أرشيف المقالات

بيع الحمل في بطن الحيوان

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
بيع الحمل في بطن الحيوان واللبن في الضرع
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع

قوله: (ولا يباع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين للجهالة، وفجل ونحوه قبل قلعه...) إلى آخره[1].

قال في «المقنع»: «ولا يجوز بيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في الفأر[2]، والنَّوى في التمر، ولا الصوف على الظهر.

وعنه[3]: يجوز بشرط جَزِّه في الحال»
[4].

قال في «الحاشية»: «قوله: واللبن، واختار الشيخ تقي الدين[5] إذا باعه لبناً موصوفاً في الذمة، واختار كونه من شاة معينة جاز.

قوله: ولا الصوف على الظهر؛ لما روى ابن ماجه والخلال، عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى أن يُباع صوف على ظهر، أو لبن في ضَرْع)[6].

وعنه[7] يجوز بشرط جزِّه في الحال؛ لأنه معلوم يمكن تسليمه فجاز بيعه كالرطبة»
[8].

قال في «الإنصاف»: «وفيه قوة»[9].

وقال في «الفروع»: «ولا فُجْل ونحوه قبل قلعه في المنصوص، وقِثَّاء ونحوه إلا لَقْطَة لَقْطَة - نصَّ عليه - إلا مع أصله.

وجوَّز ذلك شيخُنا، وقال: هو قول كثير من أصحابنا؛ وفاقاً لمالك؛ لقصد الظاهر غالباً»
[10].

وقال أيضاً: «والمسك في فأرته كالنوى في التمر.

ويتوجَّه تخريج واحتمال: يجوز؛ لأنها وعاء له تصونه وتحفظه فيشبه ما مأكوله في جوفه، تُجَّار ذلك يعرفونه فيها فلا غَرَر، واختاره في «الهَدْي»[11]»
[12].

وقال في «الاختيارات»: «ويصح بيع المغروس في الأرض الذي يظهر ورقه: [كاللِّفْت][13]، والجزر، والقلقاس، والفُجْل، والبصل، وشبه ذلك، وقاله بعض أصحابنا»[14].

وقال في «الإفصاح»: «واتفقوا على أنه لا يجوز بيع القِثَّاء والخيار والباذنجان إلا لَقْطة، وكذلك الرطبة لا يجوز بيعها إلا جَزَّة جَزَّة[15]، إلا مالك[16] فإنه خالف فيما عدا الرطبة، فقال: إذا بدا أوله جاز بيع جميعه.

واختلفوا في بيع الأشياء التي يواريها التراب من النبات كالجزر والبصل والكُرَّاث ونحوه:
فقال أبو حنيفة[17] والشافعي[18] وأحمد[19]: لا يجوز بيع ذلك إلا أن يقلع ذلك ويشاهد.
وقال مالك[20]: يجوز بيع ذلك كله إذا غلظت أصوله، ودلَّت عليه فروعه، وتناهى طيبه.
واختلفوا في بيع الجوز واللوز، والباقلاء في شره الأعلى، وفي بيع الحنطة في سنبلها إذا استغنت عن الماء:
فقال أبو حنيفة[21] ومالك[22] وأحمد[23]: يجوز ذلك.
وقال الشافعي[24]: لا يجوز»
[25] [330ب].

وقال ابن رشد: «أجمع فقهاء الأمصار على بيع الثمر الذي يثمر بطناً واحداً يطيب بعضه وإن لم تطب جملته معاً[26].

واختلفوا فيما يثمر بطوناً مختلفة، وتحصيل مذهب مالك في ذلك[27]: أن البطون المختلفة لا تخلو أن تتصل أو لا تتصل، فإن لم تتصل، لم يكن بيع ما لم يخلق منها داخلاً فيما خلق، كشجر التين يوجد فيه البَاكُور والعصير.

ثم إن اتصلت فلا يخلو أن تتميز البطون أو لا تتميز:
فمثال المتميز: جز القَصِيل الذي يجز مُدَّة بعد مُدَّة.
ومثال غير المتميز: المَبَاطِخ والمَقَاثِي والباذنجان والقَرع.

ففي الذي يتميز عنه وينفصل روايتان[28]:
إحداهما: الجواز والأخرى: المنع، وفي الذي يتصل ولا يتميز قول واحد وهو: الجواز:
وخالفه الكوفيون[29] وأحمد[30] وإسحاق والشافعي[31] في هذا كله، فقالوا: لا يجوز بيع بطن منها بشرط بطن آخر.

