يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب
مدة
قراءة المادة :
47 دقائق
.
يُسُنَّ لِمَنْ شُتِمَ قَوْلُهُ: إِنِّي صَائِمٌ، وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ، وَتَعْجيلُ فِطْرٍ عَلَى رُطَبٍقَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَسُنَّ لِمَنْ شُتِمَ قَوْلُهُ: إِنِّي صَائِمٌ، وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ، وَتَعْجيلُ فِطْرٍ عَلَى رُطَبٍ، فَإِنْ عُدِمَ فَتَمْرٌ، فَإِنْ عُدِمَ فَماءٌ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ".
هُنَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- سُنَنًا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَثَّلَهَا الصَّائِمُ، وَيَحْرِصَ عَلَيْهَا، وَهِيَ:
السُّنَّةُ الْأَوْلَى: أَنْ يَقولَ لِمَنْ شَتمَهُ: إِنِّي صائِمٌ:
وَهَذِهِ ذَكَرَهَا -رَحِمَهُ اللهُ- بِقَوْلِهِ: (وَسُنَّ لِمَنْ شُتِمَ قَوْلُهُ: إِنِّي صائِمٌ).
وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»[1].
وَهُنَا مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ: هَلْ يَقولُهَا سِرًّا أَوْ جَهْرًا؟
الْجَوابُ: فِي هَذَا خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى أَقْوالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَقولُهَا سِرًّا فِي نَفْسِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَهَذَا وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[2].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَقولُهَا جَهْرًا بِلَسانِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَهَذَا وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنابِلَةِ، وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ[3]، وَاخْتارَهُ النَّوَوِيُّ، وَشَيْخُ الْإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَابْنُ الْقَيِّمِ[4].
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَقولُهَا جَهْرًا فِي صَوْمِ الْفَريضَةِ، وَسِرًّا فِي صَوْمِ النَّافِلَةِ.
وَهَذَا وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنابِلَةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[5]، وَاخْتارَهُ الْمَجْدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ[6].
السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُؤخِّرَ السُّحورَ:
ذَكَرَهَا -رَحِمَهُ اللهُ- بِقَوْلِهِ: (وَتَأْخيرُ سُحورٍ).
وَالْحَديثُ عَنْ هَذِهِ السُّنَّةِ سَيَكونُ فِي مَسائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: تَعْريفُ السُّحُورِ:
السَّحُورُ بِالْفَتْحِ: اسْمٌ لِمَا يُؤكَلُ فِي السَّحَرِ، وَبِالضَّمِّ: اسْمٌ لِلْفِعْلِ؛ أي: الْأَكْلَ نَفْسَهُ.
وَأَجازَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكونَ اسْمًا لِلْفِعْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ[7].
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حُكْمُ السُّحورِ:
أَجْمَعَ الْعُلَماءُ عَلَى أَنَّ السُّحورَ مَنْدوبٌ إِلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ واجِبًا، وَلَا يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهُ، قَالَ الْعَيْنِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "الْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ الَّذِي مُقْتَضاهُ الْوُجوبُ هُوَ الْمُجَرَّدُ عَنِ الْقَرائِنِ، وَهَهُنَا قَرينَةٌ تَدْفَعُ الْوُجوبَ، وَهُوَ أَنَّ السُّحورَ إِنَّمَا هُوَ أَكْلٌ لِلشَّهْوَةِ وَحِفْظِ الْقُوَّةِ، وَهُوَ مَنْفَعَةٌ لَنَا، فَلَوْ قُلْنَا بِالْوُجوبِ يَنْقَلِبُ عَلَيْنَا، وَهُوَ مَرْدودٌ"[8].
وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْماعَ عَلَى هَذَا جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ[9].
وَقَدْ حَضَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ عَلَى السُّحُورِ، وَنَدَبَهُمْ إِلَيْهِ؛ فَقَالَ: «تَسَحَّرُوْا فَإِنَّ فِي السّحُورِ بَرَكَةٌ»[10].
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمَقْصودُ بِالْبَرَكَةِ الَّتِي عُلِّلَ بِهَا السُّحورُ:
قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَهَذِهِ الْبَرَكَةُ الْمُعَلَّلُ بِهَا السُّحُورَ يَجوزُ أَنْ تَكونَ أُخْرَوِيَّةً؛ لِأَنَّ فِيهِ مُتابَعَةَ السُّنَّةِ، وَهِيَ موجِبَةٌ لِلثَّوابِ وَزِيادَتِهِ وَثَمَرَتِهِ، وَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ ذِكْرٌ وَدُعاءٌ وَوُضُوءٌ وَصَلاةٌ وَاسْتِغْفارٌ فِي وَقْتٍ شَريفٍ، تَنْزِلُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَيُسْتَجابُ فِيهِ الدُّعاءُ، وَقَدْ يَدُومُ ذَلِكَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِمَزيدِ الْأُجورِ.
وَيَجوزُ أَنْ تَكونَ دُنْيَوِيَّةً كَقُوَّةِ الْبَدَنِ عَلَى الصِّيَامِ، وَالنَّشاطِ لَهُ، وَيَحْصُلَ لَهُ بِسَبَبِهِ الرَّغْبَةُ فِي الاِزْدِيادِ مِنَ الصَّوْمِ لِخِفَّةِ الْمَشَقَّةِ عَلَى فاعِلِهِ...، وَيَجوزُ أَنْ تَكونَ الْبَرَكَةُ بِمَجْموعِ الْأَمْرَيْنِ.
وَحَاصِلُ الْبَرَكَةِ فِي السُّحورِ يَتَنَوَّعُ أَنْواعًا:
أَوَّلُهَا: اتِّباعُ السُّنَّةِ وَالِاقْتِداءُ.
ثَانِيهَا: مُخالَفَةُ أَهْلِ الْكِتابِ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْأَكْلِ عَلَى الْإِفْطارِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ بَعْدُ.
