أرشيف المقالات

النظر إلى المرأة الأجنبية

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
النظر إلى المرأة الأجنبية
 
ومِمَّا يَتَأَكَّدُ اجْتِنَابِهِ وَلا يَتِمُّ الصِّيَامُ لِمَنْ لَمْ يَجْتَنِبْهُ النَّظَرُ إلى الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ وَالرَّجُلِ الأَمْرَدِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ لأَنَّ الْمَرْأَةَ كُلُّهَا عَوْرَةٌ لا يَصِحُّ أَنْ يَرَى مَنْ لَيْسَ مِنْ مَحَارِمِهَا شَيْئًا مِنْ جَسَدِهَا وَلا شَعْرَهَا الْمُتَّصِلِ بِهَا وَمَا تَفْعَلُهُ بَعْضُ نِسَاءِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ التَّبَرُّجِ وَالتَّجَمُّلُ فِي الأَسْوَاقِ مَا هُو مُجَاهَرَةٌ بِالْمَعَاصِي وَتَشَبُّهُ بِنِسَاءِ الإفْرَنْجِ.
 
فَمِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ وَأَفْظَعَهَا خُرُوجُ الْمَرْأَةُ كَاشِفَةً رَأْسِهَا أَوْ عُنُقَها أَوْ نَحَرَهَا أَوْ ذِرَاعَيْهَا أَوْ سَاقَيْهَا أَوْ وَجْهِهَا أَوْ الْجَمِيعَ أَوْ الثِّيَابِ الْمُظْهِرَةِ لِلْمَفَاتِنِ أَوْ اللِّبَاسِ الشَّفَافِ الذي وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ لا يَسْتُرُ مَا تَحْتَهُ فَهَذَا دَاخِلٌ فِي التَّبَرجُّ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَمْنَعَ نِسَاءَهُ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِنَّ وِلايَة وَيَقْبَلْنَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ وَيُلِزْمُهُنَّ السِّتَر وَالتَّحفُّظَ ويَنْصَحَ إِخْوَانَهُ الْمُهْمِلِينَ لِلمُتَّصِفَاتِ بِذَلِكِ.
 
وَمِنْ الآدَابِ التِي أَمَرَ الله تَعَالَى بِهَا نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنهُنَّ القُدْوَةُ الْحَسَنَةَ فِي العَفَافِ وَالتُّقَى وَالتَّسَتُّرِ وَالْحَيَاءِ وَالإيمانِ وَمَعَ حَيَاءِ النَّاسِ مِنْهُنَّ وَاحْتِرَامِهِمْ لَهُنَّ مَا ذَكَرَهُ تَعَالى فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ بِقَوْلِهِ: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33].
 
قَالَ مُقَاتِلُ: التَّبَرُّجُ أَنَّهَا تُلْقِي الْخِمَارَ عَلَى رَأْسِهَا وَلا تَشُدُّهُ فَيُوَارِي قَلائِدَهَا وَقُرْطَهَا وَعُنُقَهَا وَيَبْدُو ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهَا وَذَلِكَ التَّبَرُّجُ.
 
وَقَالَ تَعَالى آمِرًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فَلا يَنْظُرُوا إِلا لِمَا أَبَاحَ لَهُمْ النَّظَرُ إِلَيْهِ: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور: 30]؛ قَالَ أَبُو حَيَّانٍ فِي تَفْسِيرِهِ: قُدِّمَ غَضُّ البَصَرِ عَلَى حِفْظِ الفُرُوج لأَنَّ النَّظَرَ بَرِيدُ الزِّنَا وَرَائِدُ الفُجُورِ وَالبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ وَأكْثَرُ لا يَكَادُ يَقُدْرُ عَلَى الاحْتِرَازِ مِنْهُ، َهُو البَابُ الأَكْبَرُ إلى القَلْبِ وَأَعْمَرُ طُرُقِ الْحَوَاسِّ إِلَيْهِ وَيَكْثُرُ السُّقُوطُ مِنْ جِهَتِهِ.
 
وَقَالَ تَعَالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾ [غافر: 19]؛ قَالَ البَغَوِي: أَيْ خِيَانَتُهَا، وَهِيَ اسْتِرَاقُ النَّظَرِ إِلى مَا لا يَحِلُّ.
قَالَ مُجَاهِدُ: هُوَ نَظَرُ الأَعْيُنِ إلى َمَا نَهَى اللهُ عَنْهُ.
 