وحجة مالك فيما لا يتميز: أنه لا يمكن حبس أوله على آخره، فجاز أن يباع ما لم يخلق منها مع ما خلق وبدا صلاحه، أصله جواز بيع ما لم يطب من الثمر مع ما طاب؛ لأن الغَرَر في الصفة شَبَّهه بالغرور في عين الشيء، وكأنه رأى أن الرخصة ههنا يجب أن تُقاس على الرخصة في بيع الثمار، أي: ما طاب مع ما لم يطب لموضع الضرورة، والأصل عنده: أن من الغَرَر ما يجوز لموضع الضرورة؛ ولذلك منع - على إحدى الروايتين عنده - بيع القَصِيل بطناً أكثر من واحد؛ لأنه لا ضرورة هناك إذا كان متميزاً.

وأما وجه الجواز في القصيل: فتشبيهاً له بما لا يتميز وهو ضعيف.

وأما الجمهور فإن هذا كله عندهم من بيع ما لم يخلق، ومن باب النهي عن بيع الثمار مُعَاوَمة، واللفت والجزر والكُرُنب جائز عند مالك[32] بيعه إذا بدا صلاحه وهو استحقاقه للأكل.

ولم يجزه الشافعي[33] إلا مقلوعاً؛ لأنه من باب بيع المُغيَّب.

ومن هذا الباب: بيع الجوز واللوز والبَاقِلَاء في قشره:
أجازه مالك[34].
ومَنَعَه الشافعي[35].

والسبب في اختلافهم: هل هو من الغَرَر المؤثِّر في البيوع، أم ليس من المؤثر؟ وذلك [331أ] أنهم اتفقوا أن الغَرَر ينقسم بهذين القسمين وأن غير المؤثر هو اليسير أو الذي تدعو إليه الضرورة أو ما جمع الأمرين »
[36].

وقال البخاري: «باب: بيع المُخَاضَرة.

وذكر حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُحَاقَلة والمخاضرة والملامسة والمُنَابَذة والمُزَابَنة[37].

وحديثه أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بيع ثمر التمر حتى يَزْهو، فقلنا لأنس: ما زهوها؟ قال: تحمرُّ وتصفرُّ، أرأيتَ إنْ مَنَعَ الله الثمر، بم تستحل مال أخيك؟[38]»
.

قال الحافظ: «قوله: (باب: بيع المخاضرة)، وهي مفاعلة من الخضرة، والمراد: بيع الثمار والحبوب قبل أن يبدو صلاحها.

قوله: (عن المحاقلة)، قال أبو عبيد: هو بيع الطعام في سنبله بالبُرِّ، مأخوذ من الحقل، وقال الليث: الزرع إذا تشعب من قبل أن يغلظ سوقه، والمنهي عنه بيع الزرع قبل إدراكه.

وقيل: بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.

وقيل: بيع ما في رؤوس النخل بالتمر.

وعن مالك[39]: هو كِرَاء الأرض بالحنطة، أو بكيل طعام أو إِدَام.

والمشهور: أن المحاقلة كراء الأرض ببعض ما تنبت، وسيأتي البحث في كتاب المزارعة - إن شاء الله تعالى - زاد الإسماعيلي في روايته: قال يونس بن القاسم: والمخاضرة: بيع الثمار قبل أن تُطعم، وبيع الزرع قبل أن يشتد ويُفرَك منه.

وللطحاوي[40]: قال عمر بن يونس: فسَّرَ لي أبي في المخاضرة، قال: لا يشتري من ثمر النخل حتى يُونِع: يحمر أو يصفر، وبيع الزرع الأخضر مما يحصد بطناً بعد بطن مما يهتم بمعرفة الحكم فيه، وقد أجازه الحنفية[41] مطلقاً، ويثبت الخيار إذا اختلف.

وعند مالك[42]: يجوز إذا بدا صلاحه، وللمشتري ما يتجدد منه بعد ذلك حتى ينقطع ويُغْتَفَر الغَرَر في ذلك للحاجة، وشبَّهه بجواز كراء خدمة العبد، مع أنها تتجدَّد وتختلف، وبكِراء المُرضعة، مع أن لبنها يتجدَّد، ولا يُدري كم يشرب منه الطفل.

وعند الشافعية[43] يصح بعد بُدوِّ الصلاح مطلقاً، وقبله يصح بشرط القطع»
[44] [331ب].

وقال في «الاختيارات» أيضاً: «والصحيح: أنه يجوز بيع المقاثي جملة بعروقها، سواء بدا صلاحها أو لا، وهذا القول له مأخذان:
أحدهما: أن العروق كأصول الشجر، فبيع الخضروات قبل بُدوِّ صلاحها كبيع الشجر بثمره قبل بُدوِّ صلاحه يجوز تبعاً.

والمأخذ الثاني - وهو الصحيح -: أن هذه لم تدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل يصح العقد على اللقطة الموجودة واللقطات المعدومة إلى أن تيبس المقثأة؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك.

