي بأن لفظ الفسخ المستعمل في العيب أو الإعسار ونحوهما إنما هو الفسخُ الذي لم يذكر معه العِوَض، وليس هذا مما نحن بصدده؛ إذ المراد لفظ الفسخ المقترن بالعِوَض؛ كأن قال الزوج لزوجته: فسختُ نكاحك بكذا، وهذا لا يستعمل إلا في الخُلْع فقط.
 
ثانيًا: ما اشتق من لفظ المفاداة:
• اللفظ المشتق من لفظ المفاداة اختلف الفقهاء فيه - كذلك - إلى رأيين:
الرأي الأول:
أنه من قَبيل الصريح، ووجهتهم في ذلك أن القرآنَ قد ورد به فقال - عز وجل -: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229]، وقد رجَّحه الشافعية، وذهَب إليه الحنابلةُ[3].
 
الرأي الثاني:
أن ما اشتق من لفظ المفاداة هو مِن قَبيل الكنايات؛ وذلك لعدمِ تكراره في كتاب الله عز وجل، وعدمِ شيوعه على لسان الفقهاء، وإليه ذهَب بعض فقهاء الشافعية[4].
 
القسم الثاني: الكناية:
• وهي الألفاظ التي تُستعمَل في الطلاق وفي غيره، فلا يقع الطلاقُ بشيء منها إلا إذا كان مقرونًا بالنية أو بقرينةِ الحال التي تدلُّ على أن الغرضَ منها هو الطلاق، وألفاظ الكنايات كثيرةٌ.
 
منها: قول الرجل لزوجته: أنت بائنٌ أو بَتَّةٌ، أو اذهبي إلى أهلِكِ، أو حَبْلُك على غاربِكِ.
 
• وقد اختلف الفقهاءُ في وقوع الخُلْع بالكناية، فيرى فقهاءُ الحنابلة أن الخُلْع ينعقد بالكناية بدون النية؛ لأن قرينةَ الحال في الكناية تقوم مقام النِّية[5].
 
ويفرِّق المالكيةُ بين أن تكونَ الكناية ظاهرةً وخفية: فالكنايةُ الظاهرة كقول الرجل لامرأته: خلَّيْتُ سبيلك، أو عِصمتك في يدك، أو أنت بائن، فهنا يلزم الطلاقُ بدون نيةٍ - كالصريح - إذا جرى العُرْفُ بها، أما إذا تناسى الناس استعمالها في الطلاق، أو لم تعُدْ شائعة على الألسنة، فإنها تحتاج إلى نية.
 
والكناية الخفية هي ما لم يجرِ العُرْف بها، ولم يَشِعِ استعمالُها بين الناس في الطلاق؛ كأن يقول الرجل لزوجته: الحقي بأهلك، أو أنت حُرَّة؛ فهذه الألفاظُ أو ما شاكَلها لا يقعُ بها الطلاق إلا إذا نوَاه الزوجُ[6].
 
أما الأحناف، فلا يرون الخُلْع إلاَّ باللفظ الصريح، وهو عندهم في لفظَي: (الخُلْع والمبارَأة)، فإذا كانت الفُرقة بغير ذلك حتى لو كانت بصريح الطلاق، فلا تُسمَّى عندهم خُلعًا، ولا يترتب عليها أحكامُ الخُلْع، وإن دفعت مالاً كان طلاقًا على مالٍ لا خلعًا[7].
 
ورأي الأحناف هذا...
على النقيضِ مما ذهب إليه الظاهريةُ الذين يرون وقوعَ الخُلْع بأي لفظ كان، فلا يختص بلفظ دون غيره[8].

[1] ركن الشيء في اللغة: جانبه الأقوى، أما عند فقهاء الشريعة، فقد اختلف فيه؛ فالجمهور على أنه ما لا بدَّ منه لتصوُّرِ وجود العقد، سواء أكان جزءًا منه، أم مختصًّا به، والحنفية يرون أنه ما كان جزءًا من العقد، ولا يوجد العقدُ إلا به، ويرى أستاذنا الدكتور/ أنور دبور أن الخلاف حول تعريف الركن إنما هو خلافٌ اصطلاحي لا يترتب عليه أثرٌ حقيقي؛ (يراجع: أستاذنا الدكتور/ أنور دبور في كتابه: أحكام التركات ص 51).

[2] المغني؛ لابن قدامة ج 7 ص 250، والمهذب للشيرازي ج 2 ص 72، وانظر: رسالة في الخلع؛ للشيخ/ مصطفى محمد عبدالخالق ص 28، مخطوطة بمكتبة كلية الشريعة والقانون - بجامعة الأزهر.


[3] المهذب للشيرازي ج 2 ص 72، كشاف القناع ج 5 ص 216.


[4] الأشباه والنظائر؛ للسيوطي ج1 ص 301، ورسالة مخطوطة؛ لفضيلة الشيخ/ مصطفى محمد عبدالخالق ص 25.

[5] كشاف القناع ج 3 ص 129.


[6] بداية المجتهد ج 2 ص 63.


[7] حاشية ابن عابدين ج 3 ص 452.

[8] المحلى؛ لابن حزم ج 10 ص 244.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير