القرض الحسن
مدة
قراءة المادة :
16 دقائق
.
القرض الحسن معنى القرض:
"القَرض بفتح القاف، وقد يُكسر، وأصله في اللغة: القطع.
فسمي المال الذي تعطيه لغيرك ثم تتقاضاه منه قرضاً لأنه قطعة من مالك.
وأما الاستقراض: فهو طلب القرض يُقال: استقرض منه: أي طلب منه القرض فأقرضه.
وأما المقارضة والقِراض - بكسر القاف - فهما بمعنى واحد وهو أن يعطي شخص لآخر مالاً ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما على ما شرطا.
وأما معنى القرض في اصطلاح الفقهاء فإن فيه تفصيلاً في المذاهب:
• الحنفية قالوا: القرض: هو ما تعطيه من مال مثلي لتتقاضى مثله.
• الشافعية قالوا: القرض يطلق شرعاً بمعنى الشيء المُقرَض بفتح الراء، فهو اسم مفعول ومنه قوله تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245].
فإن القرض هنا معناه القرض الموصوف بكونه حسناً.
ويطلق على المصدر بمعنى الإقراض.
ويسمى القرض سلفاً.
وهو: تمليك الشيء على أن يرد مثله فما جرت به العادة في زماننا من دفع "النقوط" في الأفراح لصاحب الفرح في يده أو يد من أذنه كأرباب الحرف يكون قرضاً لأنه تمليك لمال على أن يرد مثله وقال بعضهم: إنه هبة لا يرد.
وبعضهم يقول: ينظر للعادة في ذلك.
• الحنابلة قالوا: القرض: دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله وهو نوع من السلف لانتفاع المقترض بالشيء الذي يقترضه "[1].
النظرة الشرعية للقرض:
إن الناس لا يستغنون في حياتهم عن القرض والمداينة ولذلك شرع الله القرض لعباده غير أنه حدد حدوداً لا ينبغي لمسلم أن يتجاوزها وإلا وقع في الإثم وندب إلى أخلاق عالية ينبغي أن يتحلى بها كل مُقرض ومُقَترِض.
هو من فضائل الأعمال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلمُ أخو المسلمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يُسْلِمُه، مَنْ كانَ في حاجةِ أخيهِ كانَ اللهُ في حاجتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عن مُسلم كُرْبَة فَرَّجَ اللهُ عنهُ بهَا كُرْبة مِنْ كُرَبِ يومِ القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسلِما سَتَرَهُ اللهُ يومَ القيامةِ "[2].
مشروعيته: وهو قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه لما فيه من الرفق بالناس والرحمة بهم، وتيسير أمورهم وتفريج كربهم.
وإذا كان الإسلام ندب إليه وحبب فيه بالنسبة للمقرض فإنه أباحه للمقترض، ولم يجعله من باب المسألة المكروهة لأنه يأخذ المال لينتفع به في قضاء حوائجه ثم يرد مثله "[3].
دليل مشروعية القرض الحسن، وفضله:
" استدل الفقهاء على مشروعية القرض، بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280]
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يَسْتَظِلُّ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِرَجُلٌ يَنْظَرَ مُعْسِرًا حَتَّى يَجِدَ شَيْئًا، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِمَا يَطْلُبُهُ، يَقُولُ مَا لِي عَلَيْكَ صَدَقَةٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَيَحْرِقُ صَحِيفَتَهُ "[4].
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ.
قَالَ لأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لاَ يَسْتَقْرِضُ إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ "[5].
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة الإسلامية منذ الصدر الأول إلى يومنا هذا على جواز هذا العقد، وأجمع المسلمون على جواز القرض" [6].
"إن القرض من باب التبرع بالمنفعة"[7].
والقرض نوع من السلف وهو جائز بالقرآن والسنة والإجماع.
"وأما ما تسميه المصارف الإسلامية بالقرض الحسن، فإنه لا يخرج في معناه عن معنى القرض عند الفقهاء، فهو يعني: دفع مال أو تمليك شيء له قيمة بمحض التفضيل على أن يُرد مثله أو يأخذ عوضاً متعلقاً بالذمة بدلاً عنه.
" وتتفق معظم المصارف الإسلامية على منح القروض الحسنة في ظل ظروف غير عادية، تلحق بعملائها من مُدعين ومساهمين، ويتم ذلك بطريق خصم الكمبيالة التجارية القصيرة الأجل بدون مقابل، كما أنها تقوم أحياناً بمنح قروض حسنة لغايات إنتاجية في مختلف المجالات والغرض من ذلك هو المساعدة على تمكين المستفيد من القرض لتكوين حياة مستقلة، أو تحسين مستوى دخله ومعيشته.
وتقوم هذه المصارف بهذه الخدمة كما هو شأنها مجردة من المنافع وبعيدة عن الربا.
من الناحية الشرعية: إن قيام المصارف الإسلامية بهذه العملية لا غبار عليه ما دام أنه يقوم على استبعاد الربا أو ما يؤدي إليه، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن لهذه المصارف أهدافاً اجتماعية تتمثل في إرساء قواعد التكافل الاجتماعي داخل المجتمع الذي تنشأ فيه "[8].
مدى الحاجة إليه:
شرع الله سبحانه وتعالى القرض والدين، رحمة بالخلق، ولتيسير أمور معيشتهم، فالإنسان بطبعه البشري قاصر عن الكمال في كل شيء، ومهما كان الإنسان غنياً، يمكن أن تمر عليه مرحلة يستدين فيها من غيره؛ ولكن التشريع الإسلامي وضع قواعد تضبط علاقة الدائن بالمدين بصورة تضمن حق المَدين، وتحفظ كرامة الدائن، ولقد سمى الله تعالى الدين بالصدقة حفاظاً على شعور المَدين، وقد اشترط الشرع توفر النية لدى المقترض لسداد ما يستدينه.
فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَنْ أَخَذَ أَمُوالَ النَّاسِ يُرِيد أَدَاءَها أَدَى الله عَنهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتلَافِها أَتلَفَهُ الله "[9].
ومعنى (يريد أداءها): قاصداً أن يردها إلى المقرض.
(أدى الله عنه): يسر له ما يؤدي منه من فضله وأرضى غريمه في الآخرة إن لم يستطع الوفاء في الدنيا.
( إتلافها ): لا يقصد قضاءها.
(أتلفه الله) أذهب ماله في الدنيا وعاقبه على الدين في الآخرة "[10].
والمسلم لا يقدم على رمي أثقاله على الجميع إلا لحاجة، لأنه يعلم أن الدين هم بالليل وذّل بالنهار لذلك استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ "[11].
" ومع ذلك فإن الاستدانة مباحة إلا إذا اقترنت بنية الامتناع عن السداد، اعتماداً على الروح العامة للأمة في أخذها بيد الغارم من مال الزكاة أو صدقة التطوع، أو الإنظار إلى ميسرة، لأن ذلك انتهاز للفرص واستغلال لطيبة نفس المؤمن "[12].
وقد بين لنا الرسول الكريم أجر المَدين بقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"[13].
" يأخذ هذا الحديث أهميته وميزته من كونه قد وضع وحدّد أعم وأهم أسس التكافل الاجتماعي، ومن كونه قد أوضح أفضل وسيلة لفهم القرآن، فهماً ينتهي بالنتائج المرجوة من قراءته، فقد جنَّد العقيدة والعبادة والسلوك والثقافة في صورة من التكامل والتمازج لا تتهيأ إلا لرسول قد أوتي الحظ الأوفر من جوامع الكلم.
وإن الحديث يصلح أن يكون خطة بناء وإصلاح، تقوم عليها حضارة مثلى ومجتمع نموذجي: تكافل، علم، منهاج، عمل، العمل هو الأساس.
" وقد تناول هذا الحديث أربعة من أهم صور ووسائل التكافل بين أفراد المجتمع الإسلامي، وهي تفريج الكرب والتيسير على المعسرين، وستر العيوب، والتعاون بشكل عام في شتى ميادينه المادية والمعنوية "[14].
ولا ينبغي للمسلم أن يستدين إلا إذا احتاج، فالبعض يعتاد الاستدانة، فينفق كل ما يملك في الأيام الأولى من الشهر ويستدين باقي الشهر، ومن كان حاله هكذا في كل شهر، صعب عليه قضاء الدين وغرم، والبعض يستدين لشراء كماليات، كأن تستدين المرأة لشراء فستان ترتديه بحفل، ومن المعيب أن يراها الناس فيه مرة أخرى، وربما يستدين الرجل لشراء سيارة أحدث.
"وها هو الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة كان في الإسفار يسقي الناس، ويحمل الأحمال ويؤجر نفسه حتى لا يحتاج إلى الدين، ولما سرقت ثيابه بمكة كانت معها ألواح مكتوبة فسأل صاحبة البيت عنها فقالت: هي في الطاق فلم يجزع ما دامت الألواح سلمت له، ولزم داره، فافتقده صحبه، فجاءوه وعليه خلقان لا يعرف كيف يخرج للناس، فغلق على نفسه الباب، واجتمع الأصحاب، فجهدوا جهدهم ليقنعوه أن يقرضوه، ليشتري ثوباً، فأبى فلما استيأسوا منه تعاقدوا معه على عمل: أن ينسخ لهم مؤلفاً.
وآتوا أجره ديناراً اشتروا له به ثوباً "[15].
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه واصفاً مخاطر الإنفاق الاستهلاكي الممول من الاقتراض[16]:
إذا شئت تستقرض المال منفقاً
على شهوات النفس في زمن العمرِ
فسل نفسك الإنفاق من كنز صبرها
عليك وإنظاراً إلى زمن اليُسرِ
فإن سمحَت كنت الغني وإن أبت
فكل منوع بعدها واسع العُذرِ
" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بِجَنَازَةٍ، لِيُصَلِّىَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: " هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ ".
قَالُوا: لاَ.
فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِىَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: " هَلْ عَلَيْهِ مَنْ دَيْنٍ ".
قَالُوا نَعَمْ.
قَالَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ " قَالَ: أَبُو قَتَادَةَ عَلَىَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَصَلَّى عَلَيْهِ"[17].
والقرض مباح للضرورة، وقد استدان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه: " وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي"[18].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله خلقاً خلقهم لحوائج الناس، تفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله"[19].
" كذلك فإن الاقتراض سيقلل من مساحة استقلاليته أمام مقرضيه، ولا غرو في هذا، فمن يدفع يحكم، ومن ثم يجب على الأسرة أن تغرس، مبكراً، اتجاهاً سلبياً نحو الاقتراض في شتى صوره لدى أبنائها، سواء كان اقتراض لعبة من ابن الجيران، أو حاجيات منزلية، اللهم إلا عند الضرورات الشديدة فقط، وحبذا لو كان هذا بمبادرة من الآخرين، لأن هذا الميل للاقتراض سيتفاقم ويستمر لدى الفرد عبر مراحله الارتقائية التالية حيث يستمرئ الاقتراض من الأصدقاء، الزملاء في العمل، وينتهي الأمر بالبنوك، وقد يعجز عن السداد مما يعرضه لإجراءات قانونية قد تودي بمستقبله.
ولعل شيوع نماذج لمقترضين كبار من البنوك العامة، وما يواجهونه، أو يسببونه، من مشاكل يعد نهاية المطاف لمقترض صغير مثل الذي نتحدث عنه.
وعلينا حتى ندعم هذا التوجه السلبي نحو الاقتراض إن نبرز توجيهات الإسلام الحاضة على تجنبه، والتي تنفر الإنسان المسلم منه"[20].
[1] الجزيري، عبد الرحمن، الفقه على المذاهب الأربعة، بيروت، دار الكتب العلمية،1409هـ/ 1209م، [ 1-5]، 2، 338.
[2] البخاري، الجامع الصحيح المختصر، كتاب المظالم (51)، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه (4)، حديث (2310)، 2، 862.
[3] سابق، السيد، فقه السنة، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 8، 1407هـ/ 1987م، [1-3]، 3، 185.
[4] الطبراني، المعجم الكبير، حديث (377)، 19، 167
[5] الطبراني، المعجم الأوسط، حديث، (6719)،7، 16.
[6] ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد (ت 620هـ/ 1242م )، المغني، بيروت، دار الكتب العلمية، [1-12]، 4، 352.
[7] قنطقجي، سامر مظهر، فقه المحاسبة، 117.
[8] الهيتي، عبد الرزاق رحيم جدي، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، عمان، دار أسامة للنشر، ط1، 13هـ/ 1998م،371.
[9] البخاري، الجامع الصحيح المختصر، كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس(48)، بابمن أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها (2)، حديث (2257)، 2، 841.
[10] المرجع السابق، 842.
[11] الحاكم، المستدرك، 1، حديث ( 1945)، 713.
[12] الخالدي، محمود، سوسيولوجيا الاقتصاد الإسلامي، عمان، مكتبة الرسالة الحديثة، ط1، 1405هـ/ 1985م، 81.
[13] مسلم، الجامع الصحيح، كتاب الذكر والدعاء والتوبة (49)، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (11)، حديث (7028)، 8، 71.
[14] أبو صفية، عبد الوهاب رشيد صالح، شرح الأربعين النووية في ثوب جديد، د.م، دار البشير للنشر، ط1، 1408هـ/1988م، 424.
[15] الجندي، عبد الحليم، أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، القاهرة، دار المعارف، ط2، د.ت، 146.
[16] ابن أبي طالب، علي، ( ت 40هـ/ 691م)، ديوان الإمام علي رضي الله عنه ، اعتنى به عبد الرحمن المصطاوي، بيروت، دار المعرفة، ط4، 1428هـ/ 2007م، 68.
[17] البخاري، الجامع الصحيح المختصر، كتاب الكفالة (44)، باب من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع (3)، حديث (2173)، 2، 803.
[18] البخاري، الجامع الصحيح المختصر، كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (48)، باب حسن القضاء (7)، حديث(2264)،2، 843.
[19] الأصبهاني، حلية الأولياء، 8، 121.
[20] فرج، طريف شرقي، الأبعاد النفسية للتنشئة الاقتصادية، 6.