ويجوز بيع المقاثي دون أصولها، وقاله بعض أصحابنا»
[45].

[1] الروض المربع ص237.

[2] الفأر: وعاء المسك في جسم ظبي المسك الذَّكر، وهو غدة تحت جلد بطنه، وهذا الظبي يعيش في وسط وشرق آسيا.
انظر: تاج العروس 13/ 291و 6/ 246، مادة (فأر)، و(نفج)، والموسوعة العربية العالمية 23/ 260.

[3] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 11/ 110.

[4] المقنع 2/ 12 - 13.

[5] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 11/ 109.

[6] أخرجه الدارقطني 3/ 14، والطبراني 11/ 338 (11935)، والبيهقي 5/ 340، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
ولم أقف عليه عند ابن ماجه، ولم يعزه له أحدٌ ممن خرَّج الحديث!
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 6: رواه الدارقطني والبيهقي، وقال البيهقي تفرَّد به عمر وليس بالقوي.
قلت: وقد وثَّقه ابنُ معين وغيره.

[7] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 11/ 110.

[8] حاشية المقنع 2/ 12 - 13.

[9] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 11/ 110.

[10] الفروع 4/ 27.

[11] زاد المعاد 5/ 822.

[12] الفروع 4/ 26.

[13] ما بين المعقوفين كذا في الأصل، وفي الاختيارات: «كالقت والجزر»، وما هنا أقرب.

[14] الاختيارات الفقهية ص121.

[15] فتح القدير 5/ 104و 105، وبدائع الصنائع 5/ 139، وحاشية ابن عابدين 4/ 590و 591.
وتحفة المحتاج 4/ 452و 469، ونهاية المحتاج 4/ 135و 155.
وشرح منتهى الإرادات 3/ 289، وكشاف القناع 8/ 73.

[16] الشرح الصغير 2/ 84 – 86، وحاشية الدسوقي 3/ 176.

[17] بدائع الصنائع 5/ 164، وحاشية ابن عابدين 5/ 54و 55.

[18] تحفة المحتاج 4/ 465، ونهاية المحتاج 4/ 150.

[19] شرح منتهى الإرادات 3/ 289، وكشاف القناع 7/ 343.

[20] الشرح الصغير 2/ 84، وحاشية الدسوقي 3/ 176.

[21] فتح القدير 5/ 106، وحاشية ابن عابدين 4/ 596.

[22] الشرح الصغير 2/ 85و 86، وحاشية الدسوقي 3/ 178و 179.

[23] شرح منتهى الإرادات 3/ 142، وكشاف القناع 7/ 355.

[24] تحفة المحتاج 4/ 465و 466، ونهاية المحتاج 4/ 151و 152.

[25] الإفصاح 2/ 106 - 108.

[26] المبسوط 12/ 196و 197، وحاشية ابن عابدين 4/ 592.
والشرح الصغير 2/ 84و 85، وحاشية الدسوقي 3/ 177.
وتحفة المحتاج 4/ 467، ونهاية المحتاج 4/ 153.
وشرح منتهى الإرادات 3/ 293و 294، وكشاف القناع 8/ 81.

[27] المنتقى شرح الموطأ 4/ 223و 224، والشرح الصغير 2/ 86، وحاشية الدسوقي 4/ 178.

[28] المنتقى شرح الموطأ 4/ 223و 224، والشرح الصغير 2/ 86، وحاشية الدسوقي 4/ 178.

[29] بدائع الصنائع 5/ 139، وحاشية ابن عابدين 4/ 591و 592.

[30] شرح منتهى الإرادات 3/ 289، وكشاف القناع 8/ 73.

[31] تحفة المحتاج 4/ 469، ونهاية المحتاج 4/ 155.

[32] الشرح الصغير 2/ 84، وحاشية الدسوقي 3/ 176.

[33] تحفة المحتاج 4/ 465,و نهاية المحتاج 4/ 150.

[34] الشرح الصغير 2/ 85و 86، وحاشية الدسوقي 3/ 178و 179.

[35] تحفة المحتاج 4/ 466، ونهاية المحتاج 4/ 151.

[36] بداية المجتهد 2/ 145و 146.

[37] البخاري (2207).

[38] البخاري (2208).

[39] المنتقى شرح الموطأ 4/ 245و 246.

[40] شرح معاني الآثار 4/ 23.

[41] فتح القدير 5/ 102، وحاشية ابن عابدين 4/ 590و 591.

[42] الشرح الصغير 2/ 86، وحاشية الدسوقي 4/ 178.

[43] تحفة المحتاج 4/ 469، ونهاية المحتاج 4/ 155.

[44] فتح الباري 4/ 404.

[45] الاختيارات الفقهية ص129و 130.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١