أرشيف المقالات

الكتب

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
فرعون الصغير وقصص أخرى تأليف الأستاذ محمود تيمور للدكتور إسماعيل أحمد أدهم يعتبر القاص محمود بك تيمور أشهر الكاتبين للأقصوصة في العالم العربي.
وقد أصدر إلى اليوم نحو عشر مجاميع قصصية تحتوي على نيف ومائة أقصوصة تمتاز كل واحدة منها بطابعها المحلي، وقد ترجم بعض هذه الأقاصيص إلى الألمانية، والبعض الآخر إلى الفرنسية.
كما ترجمت أقصوصة له إلى الإيطالية كنموذج من فنه القصصي.
وقد نالت أقاصيص محمود تيمور شيئاً من التقدير في الدوائر الأدبية الغربية، ذلك أنه صاحب اقتدار على كتابة الأقصوصة، وهذا الاقتدار يجيء في الأصل من طبيعته الفنية التي دارت حول الحياة ومشاهدها ومجاليها، متأثرة من جهة بأجواء القصص الأوربي، ومن هنا ما في أقاصيصه من شدة الصلة بأقاصيص جي دي موباسان، وتشيكوف، وذاهبة من جهة أخرى تنقل عن المحيط المصري، ومن هنا ما في أقاصيصه من الطابع المحلي. وتيمور بك فنان يرتبط نظره بصور الأشياء، ومن هنا ترى ما في أقاصيصه من الرجوع إلى الحياة، والنقل المباشر عن مرائيها ومظاهرها.
ولهذا كان إبراز مظاهر الحياة في أقاصيصه مرتبطاً بقدرته على الوصف، والوصف عنده هادئ، ومن هنا يغلبه بعض من التدقيق، وعلى هذا الوجه فقط يمكن فهم منحى تيمور بك الفني في أقاصيصه.
وربما كان ما في طبيعته من الهدوء هو الأصل في غلبة النزعة الواقعية الساذجة التي تتراءى للنظر من آثاره.
فالهدوء يفسح لعقله المجال للتداخل لتصفية ألوان الشعور وضبطها في نسب دقيقة مع الفكر، بحيث يسوق إلى خلق توازن بين العقل والمشاعر، وهذا التوازن يحمل الواقعية حين يتصل بموضوع أقصوصة.
وهو عادة يدور من ناحية شكلية، فتجد نظرة محمود تيمور ترتبط بمظاهر الأشياء وسطوح الحياة، ومن هنا يمكن أن نقول بأن الأصل الواقعي في فن تيمور بك ساذج إذ هو نتيجة للوصف الحسي. وخير ما يقال في أقاصيص تيمور بك أنها قطع من الحياة منتزعة في كل بساطة وصدق.
فهي صفحة ساذجة من الحياة؛ إن لم تر موضوعاً فيها تدور حوله الأقصوصة، أو غرضاً ترمي إليه، فإنك تستشف من وراء أقاصيص الرجل صفحات من الحياة يعرضها عليك في دقة مشهورة بأسلوب الوصاف لا بريشة الرسام أو المصور. وتعتبر (المجموعة) التي أصدرها في هذه الأيام من خير مجموعاته القصصية، وهي مصدرة ببحث عن المصادر التي ألهمته الكتابة.
وهذا البحث في الأصل محاضرة ألقيت بقاعة يورت بالجامعة الأمريكية مساء 5 مارس سنة 1938.
وقد وفق فيها تيمور بك إلى حد كبير في سبر غور الموضوع الذي يطرقه، كما نجح نجاحاً يذكر في الكشف عن العوامل التي اكتنفته فوجهته توجيهاً أدبياً صرفاً، وعملت على طبعه بطابع خاص.
ومن رأي تيمور بك أن العوامل التي تحدد كل جانب وتكونه هي ثلاثة أمور أساسية: وراثة وبيئة وحوادث، تتدخل فتجري مجرى الحياة الباطنية من طريق إلى آخر.
ويرى هو أن عامل الوراثة يتمثل معه فيما أورثه إياه والده من حب الكتابة، وشقيقه المرحوم محمد تيمور من حب الأدب القصصي.
وهذا العامل قد ساقه بتداخله مع بيئته إلى الأدب، كما أنه يرى أهم العوامل التي أثرت فيه متصلة بأسباب مطالعته.
وأهم الكتب التي تركت آثراً في ذهنه: هي ألف ليلة وليلة، وأقاصيص موباسان، وتشيكوف.
على أننا نلاحظ على هذا الفصل أن الكاتب وقف في بسطه للموضوع وسبر أغوار نفسيته عند الجمل.
فلم ينزل به إلى التفاصيل التي تعين على رسم صورة حقيقية دقيقة عنه. وفي هذا الفصل مطالعات تستوقف النظر: أهمها رأي الكاتب في (ألف ليلة وليلة)، وتفسيره لقوة الخيال فيها بأنها ترجع إلى كونها - جاءت عن طريق الفرس - وهذه ملاحظة قيمة لها دلالتها القوية على بعد نظر الكاتب وعدم جريه وراء الأوهام التي يجري وراءها بعض الذين يكتبون في الأدب العربي من الكتاب المعاصرين. أما المجموعة نفسها، فتحتوي على اثنتي عشرة أقصوصة، تستهل بأقصوصة (فرعون الصغير).
وهي أقصوصة يبرز فيها اللون التخيلي من حيث يتغلب على بناء الأقصوصة الجو الخيالي.
على أن هذه التخيلية عند الكاتب في هذه الأقصوصة تجعل فكرة الأقصوصة غير متسقة في أجزائها.
ففي هذه الأقصوصة تجده يصور الشاب بطل الأقصوصة شاباً في سن السابعة عشرة - مدفوعاً إلى ذلك بفكرة أولية، هو أن يخلق صلة شبه بين الشاب والفرعون الصغير توت عنخ أمون الذي مات في السابعة عشرة، أو الثامنة عشرة من عمره - وهذا التصوير الأنيق في بناء القصة مع الدور الذي يقوم به الشاب من أنه تخلف عن داره وبات خارجها مع الأمريكية الحسناء. وفي الأقصوصة الثانية وهي (غريم) تجد تيمور بك يقيم هيكل أقصوصة على أساس من تنازع العواطف، وهذا ما تراه واضحاً في شخصية رشدية يسري.
وهذا اللون الباطني وإن كان خفيفاً في هذه الاقصوصة، فهو يعود إلى علم النفس الحديث، والتأثر بالفريدوية واضح فيها.
على أنه في وصفه لشخصية رشدية يسري تتنبه فيه ملكته الواقعية الساذجة؛ فتراه يعمد لتصوير شخصيتها في دقة وبساطة.
وهي في تصويره لشخصيتها يبدو وبيده ريشة المصور من حيث يستخدم الألوان ويمزجها لخلق الأطياف والظلال.
على أنه في تصويرها يبدو لي وكأنه نظر لقصة بنت يزيد لرفيق خالد بك القصصي التركي الكبير حين عرض لتصوير (زليخا) بطل قصته. وفي الأقصوصة الثالثة وهي (حزن أب) تجد تيمور بك يبرز شخصية (الشيخ عساف) في صورة إنسان قد توزع فيه الإحساس بعد أن صدم بوفاة أبنه، وهو ينتهي من تصويره بأن يريك الأب قد انتحر.