ثالِثُهَا: التَّقَوِّي بِهِ وَالنَّشاطُ لِلصَّوْمِ سِيَمَا الصِّبْيانُ.
رابِعُهَا: التَّسَبُّبُ لِلصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ إِذْ ذاكَ.
خامِسُهَا: التَّسَبُّبُ فِي ذِكْرِ اللهِ وَالدُّعاءِ وَلِلرَّحْمَةِ، فَإِنَّهُ وَقْتُ الْإِجابَةِ.
سادِسُها: التَّسَبُّبُ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، فَإِنَّهُ إِذَا جاعَ رُبَّمَا ساءَ خُلُقُهُ.
سابِعُهَا: تَجْديدُ نِيَّةِ الصَّوْمِ، فَيَخْرُجُ مِنْ خِلافِ مَنْ أَوْجَبَ تَجْديدَهَا إِذَا نامَ ثُمَّ تَنَبَّهَ"[11].
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ:
كُلُّ ما حَصَلَ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ حَصَلَتْ بِهِ فَضيلَةُ السُّحورِ:
• لِحَديثِ أَبِي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «السُّحُورُ أَكْلَةٌ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ»[12].
• وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ»[13].
فَتَحْصُلُ فَضيلَةُ السُّحورِ بِكُلِّ ما يَكُونُ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، وَلَكِنْ كَمالُ فَضيلَتِهِ بِالْأَكْلِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ: أَكْلَةُ السَّحَرِ»[14]، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ-رَحِمَهُ اللهُ-: "وَالْأَشْبَهُ: أَنَّهُ إِنْ قُدِّرَ عَلَى الْأَكْلِ؛ فَهُوَ السُّنَّةُ"[15].
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: وَقْتُ السُّحورِ:
اِخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي تَحْديدِ وَقْتِ السُّحورِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ وَقْتَ السُّحورِ مَا بَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ إِلَى طُلوعِ الْفَجْرِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهورِ الْفُقَهاءِ؛ مِنَ الْحَنابِلَةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالْمالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[16].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ وَقْتَ السُّحورِ ما بَيْنَ السُّدُسِ الْأَخيرِ وَطُلوعِ الْفَجْرِ.
وَهَذَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[17].
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: سُنِّيَةُ تَأْخيرِ السُّحورِ، وَبَيانُ الْعِلَّةِ فِي سُنِّيَةِ تَأْخيرِهِ:
يُسَنُّ تَأْخيرُ السُّحورِ، وَقَدْ حَكَى غَيْرُ واحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْإِجْماعَ[18].
وَذَكَرَ الْإِمامُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ أَحَادِيثَ الْأَمْرِ بِالتَّسَحُّرِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِ، وَتَأْخيرِهِ، وَتَعْجيلِ الْفِطْرِ، مُتَواتِرَةٌ صِحَاحٌ[19].
وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخيرُ السُّحورُ؛ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي الْمَقْصودِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: كانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِأُمَّتِهِ فَيَفْعَلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَسَحَّرْ لَاتَّبَعوهُ فَيَشُقُّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَلَوْ تَسَحَّرَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لَشَقَّ أَيْضًا عَلَى بَعْضِهِمْ مِمَّنْ يَغْلُبُ عَلَيْهِ النَّوْمُ، فَقَدْ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ الصُّبْحِ، أَوْ يَحْتاجُ إِلَى الْمُجاهَدَةِ بِالسَّهَرِ، وَقَالَ: فِيهِ أَيْضًا تَقْوِيَةٌ عَلَى الصِّيامِ؛ لِعُمومِ الِاحْتِياجِ إِلَى الطَّعامِ، وَلَوْ تُرِكَ لَشَقَّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ كانَ صَفْراوِيًّا؛ فَقَدْ يُغْشَى عَلَيْهِ فَيُفْضِي إِلَى الْإِفْطارِ فِي رَمَضانَ"[20].
تَنْبيهٌ: وَالسُّنَّةُ فِي تَأْخيرِ السُّحورِ عِنْدَ جُمْهورِ الْفُقَهاءِ ما لَمْ يُخْشَ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي[21]؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187]، وَالْمُرادُ بِالْفَجْرِ فِي الْآيَةِ هُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ»[22].
وَالصَّحيحُ مِنْ قَوْلَي الْعُلَماءِ: أَنَّ وَقْتَ السُّحورِ عِنْدَ طُلوعِ الْفَجْرِ الْكاذِبِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةٌ»[23]، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ السُّحورُ مَأْخوذٌ مِنَ السَّحَرِ، وَالسَّحَرُ هُوَ آخِرُ اللَّيْلِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَكونُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ طُلوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ، وَإِنَّمَا وَصَفَ السُّحورَ بِكَوْنِهِ سُحورًا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي هَذَا الْوَقْتِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: الْحَدُّ الَّذِي بِتَبَيُّنِهِ يَجِبُ الْإِمْساكُ:
أَمَّا الْحَدُّ الَّذِي يَجِبُ بِتَبَيُّنِهِ الْإِمْساكُ فهُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْإِسْفارُ فِي الطُّرُقِ وَالْبُيوتِ وَالْمَساجِدِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ[24]، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمَذاهِبُ الْأَرْبَعَةُ[25]، وَنُقِلَ الْإِجْماعُ عَلَى هَذَا[26].
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ؛ مِنْهَا:
• حَديثُ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلِ هَكَذَا؛ حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا»، وحَكَاهُ حَمَّادُ -أَحْدُ رُواةِ الْحَدِيثِ- بِيدِيهِ، قَالَ: يَعْنِي: مُعْتَرِضًا[27]، أي: أَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ خَطٍّ مُسْتَقيمٍ دَقيقٍ، وَإِنَّمَا حَتَّى يَنْتَشِرَ.
• وَفِي حَديثِ ابْنِ مَسْعودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «إِنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا -وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ نَكَسَهَا إِلَى الْأَرْضِ-؛ وَلَكِنِ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا -وَوَضَعَ الْمُسَبِّحَةَ عَلَى الْمُسَبِّحَةِ وَمَدَّ يَدَيْهِ-»[28]؛ فَيَنْتَشِرُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً؛ وَلِذَا لَا يَكونُ بِمُجَرَّدِ ظُهورِ الْخَطِّ الدِّقيقِ حَتَّى يَسْتَبينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: هَلْ يُجْزِئُ التَّسَحُّرُ عَنِ النِّيَّةِ؟
اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي إِجْزاءِ التَّسَحُّرِ عَنِ النِّيَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّسَحُّرَ يُجْزِئُ عَنْ نِيَّةِ الصِّيَامِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[29].
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "إِذَا تَناوَلَ الْإِنْسانُ الْعِشاءَ وَبِقَلْبِهِ أَنَّهُ سَيَصومُ مِنَ الْغَدِ فَإِنَّها نِيَّةٌ تُجْزِئُهُ"[30].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّسَحُّرَ لَا يُجْزِئُ عَنِ نِيَّةِ الصِّيامِ.
وَهَذَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[31].
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: حُكْمُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِماعِ حَالَ الشَّكِّ فِي طُلوعِ الْفَجْرِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَوْ شَكَّ فِي طُلوعِ الْفَجْرِ جازَ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِماعُ وَغَيْرُهَا بِلَا خِلافٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْفَجْرَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187]، ولِمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ قَالَ: «كُلْ مَا شَكَكْتَ حَتَّى يَتَبَيَّن لَكَ»[32]، وَفِي رِوايَةٍ عَنْ حَبيبِ ابْنِ أَبِي ثابِتٍ قَالَ: «أَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلَيْنِ يَنْظُرَانِ الْفَجْرَ؛ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَصْبَحْتَ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا، قَالَ: اخْتَلَفْتُمَا.
أَرِنِي شَرَابِي»[33].
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «أَرِنِي شَرَابِي» جارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ الشُّرْبُ وَالْأَكْلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ، وَلَوْ كانَ قَدْ تَبَيَّنَ لَمَا اخْتَلَفَ الرَّجُلانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ خَبَرَيْهِمَا تَعارَضا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّيْلِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: «أَصْبَحْتَ» لَيْسَ صَريحًا فِي طُلوعِ الْفَجْرِ، فَقَدْ تُطْلَقُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لِمُقارَبَةِ الْفَجْرِ"[34].
وَرُغْمَ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي جَوازِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِماعِ لِلصَّائِمِ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلوعِ الْفَجْرِ إِلَّا أَنَّ هُناكَ خِلافًا بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى أَقْوالٍ، وَهِيَ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: جَوازُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِماعِ لِلصَّائِمِ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهورِ مِنَ الْحَنابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[35].
الْقَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ جَوازِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِماعِ لِلصَّائِمِ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلوعِ الْفَجْرِ، وَمَنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضاءُ.
وَهَذَا الْمَشْهورُ مِنْ مَذْهَبِ الْمالِكِيَّةِ[36].
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: كَراهَةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِماعِ لِلصَّائِمِ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلوعِ الْفَجْرِ.
وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْمالِكِيَّةِ[37].
السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ:
وَهَذِهِ ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- بِقَوْلِهِ: (وَتَعْجيلُ فِطْرٍ).
وَالْكَلامُ عَنْ هَذِهِ السُّنَّةِ سَيَكونُ فِي مَسائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأولَى: حَدُّ الْإِفْطارِ:
حَدُّ الْإِفْطارِ تَيَقُّنُ مَغيبِ الشَّمْسِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَالتَّعْجيلُ إِنَّمَا يَكونُ بَعْدَ الاِسْتيقَانِ بِمَغيبِ الشَّمْسِ، وَلَا يَجوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ شاكٌّ هَلْ غابَتِ الشَّمْسُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إِذَا لَزِمَ بِيَقينٍ لَمْ يُخْرَجْ عَنْهُ إِلَّا بِيَقينٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَ يَقولُ: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوْا الْصِّيَامَ إِلَى اللّيْلِ﴾ [البقرة: 187]، وَأَوَّلُ اللَّيْلِ مَغِيبُ الشَّمْسِ كُلِّهَا فِي الْأُفُقِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرينَ، وَمَنْ شَكَّ لَزِمَهُ التَّمادِي حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي مَغيبِهَا"[38].
وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْماعُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْإِفْطارِ وَتَمامَ الصَّوْمِ وَانْقِضاءَهُ هُوَ تَيُقُّنُ الْغُروبِ، قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "يَنْقَضِي الصَّوْمُ وَيَتِمُّ بِغُروبِ الشَّمْسِ بِإِجْماعِ الْمُسْلِمينَ"[39]، وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَالْمُرادُ: إِذَا تَحَقَّقَ غُروبَ الشَّمْسِ إِجْماعًا"[40].
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: سُنِّيَّةُ تَعْجيلِ الْفِطْرِ، وَبَيانُ الْحِكْمَةِ وَوَجْهُ الْخَيْرِيَّةِ فِي التَّعْجيلِ:
يُسْتَحَبُّ تَعْجيلُ الْفِطْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْغُروبِ، وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْماعُ عَلَى هَذَا، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "تَعْجيلُ الْفِطْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْغُروبِ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفاقٍ"[41].
وَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبابِ يَشْهَدُ لَهُ الْأحَادِيثُ الْمُتَكاثِرَةُ، مِنْهَا:
• حَديثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»[42].
• وَعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: «دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ، وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ، وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ، وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، قَالَتْ: أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: قُلْنَا: عَبْدُ اللهِ -يَعْنِي: ابْنَ مَسْعُودٍ- قَالَتْ: كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-»، زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ: وَالْآخَرُ أَبُو مُوسَى -رضي الله عنها-[43].
• وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ، أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا»[44].
وَقَدْ كانَ الصَّحَابَةُ -رضي الله عنهم- يُسارِعونَ بِالْفِطْرِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْغُروبِ؛ كَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمون الْأَوْدِيِّ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَسْرَعَ النَّاسِ إِفْطَارًا، وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا»[45].
وَأَمَّا الْحِكْمَةُ مِنِ اسْتِحْبابِ تَعْجيلِ الْفِطْرِ فَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: "قَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنَّمَا حَضَّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى تَعْجيلِ الْفِطْرِ؛ لِئَلَّا يُزادَ فِي النَّهارِ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ؛ فَيَكونُ ذَلِكَ زِيادَةٌ فِي فُروضِ اللهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ، وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الصِّيَامِ"[46].
وَمِنَ الْحِكْمَةِ أَيْضًا: "أَلَّا يَتَبَرَّمَ بِالصَّوْمِ، وَلَا أَنْ يَطولَ عَلَيْهِ زَمانُهُ، وَأَنْ يُعْطِيَ النَّفْسَ حَقَّهَا مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَكَسْرُ صُورَةِ الْجوعِ الَّذِي أَثارَهُ الصَّوْمُ"[47].
وَأَمَّا كَوْنُ النَّاسِ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ فَلِمَا "فِيهِ مِنْ إِظْهارِ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي مُتابَعَتِهَا، وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي مُخالَفَتِهَا، وَفِعْلُها كَالْعَلَمِ عَلَى صَلاحِ الدِّينِ وَالْأُمورِ كُلِّهَا، وَتَرْكُهَا كَالْعَلَمِ عَلَى فَسادِ الدِّينِ وَالْأُمورِ كُلِّهَا، حَتَّى إِنَّ الصَّحَابَةَ -رضي الله عنهم- كانوا إِذا خُذِلُوا فِي أَمْرٍ، فَتَّشُوا عَلَى مَا تَرَكُوا مِنَ السُّنَّةِ، فَإِذَا وَجَدُوهُ، عَلِمُوا أَنَّ الْخِذْلانَ إِنَّمَا وَقَعَ بِتَرْكِ تِلْكَ السُّنَّةِ، فَلَا يَزالُ أَمْرُ الْأُمَّةِ مُنْتَظِمًا، وَهُمْ بِخَيْرٍ مَا دَامُوا مُحَافِظينَ عَلَى سُنَّةِ تَعْجيلِ الْفِطْرِ، وَإِذَا أَخَّرُوهُ، كانَ عَلامَةً عَلَى فَسادٍ يَقَعونَ فِيهِ"[48].
وَلِأَنَّ "التَّعْجيلَ أَحْفَظُ لِلْقُوَّةِ، وَأَرْفَعُ لِلْمَشَقَّةِ، وَأَوْفَقُ لِلسُّنَّةِ، وَأَبْعَدُ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْبِدْعَةِ، وَلِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّمانَيْنِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ"[49]، وَلِأَنَّ "فِيهِ مُخالَفَةَ أَهْلِ الْكِتابِ، وَكانَ مِمَّا يَتَدَيَّنونَ بِهِ: الْإِفْطارُ عِنْدَ اشْتِباكِ النُّجومِ، ثُمَّ صارَ فِي مِلَّتِنَا شِعارًا لِأَهْلِ الْبِدْعَةِ، وَسِمَةً لَهُمْ، وَهَذِهِ هِيَ الْخَصْلَةُ الَّتِي لَمْ يَرْضَهَا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-"[50].
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "تَنْبيهٌ: مِنَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ: مَا أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمانِ مِنْ إِيقَاعِ الْأَذانِ الثَّانِي قَبْلَ الْفَجْرِ بِنَحْوِ ثُلُثِ ساعَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَإِطْفاءِ الْمَصابيحِ الَّتِي جُعِلَتْ عَلامَةً لِتَحْريمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى مَنْ يُريدُ الصِّيامَ، زَعْمًا مِمَّنْ أَحَدَثَهُ أُنَّهُ لِلِاحْتِياطِ فِي الْعِبادَةِ، وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إِلَّا آحَادُ النَّاسِ، وَقَدْ جَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ صَارُوا لا يُؤَذِّنونَ إِلَّا بَعْدَ الْغُروبِ بِدَرَجَةٍ؛ لِتَمْكينِ الْوَقْتِ زَعَمُوا! فَأَخَّرُوا الْفِطْرَ، وَعَجَّلُوا السُّحورَ، وَخالَفُوا السُّنَّةَ، فَلِذَلِكَ قَلَّ عَنْهُمُ الْخَيْرُ، وَكَثيرٌ فِيهِمُ الشَّرُّ"[51].
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَحْوالُ الصَّائِمِ وَقْتَ الْغُروبِ:
الصَّائِمُ وَقْتَ الْغُروبِ لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ:
الْحَالُ الْأَوْلَى: أَنْ يَكونَ فِي مَكانٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ رُؤْيَةِ غُروبِ الشَّمْسِ خَلْفَ الْأُفُقِ، كَأَنْ يَكونَ فِي صَحْراءٍ، أَوْ فَضاءٍ مِنَ الْأَرْضِ، أَوْ عَلَى رُؤوسِ الْجِبالِ، أَوْ فِي مَكانٍ مُرْتَفِعٍ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مِنْ رُؤْيَةِ الشَّمْسِ، وَهِيَ تَغيبُ عَنِ الْأُفُقِ.
فَفِي هَذِهِ الْحَالِ يُفْطِرُ عِنْدَ غِيابِ كامِلِ قُرْصِ الشَّمْسِ، قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ-: "وَالِاعْتِبَارُ سُقُوطُ قُرْصِهَا بِكَمَالِهِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الصَّحْرَاءِ"[52].
الْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكونَ فِي مَكانٍ يَتَعَذَّرُ فِيهِ رُؤْيَةُ غِيابِ الشَّمْسِ خَلْفَ الْأُفُقِ، إِمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ سُكَّانِ الْمُدُنِ حَيْثُ تَحُولُ الْأَبْنِيَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْأُفُقِ، أَوْ لِوُجودِهِ فِي مَكانٍ مُنْخَفِضٍ كَالْوِدْيانِ، أَوْ لِوُجودِ جِبالٍ تَحولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الشَّمْسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ بِمُجَرَّدِ غِيابِ الشَّمْسِ عَنْ ناظِرَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَغِيبُ عَنْ عَيْنَيْهِ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ بَعْدُ، بِسَبَبِ اخْتِفائِهَا خَلْفَ الْأَبْنِيَّةِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يُمْكِنُهُ الِاسْتِدْلالُ عَلَى غُروبِهَا بِاخْتِفاءِ أَشِعَّتِهَا الَّتِي تَكونُ عَلَى الْجُدْرانِ الْعالِيَةِ، أَوْ بِإِقْبالِ اللَّيْلِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ -إِنْ أَمْكَنَ رُؤْيَةُ ذَلِكَ-، وَالْمَقْصودُ بِإِقْبالِ اللَّيْلِ هُوَ ظُهورُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فِي السَّماءِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَلَيْسَ الْمَقْصودُ انْتِشارُ الظُّلْمَةِ فِي السَّماءِ كُلِّهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكونُ بَعْدَ غُروبِ الشَّمْسِ بِمُدَّةٍ.
قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ-: "وَأَمَّا فِي الْعُمْرانِ وَقُلَلِ الْجِبالِ: فَالِاعْتِبارُ بِأَنْ لا يُرَى شَيْءٌ مِنْ شُعَاعِهَا عَلَى الْجُدْرَانِ وَقُلَلِ الْجِبَالِ، وَيُقْبِلَ الظَّلامُ مِنَ الْمَشْرِقِ"[53].
وقَالَ فِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِيِّ: "مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ: غُرُوبُ الشَّمْسِ، إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَكُونُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، أَوْ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ.
وَأَمَّا مَنْ يَكُونُ خَلْفَ الْجِبَالِ: فَلَا يُعَوِّلُ عَلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِنَّمَا يُعَوِّلُ عَلَى إقْبَالِ الظُّلْمَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِهَا، فَيُصَلِّي وَيُفْطِرُ"[54].
وَقَالَ ابْنُ دَقيقِ الْعِيدِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَالْأَمَاكِنُ تَخْتَلِفُ، فَمَا كَانَ مِنْهَا فِيهِ حَائِلٌ بَيْنَ الرَّائِي وَبَيْنَ قُرْصِ الشَّمْسِ: لَمْ يَكْتَفِ بِغَيْبُوبَةِ الْقُرْصِ عَنِ الْأَعْيُنِ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى غُرُوبِهَا بِطُلُوعِ اللَّيْلِ مِنَ الْمَشْرِقِ"[55].
وَقَالَ الْحَطَّابُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ: إذَا غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ، بِمَوْضِعٍ لَا جِبَالَ فِيهِ، فَأَمَّا مَوْضِعٌ تَغْرُبُ فِيهِ خَلْفَ جِبَالٍ، فَيُنْظَرُ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الظُّلْمَةُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ"[56].
وَيَدُلُّ لِهَذَا: قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا -أي: جهة المشرق-، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا -أي: جهة المغرب-، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ: فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»[57].
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْياءِ يَتَضَمَّنُ بَقِيَّتَهَا؛ إِذْ لَا يُقْبِلُ اللَّيْلُ إِلَّا إِذَا أَدْبَرَ النَّهارُ، وَلَا يُدْبِرُ النَّهارُ إِلَّا إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ لَا يَتَّفِقُ مُشاهَدَةُ عَيْنِ الْغُروبِ، وَيُشاهَدُ هُجومُ الظُّلْمَةِ؛ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْغُروبُ بِذَلِكَ؛ فَيَحِلُّ الْإِفْطارُ"[58].
وَقَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قَالَ الْعُلَمَاءُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَتَضَمَّنُ الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي وَادٍ وَنَحْوِهِ، بِحَيْثُ لَا يُشَاهِدُ غُرُوبَ الشَّمْسِ، فَيَعْتَمِدُ إِقْبَالَ الظَّلَامِ وَإِدْبَارَ الضِّيَاءِ"[59].
وَقَالَ أَيْضًا: "قَالَ الْعُلَماءُ: إِنَّمَا ذُكِرَ غُروبُ الشَّمْسِ وَإِقْبالُ اللَّيْلِ وَإِدْبارُ النَّهارِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ غُروبَهَا عَنِ الْعُيونِ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَغيبُ فِي بَعْضِ الْأَماكِنِ عَنِ الْعُيونِ، وَلَا تَكونُ غَرَبَتْ حَقيقَةً؛ فَلَا بُدَّ مِنْ إِقْبالِ اللَّيْلِ وَإِدْبارِ النَّهارِ"[60].
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: حُكْمُ الْإِفْطارِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ:
اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: جَوازُ الْإِفْطارِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ.
وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهورِ[61].
الْقَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ جَوازِ الْإِفْطارِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ.
وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[62].
الْمَسْأَلَةُ الْخامِسَةُ: مَنْ أَفْطَرَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ:
مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ دُخولُ اللَّيْلِ؛ فَظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، وَأَنَّ اللَّيْلَ قَدْ دَخَلَ فَأَفْطَرَ؛ فَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كانَ نَهارًا، وَأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ غَرَبَتْ؛ فَعَلَيْهِ الْإِعادَةُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُفْطِرًا، وَعَلَيْهِ الْقَضاءُ دونَ الْكَفَّارَةِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمالِكِيَّةِ، وَالصَّحيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[63].
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجوبِ الْقَضاءِ:
• بِحَديثِ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالقَضَاءِ؟ قَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ»[64].
• وَبِحَديثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَلَفْظُهُ: «أَفْطَرَ النَّاسُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ مُغَيَّمٍ، ثُمَّ نَظَرَ نَاظِرٌ فَإِذَا الشَّمْسُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْخَطْبُ يَسِيرٌ، وَقَدِ اجْتَهَدْنَا، نَقْضِي يَوْمًا»[65].
• وَلِأَنَّ قَضاءَ الْيَوْمِ مِمَّا لَا يَشُقُّ، وَلِأَنَّ الِاشْتِباهَ لَا يُسْقِطُ حُكْمَ الْوَقْتِ[66].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضاءٌ.
وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[67]، وَحُكِيَ عَنْ: دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَعُرْوَةَ وَمُجاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَعَطاء[68].
وَاسْتَدَلُّوا:
• بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»[69].
• وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ، وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ؛ فَرَأَيْنَا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ، وَأَنَّا قَدْ أَمْسَيْنَا، فَأُخْرِجَتْ لَنَا عِسَاسٌ مِنْ لَبَنٍ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ، فَشَرِبَ عُمَرُ وَشَرِبْنَا؛ فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ ذَهَبَ السَّحَابُ وَبَدَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَقُولُ لِبَعْضٍ: نَقْضِي يَوْمَنَا هَذَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ فَقَالَ: وَاللهِ لَا نَقْضِيهِ، وَمَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ»[70].
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: حُكْمُ الْإِفْطارِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ فِي الْغُروبِ:
مَنْ شَكَّ فِي غُروبِ الشَّمْسِ؛ فَلَا َيجوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالِاتِّفاقِ[71].
وَإِنْ أَكَلَ مَعَ وُجودِ الشَّكِّ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْغُروبُ؛ أَوْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَيَجِبُ عَلَيهِ الْقَضَاءُ فِي الْحَالَتِيْنِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ[72].
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: هَلِ الْعِبْرَةُ فِي الْإِفْطارِ بِغُروبِ الشَّمْسِ أَمْ بِسَماعِ الْأَذانِ؟
إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ حَلَّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُفْطِرَ، سَواءٌ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَمْ لَمْ يُؤَذِّنْ، فَالْعِبْرَةُ بِغُروبِ الشَّمْسِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»[73].
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: حُكْمُ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ:
حَقِيقةُ الوِصَالِ الْمَنْهِيِّ عنهُ: "صَوْمُ يَوْمِينِ فَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ فِي الَّليلِ"[74].
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي حُكْمِ الْوِصَالِ عَلَى أَقْوالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوِصالَ يَجُوزُ إِلَى السَّحَرِ.
وَهَذَا قَوْلُ الْإِمامِ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ[75].
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا جاءَ مِنْ حَديثِ أَبِي سَعيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ»[76]؛ فَرَخَّصَ لَهُمْ إِلَى السَّحَرِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ يَجوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ لَا يُفْطِرَ، وَإنَّما يَتَسَحَّرُ وَيُؤَخِّرُ أَكْلَ إِفْطارِهِ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ يَبْدَأُ يَوْمًا جَدِيدًا.
وَهَذَا أَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْوِصالَ جَائِزٌ إِلَى السَّحَرِ فَقَطْ.
وَقالُوا بِأَنَّ الْوِصالَ الَّذِي مِنْ غَيْرِ سُحورٍ هُوَ مِنْ خَصائِصِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّهُ يَقْوَى عَلَيْهِ وَيُعَانُ، فَمَنْ أَرادَ أنْ يُمْسِكَ مِنْ بَعْدِ غُروبِ الشَّمْسِ إِلَى السَّحَرِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْوِصالَ مَكْروهٌ.
وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهو مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمالِكِيَّةِ[77].
وَاسْتَدَلُّوا بِنَهْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصالِ، مِنْهَا:
• حَديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ؛ فقَالَ لهُ رجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُواصِلُ يا رَسولَ اللهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصالِ واصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوا الْهِلالَ، فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوا أَنْ يَنْتَهُوا»[78].
• وَحَديثُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَواصَلْنَا وِصَالًا، يَدَعُ الْمُتَعَمِّقونَ تَعَمُّقَهُمْ»[79].
فَهَذَا ظاهِرٌ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كَرِهَ لَهُمُ الْوِصالَ.
• وَثَبَتَ عَنْهُ كَمَا جاءَ فِي حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ»[80]؛ وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إِضْعافِ الْقُوىْ وَإِنْهاكِ الْأَبْدانِ وَالتَّشْديدِ عَلَى النَّفْسِ.
وَلِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ قَالَ مَنْ قَالَ بِكَراهَةِ الْوِصالِ، وَأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أنَّ الْوِصالَ جائِزٌ.
وَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، مِنْهُمْ:
• ابْنُ الزُّبَيْرِ، حَيْثُ رُوِيَ أَنَّهُ كانَ يُواصِلُ سَبْعَةَ أيَّامٍ، فَيُصْبِحُ يَوْمَ الثِّالِثِ وَهُوَ أَلْيَثُنَا[81]، يَعْنِي: كَأَنَّهُ لَيْثٌ.
• وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: «كَانَ ابْنُ أَبِي أَنْعُمٍ يُوَاصِلُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَتَّى تَعَوَّدَهُ»[82].
• وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ: «كانَ يُواصِلُ سَبْعَةَ أيَّامٍ وَسَبْعَ لَيالٍ، ثُمَّ يَقْبِضُ عَلَى ذِرَاعِ الرَّجُلِ الشَّابِّ؛ فَيَكَادُ يَحْطِمُهَا»[83].
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْوِصَالَ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّ نهْيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقْتَضِي التَّحْريمَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشافعيةِ[84]، وَاخْتَارَهُ جَماعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُم: الْخَطَّابِيُّ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَالشَّوْكَانِيُّ[85].
وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْوِصالَ فِيهِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتابِ، وَفِيهِ تَنَطُّعٌ وَتَكَلُّفٌ، وَقَدْ جاءَ فِي حَديثِ عَمْرِو بْنِ الْعاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ»[86]، فَإِذَا كانَ الصَّائِمُ يُواصِلُ وَلَا يَتَسَحَّرُ؛ فَإِنَّهُ يَكونُ قَدْ شَابَهَ أَهْلَ الْكِتابِ[87].
الْقَوْلُ الْخامِسُ: أَنَّ الْوِصالَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
وَاخْتارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ حجرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي الْفَتْحِ[88].
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي، وَسَاقٍ يَسْقِينِ»[89].
السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكونَ الْإِفْطارُ عَلَى رُطَبٍ، أَوْ تَمْرٍ، وَإِنْ عُدِمَ فَماءٌ:
وَهَذِهِ ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- بِقَوْلِهِ: (عَلَى رُطَبٍ، فَإِنْ عُدِمَ فَتَمْرٌ؛ فَإِنْ عُدِمَ فَماءٌ)؛ أي: وَيُسَنُّ أَنْ يَكونَ فِطْرُهُ عَلَى رُطَبٍ، فَإِنْ لَمْ توجَدِ الرُّطَبُ فَتَمْرٌ، فَإِنْ عُدِمَ فَيُفْطِرُ عَلَى ماءٍ، وَذَلِكَ لِحَديثِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ»[90].
قَالَ الشَّوْكانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَحَديثَا أَنَسٍ وَسُلَيْمانَ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْروعِيَّةِ الْإِفْطارِ بِالتَّمْرِ، فَإِنْ عُدِمَ فَبِالْماءِ، وَلَكِنْ حُديثُ أَنَسٍ فِيهِ دَليلٌ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ مِنَ التَّمْرِ أَوْلَى مِنَ الْيابِسِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ إِنْ وُجِدَ، وَإِنَّمَا شُرِعَ الْإِفْطارُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حُلْوٌ، وَكُلُّ حُلْوٍ يُقَوِّي الْبَصَرَ الَّذِي يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ، وَهَذَا أَحْسَنُ ما قيلَ فِي الْمُناسَبَةِ وَبَيانِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ.
وَقيلَ: لِأَنَّ الْحُلْوَ لَا يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيَرِقُ الْقَلْبَ، وَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ كَوْنَهُ حُلْوًا، وَالْحُلْوُ لَهُ ذَلِكَ التَّأْثِيرُ فَيُلْحَقُ بِهِ الْحَلَوِيَّاتُ كُلُّهَا، أَمَّا مَا كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ حَلَاوَةً فَبِفَحْوَى الْخِطَابِ، وَمَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فَبِلَحْنِهِ"[91].
السُّنَّةُ الخَامِسَةُ: أَنْ يَقولَ الذِّكْرَ الْوارِدَ عِنْدَ الْإِفْطارِ:
وَهَذِهِ ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- بِقَوْلِهِ: (وَقَوْلُ: ما وَرَدَ).
• وَمِمَّا وَرَدَ: حَديثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنَا، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْنَا؛ فَتَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»[92]، وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هارونَ بِنْ عَنْتَرَةَ، وَهُوَ ضَعيفٌ جِدًّا[93].
• وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: حَديثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»[94].
• وَحَديثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةً لَا تُرَدُّ»[95].
[1] أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151).
[2] انظر: شرح زروق على متن الرسالة (1/ 465)، والمجموع، للنووي (6/ 356)، والإنصاف، للمرداوي (7/ 486).
[3] انظر: مواهب الجليل (2/ 397)، والمجموع، للنووي (6/ 356)، والإنصاف، للمرداوي (7/ 487).
[4] انظر: الأذكار (ص: 189)، ومنهاج السنة النبوية (5/ 197)، وزاد المعاد (2/ 50).
[5] انظر: بحر المذهب، للروياني (3/ 294)، والإنصاف، للمرداوي (7/ 487).
[6] انظر: المبدع في شرح المقنع (3/ 40).
[7] انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 187).
[8] عمدة القاري (10/ 300).
[9] انظر: الإجماع، لابن المنذر (ص: 49)، والمغني، لابن قدامة (3/ 173)، وشرح مسلم، للنووي (7/ 206).
[10] أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095).
[11] الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/ 187).
[12] أخرجه أحمد (11396)، وضعفه ابن مفلح في الفروع (5/ 35).
[13] أخرجه أبو داود (2345)، وصححه ابن حبان (3475).
[14] أخرجه مسلم (1096).
[15] شرح العمدة (1/ 521).
[16] انظر: مختصر القدوري (ص: 212)، وشرح الزرقاني على مختصر خليل (2/ 350)، والمجموع، للنووي (6/ 360)، وشرح منتهى الإرادات (3/ 462).
[17] انظر: تبيين الحقائق (1/ 343)، ومغني المحتاج، للشربيني (2/ 166).
[18] انظر: بداية المجتهد (2/ 69)، واختلاف الأئمة العلماء (1/ 232)، والمجموع، للنووي (6/ 360).
[19] الاستذكار (3/ 345).
[20] فتح الباري، لابن حجر (4/ 138).
[21] انظر: مختصر القدوري (ص: 62)، والتنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات (1/ 381)، والمجموع، للنووي (6/ 304)، والمبدع في شرح المقنع (3/ 41).
[22] أخرجه أحمد (20158)، والترمذي (706)، وحسنه.
[23] أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095).
[24] انظر: الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 118).
[25] انظر: أحكام القرآن، للجصاص (1/ 286)، وأحكام القرآن، لابن العربي (4/ 385)، والمجموع، للنووي (3/ 43)، والمغني، لابن قدامة (3/ 105).
