أرشيف المقالات

اختلاف الفتوى باختلاف الأحوال والأزمان

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
اختلاف الفتوى باختلاف الأحوال والأزمان


قول العلماء: الفتوى تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، يقصدون به المسائل الاجتهادية المبنية على المصلحة أو القياس أو العرف، فإن كثيراً من فتاوى الفقهاء بنيت على مراعاة الزمان الذي كانوا فيه، والبلد الذي عاشوا فيه، فلا تصلح تعدية ما أثر فيه العرف من الفتاوى والأحكام إلى غير أهل العرف الذي أثر فيها، إنما تعتبر خاصة بذلك الزمان أو المكان، ويراعى العرف المستجد في تطبيق الأحكام على ما يناسبه.
 
وربما أطلق في هذا بعض أهل العلم عبارة: " الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان "، وإنما مرادهم تغير الفتوى، فالأحكام الشرعية المحددة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان، قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/330): " الأحكام نوعان:
النوع الأول: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذه لا يتطرق إليه تغيير، ولا اجتهاد يخالف ما وضع له.
 
والنوع الثاني: ما يتغير حسب المصلحة له، زماناً ومكاناً وحالاً، كمقادير التعزيرات، وأجناسها، وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة".
انتهى.
 
وقال الشيخ علي حيدر في درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/47): "إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة; لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس، وبناء على هذا التغير يتبدل أيضا العرف والعادة وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام، بخلاف الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير.
مثال ذلك: جزاء القاتل العمد القتل.
فهذا الحكم الشرعي الذي لم يستند على العرف والعادة لا يتغير بتغير الأزمان، أما الذي يتغير بتغير الأزمان من الأحكام، فإنما هي المبنية على العرف والعادة ".
 
ومثَّل الشيخ أحمد الزرقا في شرح القواعد الفقهية ص 229 لهذه القاعدة بقوله: " لما ندرت العدالة وعزت في هذه الأزمان قالوا بقبول شهادة الأمثل فالأمثل والأقل فجورا فالأقل، وجوزوا تحليف الشهود عند إلحاح الخصم، وإذا رأى الحاكم ذلك؛ لفساد الزمان".
 
وقال الدكتور محمد الزحيلي: " الأصل في الشريعة هو ثبات الأحكام، وتعتبر هذه القاعدة خاصة واستثناء، مع التذكير بما يلي:
1- إن الأحكام الأساسية الثابتة في القرآن والسنة والتي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية: الآمرة والناهية، كحرمة الظلم، وحرمة الزنا والربا، وشرب الخمر والسرقة، وكوجوب التراضي في العقد، ووجوب قمع الجرائم وحماية الحقوق، فهذه لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة لإصلاح الزمان والأجيال، وتتغير وسائلها فقط.
 
2- إن أركان الإسلام وما علم من الدين بالضرورة لا يتغير ولا يتبدل، ويبقى ثابتا كما ورد، وكما كان في العصر الأول لأنها لا تقبل التبديل والتغيير.
 
3- إن جميع الأحكام التعبدية التي لا مجال للرأي فيها، ولا للاجتهاد، لا تقبل التغيير ولا التبديل بتبدل الأزمان والأماكن والبلدان والأشخاص.
 
4- إن أمور العقيدة أيضا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تقبل الاجتهاد، وهي ثابتة منذ نزولها ومن عهد الأنبياء والرسل السابقين، حتى تقوم الساعة، ولا تتغير بتغير الأزمان" انتهى بتصرف من كتابه القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي ص 319.
 
وقال الدكتور محمد الزحيلي أيضًا في كتابه القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (1/355): " اتفقت كلمة المذاهب على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخلاق الناس هي الأحكام الاجتهادية التي بُنيت على القياس ودواعي المصلحة.
 
فإذا أصبحت لا تتلاءم وأوضاع الزمان ومصلحة الناس وجب تغييرها، وإلا كانت عبثاً وضرراً، والشريعة منزهة عن ذلك، ولا عبث فيها.
 
أما الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية: الآمرة والناهية، كحرمة الظلم، وحرمة الزنا، والربا، وشرب الخمر والسرقة، وكوجوب التراضي في العقد، ووجوب قمع الجرائم وحماية الحقوق، فهذه لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة لإصلاح الزمان والأجيال.
 
ولكن وسائل تحقيقها، وأساليب تطبيقها، قد تتبدل باختلاف الأزمنة والمحدثات، فوسيلة حماية الحقوق مثلاً، وهو القضاء كانت محاكمه تقوم على أسلوب القاضي الفرد، وقضاؤه على درجة واحدة قطعية، فيمكن أن تتبدل إلى أسلوب محكمة الجماعة، وتعدد الدرجات للاحتياط، فالتبدل في الحقيقة في مثل هذه الأحكام ما هو إلا تبدل الوسائل للوصول إلى الحق، والحق ثابت لا يتغير".
 
وانظر فتاوى السبكي (2/ 572) ومجموع فتاوى ابن عثيمين (18/98) والمدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد لبكر أبو زيد (1/84).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