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ».
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
 
شِعْرًا:

تَخَيَّرَ مِنَ الطُّرْقِ أَوْسَاطَهَا
وَعَدِّ عَنِ الجَانِب المُشْتَبِهْ

وسَمْعَكَ صُنْ عن سَمَاعِ القَبِيحِ
كَصَوْنِ اللِّسَانِ عَنِ النُّطْقِ بِهْ

فَإِنَّكَ عِنْدَ اسْتِمَاعِ القَبِيحِ
شَرِيكٌ لِقَائِلِهِ فَانْتَبِهْ

 
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتُهُ فِي قَلْبِهِ».
 
وَرَوَى الأصْبَهَاني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا عَيْنًا غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ، وَعَيْنًا سَهِرَتْ في سَبِيلِ اللهِ، وَعَيْنًا خَرَج مِنْهَا مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ».
وَأَخْرَجَهُ الإمَامُ أًحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الإِسْنَادِ.
وَاعْتَرَضَهُ المُنْذِرِي.
 
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ»، وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَالنَّظَرُ أَصْلُ عَامَّةِِ الحَوَادِثِ التي تُصِيبُ الإِنْسَانَ فَإِنَّ النَّظْرَةَ تُوَلِّدُ خَطْرَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الخَطْرَةُ فِكْرَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الفِكْرَةُ شَهْوَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الشَّهْوَةُ إِرَادَةً ثُمَّ تَقْوَى فَتَصِيرُ عَزِيمَةً جَازِمَةً فَيَقَعْ الفِعْلُ وَلا بُدَّ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ.
وَفي هَذَا قِيلَ: الصَّبْرُ عَلَى غَضِّ النَّظَرَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَلَمٍ بَعْدَه.

كُلُّ الحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ
وَمُعْظَمُ النَّارِ مِن مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ

وَالعَيْنُ أَصْلْ عِنَاهَا فِتْنَةُ النَّظَرِ
وَالقَلْبُ كُلُّ أَذاهُ الشُّغْلُ بِالفِكَرِ

كَمْ نَظْرَةٍ نَقَشَتْ في القَلْبِ صُورَةَ من
رَاحَ الفُؤَادُ بِهَا في الأسْرِ وَالحَذَرِ

وَالمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا
في أَعْيُنِ العِيْن مَوقُوفٌ على الخَطَر

يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَهُ
لا مَرْحَبًا بِسَرُورٍ جَاءَ بِالضَّرَرِ

فَالقَلْبُ يَحْسُدُ نُورَ العَيْنِ إِذَْ نَظَرَتْ
وَالعَيْنُ تَحْسُدُهُ حَقًا عَلَى الفِكَرِ

يَقُولُ قَلْبِي لِعَيْنِي كُلَّمَا نَظَرَتْ
كَمْ تَنْظُرِينَ رَمَاكِ اللهُ بِالسَّهَرِ

فَالعَيْن تُورثُهُ هَمًا فَتُشْغِلُهُ
وَالقَلْبُ بالدَّمْعِ يَنْهَاهَا عَنِ النَّظَرِ

هَذَانِ خَصْمَانِ لا أَرْضَى بِحُكْمِهِمَا
فَاحْكُمْ فَدَيْتُكَ بَيْنَ القَلْبِ وَالبَصَرِ

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْتَ إليه القَوْم وأَيْقِظْنَا من سِنة الغَفْلَةِ والنَّوم وارزِقْنَا الاستعدادَ لِذَلِكَ اليَوْمِ الذي يَرْبَحُ فيه المُتَّقُونَ، اللَّهُمَّ وعامِلنَا بإحْسَانِكَ وَجُدْ علينا بِفَضْلِكَ وامْتِنانِكَ واجعلنا من عِبادِكَ الذينَ لا خَوفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُون، اللَّهُمَّ ارحَمْ ذُلَّنَا بَيْنَ يَدَيْكَ واجعلْ رَغْبَتَنَا فِيما لَدَيْكَ، ولا تحرمنا بِذُنوبنا، ولا تَطْرُدْنَا بعُيوبنا، واغْفِرْ لَنِا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ منْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

شارك الخبر

المرئيات-١