[26] قال ابن عطية ~ في تفسيره (1/ 258): "وبه أخذ الناس، ومضت عليه الأمصار والأعصار، ووردت به الأحاديث الصحاح ..."، وقال القرطبي ~ في تفسيره (2/ 318): "وبهذا جاءت الأخبار، ومضت عليه الأمصار"، أي: على العمل به.
[27] تقدم تخريجه قبل قليل.
[28] أخرجه مسلم (1093).
[29] انظر: حاشية ابن عابدين (2/ 377)، والمجموع للنووي (6/ 298)، والمبدع في شرح المقنع (3/ 18).
[30] الفتاوى الكبرى (5/ 375).
[31] انظر: المجموع، للنووي (6/ 298).
[32] أخرجه البيهقي في الكبرى (8038).
[33] أخرجه البيهقي في الكبرى (8039).
[34] المجموع، للنووي (6/ 306)، بتصرف يسير.
[35] انظر: مراقي الفلاح (ص: 253)، والمجموع، للنووي (6/ 306)، والفروع، لابن مفلح (4/ 407).
[36] انظر: حاشية العدوي (1/ 444).
[37] انظر: حاشية العدوي (1/ 444).
[38] التمهيد (21/ 97).
[39] المجموع، للنووي (6/ 304).
[40] المبدع في شرح المقنع (3/ 40).
[41] إحكام الأحكام (2/ 26).
[42] أخرجه البخاري (1957)، ومسلم (1098).
[43] أخرجه مسلم (1099).
[44] أخرجه أحمد (7241)، والترمذي (700)، وصححه ابن حبان (3507)، وحسنه النووي في المجموع (6/ 361).
[45] أخرجه عبد الرزاق (7591)، وصحح إسناده النووي في المجموع (6/ 362)، وابن حجر في الفتح (4/ 199).
[46] شرح البخاري، لابن بطال (4/ 104).
[47] الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 200).
[48] العدة، لابن العطار (2/ 883).
[49] المفهم، للقرطبي (3/ 157).
[50] الميسر، للتوربشتي (2/ 463).
[51] فتح الباري (4/ 199).
[52] المجموع، للنووي (3/ 29).
[53] المجموع، للنووي (3/ 29).
[54] الفواكه الدواني (1/ 168).
[55] إحكام الأحكام (1/ 166).
[56] مواهب الجليل (1/ 392).
[57] أخرجه البخاري (1954)، ومسلم (1100).
[58] المعلم بفوائد مسلم (2/ 48).
[59] شرح مسلم (7/ 209).
[60] المجموع (6/ 303).
[61] انظر: حاشية ابن عابدين (2/ 405)، والفواكه الدواني (1/ 305)، والمجموع، للنووي (6/ 306)، والإنصاف، للمرداوي (7/ 491).
[62] انظر: المجموع، للنووي (6/ 306)، والإنصاف، للمرداوي (7/ 491).
[63] انظر: بداية المبتدي (ص: 41)، والتهذيب في اختصار المدونة (1/ 350)، والمجموع، للنووي (6/ 306).
[64] تقدم تخريجه.
[65] أخرجه عبد الرزاق (7392)، والبيهقي في الكبرى (8012).
[66] انظر: الحاوي الكبير (3/ 416).
[67] انظر: المجموع، للنووي (6/ 306).
[68] انظر: الحاوي الكبير (3/ 416)، والمغني، لابن قدامة (3/ 147).
[69] أخرجه ابن ماجه (2045)، وصححه ابن حبان (7219)، والحاكم (2801).
[70] أخرجه البيهقي في الكبرى (8016)، وصحح إسناده ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 413).
[71] انظر: المقدمات الممهدات (1/ 249).
[72] انظر: تبيين الحقائق (1/ 342)، ومناهج التحصيل (2/ 60)، والمقدمات الممهدات (1/ 249)، وبحر المذهب، للروياني (3/ 253)، والمغني، لابن قدامة (3/ 148).
[73] تقدم تخريجه.
([74]) المجموع (6/ 357).
[75] انظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق (3/ 1211).
[76] أخرجه البخاري (1963).
[77] انظر: تحفة الفقهاء (1/ 344)، والقوانين الفقهية (1/ 78)، والمجموع، للنووي (6/ 356، 357)، والمغني، لابن قدامة (3/ 175).
[78] أخرجه البخاري (1965)، ومسلم (1103).
[79] أخرجه البخاري (7241)، ومسلم (1104) واللفظ له.
[80] أخرجه البخاري (1966) واللفظ له، ومسلم (1103).
[81] أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 335)، والبيهقي في الشعب (3613)، وصححه الحاكم (6334).
[82] أخرجه ابن أبي شيبة (9598).
[83] أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 79).
[84] انظر: المجموع، للنووي (6/ 357).
[85] انظر: معالم السنن (2/ 107)، والمحلى (4/ 443)، والدراري المضية (2/ 173).
[86] أخرجه مسلم (1096).
[87] انظر: القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 478).
[88] فتح الباري (4/ 203).
[89] تقدَّمَ تخريجه.
[90] أخرجه أحمد (12676)، وأبو داود (2356)، والترمذي (696)، وقال: "حسن غريب"، وصححه الدارقطني (2278)، والحاكم (1576).
[91] نيل الأوطار (4/ 262).
[92] أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (480)، والدارقطني في السنن (2280).
[93] انظر: الضعفاء الصغير، للبخاري (ص: 87)، والضعفاء، للنسائي (ص: 70)، والمجروحين، لابن حبان (2/ 133)، والكامل، لابن عدي (6/ 529)، وتاريخ أسماء الضعفاء (ص: 133).
[94] أخرجه أبو داود (2357)، والنسائي في الكبرى (3315)، وحسن إسناده الدارقطني في السنن (2279)، وصححه الحاكم (1536).
[95] أخرجه ابن شاهين في الترغيب والترهيب (141)، وابن عساكر في معجمه (365)، بلفظه، وأخرجه ابن ماجه (1753)، بلفظ: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ».