أرشيف المقالات

مسائل فقهية في الوقف

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
مسائل فقهية في الوقف
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع


قوله: (ولا يصح الوقف على قُطَّاع الطريق، أو المغاني، أو فقراء أهل الذِّمة، أو التنوير على قبر، أو تبخيره، أو على من يقيم عنده أو يخدمه، ولا وقف ستور لغير الكعبة وكذا الوصية...) إلى آخره[1].
 
قال الشوكاني في ((الدُّرَر البهية)): ((كتاب الوقف: من حبس ملكه في سبيل الله صار مُحبسًا، وله أن يجعل غَلاّته لأي مصرف شاء مما فيه قُربة وللمُتولّي عليه أن يأكل منه بالمعروف، وللواقف أن يجعل نفسه في وقفه كسائر المسلمين.
 
ومن وقف شيئًا مضارّة لوارثه فهو باطل، ومن وضع مالاً في مسجد أو مشهد لا يُنتفع به أحد جاز صرفه في أهل الحاجات ومصالح المسلمين، ومن ذلك ما يوضع في الكعبة وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

والوقف على القبور لرفع سمكها، أو تزيينها، أو فعل ما يجلب على زائرها فتنة باطل)
)
[2].
 
وقال في ((المقنع)): ((ولا يصح الوقف في الذمة، كعبد ودار ولا غير مُعَيَّن))[3]، ((ولا يصح على مجهول))[4].

قال في ((الاختيارات)): ((قال أبو العباس: المجهول نوعان: مُبْهَم وهذا قريب، ومُعَين مثل أن يقف دارًا لم يَرها فمَنْع هذا بعيد، وكذلك هبته.

فأما الوقف على المبهم فهو شبيه بالوصية له، وفي الوصية له روايتان[5] منصوصتان، مثل أن يوصي لأحد هذين أو لجاره محمد وله جاران بهذا الاسم، وَوَقْف المبهَم مفرع[6] على هبته وبيعه، وليس عن أحمد في هذا منع)
)
[7].

وقال الشيخ ابن سعدي:
((أسئلة في عقود التبرُّعات من الوقف والوصية والهبة ونحوها: سؤال عن فائدة الوقف وحكمته وشروطه؟
الجواب: وعلى الله نتوكل ونعتمد في الوصول إلى صواب الجواب، وتيسير جميع الأسباب:
اعلم أن الوقف - الذي هو تحبيس الأصل وتسبيل المنافع - من أعظم ما يدخل في الإحسان وأعمها وأكثرها فائدة، وهو من الأعمال التي لا تنقطع بموت الإنسان، وهي من الآثار التي قال الله فيها: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ ﴾ [يس: 12].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له)، رواه مسلم[8].
 
فالصدقة الجارية كالأوقاف الجارية نَفْعها كل وقت وزمان، سواء كان وقفًا للمصالح العامة كالمجاهدين والمعلمين والمتعلمين، ومن يقوم بوظيفة من الوظائف الدينية، أو خاصة لطائفة أو أفراد، أو على فقراء ومساكين، فكل هذا من طرق الإحسان النافع، وإن كان يتفاوت بتفاوت نفعه، وحصول كمال وقعه.

ولما كان بهذه المثابة والفضل اشْتُرط له شروط، بعضها يَرجع إلى الواقف، وهو صحة تبرعه، بأن يكون مالكًا رشيدًا غير محجور عليه لدَيْن ونحوه.
 
وبعضها يرجع إلى نفس الموقوف، وهي أن تكون عَينًا يُنتفع بها، وهي باقية كالعقارات من دور ودكاكين وأشجار وأراضٍ والحيوانات والسلاح والأساس وكتب العلم والمصاحف.
 
وأما ما لا ينتفع به إلا بإتلافه فذاك يُتَصدق به صدقة لا يكون وقفًا به، وبعضها يرجع إلى الواقف والموقوف عليه، كاشتراط أن يكون على جهة بِر وقُربة.
 
فجهات المعصية كلها لا يصح الوقف عليها، وجهات الأمور المباحة التي لا قُربة فيها كذلك، وهذا يدل على أن أعظم مقاصده: أن يكون مُعينًا على البِرِّ والتقوى، فيُعلم من هذا: أن الأوقاف التي يُقْصد بها حرمان بعض الورثة أنها مُنافية لمقصود الوقف كل المنافاة، وأن قول بعض متأخِّري الأصحاب[9]: يصح وقف ثلث مال الإنسان على بعض ورثته قول شاذّ، مخالف لهذا الشرط الذي اتفق عليه الأصحاب، بل ومنافٍ لما انعقد عليه الإجماع[10] من أنه لا وصية لوارث، وكذلك من عليه دين لم يُحجر عليه إذا وقف ملكه وترك غريمه لا وفاء له، فهذا منافٍ للوقف أشد المنافاة؛ لأنه كيف يَتْرك ما فرض الله عليه وفاء الدَّين، ويفعل الإحسان الذي هو غير واجب، بل ربما وَقَفه على نفسه وذريته وترك غريمه، فلا يحل تنفيذ هذا الوقف، بل ولا كل وقف ليس عليه أمر الله ورسوله بنصِّ النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)[11]، أي: مردود، فالعمل غير مقبول والتصرف غير نافذ)
)
[12].

[1] الروض المربع ص336.

[2] الدراري المضية شرح الدرر البهية 2/ 299.

[3] المقنع 2/ 310.

[4] المقنع 2/ 313.

[5] شرح منتهى الإرادات 4/ 341، وكشاف القناع 10/ 24- 25، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 16/ 393.

[6] في الأصل: ((فرع))، والمثبت من الاختيارات.

[7] الاختيارات الفقهية ص172.

[8] (1631)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[9] شرح منتهى الإرادات 4/ 408، وكشاف القناع 10/ 148- 149.

[10] فتح القدير 8/ 426، وحاشية ابن عابدين 6/ 693، والشرح الصغير 2/ 301، وحاشية الدسوقي 4/ 82، والأم 4/ 114، وشرح منتهى الإرادات 4/ 445، وكشاف القناع 10/ 210.

[11] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

[12] الإرشاد ص521- 522.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١