وبهذا تخلص من توزع مشاعره واحساساته.
وجو الأقصوصة يوحي بلون باطني، ولكن لا يكاد يستشف منها، وإن أمكن إدراك لونها، بأن تترك القصة توحي إليك بجوها ألوانها الباطنية.
وهكذا يمكنك أن ترى من مجرى حوادث الأقاصيص أن التخيلية من جهة والباطنية من جهة أخرى أخذت تطغي على الواقعية الساذجة، ولكن بدون أن تغرقها.
وهذا التطور عند تيمور بك طبيعي لأنه رجل فنان وفنه يستولي عليه، ويختار التعبير الذي يتسق مع الجو الذي يضطرب في طوايا نفسه. والحق أن هذا التطور عند تيمور بك يعتبر تلطيفاً لجمود الواقعية.
والأصل الواقعي ثابت من نفسه بعد ذلك، ولا أدل على ذلك من ظهوره بصورة خيوط تتعارض في نسيج أقاصيص الرجل.
هذه مجموعة أقاصيص (فرعون الصغير) وهي مجموعة طيبة من الأقاصيص تدل على تطور الفن القصصي عند تيمور بك ولكن مع استناده إلى الأصل الثابت من نفسه، وهي من هنا خليقة بالعناية والتدقيق والاعتبار من أدباء العربية. إسماعيل احمد ادهم وقع خطا في ردي الأخير على الدكتور بشر فارس وهو ورود كلمة الإنجليزية وكأنها تنظر إلى كلمة الفرنسية والصحيح أن الكلمة الفرنسية تنظر إليها في الإنجليزية كلمة أو وقد استعمل الوجه في ترجمته لكتاب دوركايم.
كذلك جاء في المقال ص1524 س1 كلمة الغمزات مكان الفراسة كما جاءت في أكثر من موضع كلمة التقدير مكان التقرير.
كما ورد ص 1526س10 كلمة التقدير زائدة.
ولهذا لزم التنويه. 1 1

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