سير معركة بدر والتهيؤ للقتال
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
سير معركة بدر، والتهيؤ للقتالأصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، وهو يوم بدر الأغر اليوم الذي دارت فيه رحى الحرب بين حزب الله وحزب الشيطان، فحين أصبح النبي -صلى الله عليه وسلم-، وطلع الفجر، نادى في أصحابه: «الصلاة عباد الله»، فصلى بهم صلاة الصبح، ثم حرضهم على القتال، وصف أصحابه صفوفاً، وألقى إليهم التوجيهات التي يلقيها القائد عادة إلى الجيش قبل اللقاء، بعد ذلك انصرف -صلى الله عليه وسلم- إلى مقر القيادة، وهو العريش الذي بني له، والذي يعتبر بمثابة غرفة العمليات اليوم، ينتظر إقبال جيش العدو، تاركاً له فرصة التفكير في مصير هذا اللقاء، أو البدء بالقتال والبغي والاعتداء، حيث علم -صلى الله عليه وسلم- أن البادئ بالظلم مغلوب، وأن الباغي مهزوم، وأن المظلوم معان، ومنصور[1].
وإلى تفصيل ما أجمل وبالله نستعين.
المشركون يبعثون زمعة بن الأسود ليرتاد لهم مكاناً:
ولما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشاً تصوب من الوادي، وكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له، يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إنك أنزلت عليّ الكتاب، وأمرتني بالقتال ووعدتني إحدى الطائفتين، وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش...» الحديث[2].
قريش ترتحل إلى الوادي، ويبعثون من يحزر المسلمين، فيستقبلها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالدعاء:
وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت، فلما رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- تصوب من العقنقل - وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي – قال: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها[3]، وفخرها تحادك، وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم[4] الغداة»، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (وقد) رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر - فقال: «إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا»[5].
وقد كان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري، أو أبوه إيماء ابن رحضة الغفاري، بعث إلى قريش، حين مروا به ابنًا له بجزائره[6] أهداها لهم، وقال: إن أحببتم أن نمدكم بمال وبسلاح ورجال فعلنا، قال: فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم، قد قضيت الذي عليك، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس، فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل الله - كما يزعم محمد - فما لأحد بالله من طاقة[7].
قال ابن إسحاق: ولما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي، فقالوا: احزر لنا القوم من أصحاب محمد، قال: فاستجال حول العسكر، ثم رجع إليهم، فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد.
قال: فضرب في الوادي حتى أبعد، فلم ير شيئاً، فرجع إليهم فقال: ما وجدت شيئاً، ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا[8] تحمل المنايا، نواضح[9] يثرب تحمل الموت الناقع[10]، قوم ليس معهم منعة، ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك؟ فروا رأيكم[11].
وفي المقالة القابلة إن شاء الله تعالى نعيش مع الجيش المكي في عرصة القتال، ووقوع الانشقاق فيه..
فإلى لقاء.
[1] قال أحد الصالحين لابنه يوصيه: «لا تدعو أحداً للبراز، فإن الداعي باغ، والباغي مهزوم، وإذا دُعيت فأجب».
وهذا ما تحقق في هذه الغزوة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لهم البدء بالاعتداء، والبغي، فنادى شجعانهم للبراز، فأخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فقتلوهم، ودارت عليهم المعركة، وقد قيل في المثل: (وعلى الباغي تدور الدوائر).
[2] المغازي للواقدي (1/59)، وسيأتي ذكره ص217.
[3] الخيلاء: الكبر والإعجاب.
[4] أحنهم: أي أهلكهم.
شرح السيرة النبوية ص156.
[5] سيرة ابن هشام (2 /211)، وقد رواه ابن إسحاق بدون إسناد، والجزء الأخير من الحديث من قوله «إن يكن» له شاهد في مسند الإمام أحمد، وسيأتي ذكره ص206.
[6] الجزائر: قال في المعجم الوسيط: الجزور: ما يصلح لأن يذبح من الإبل، (ولفظه أنثى)، يقال للبعير هذه جزوير سمينة (ج) جزائر وجزر (1 /120).
[7] السيرة النبوية (2 /212)، وساقه ابن إسحاق بدون سند، وذكره الواقدي في المغازي (1 /60)، وسنده مرسل.
[8] البلايا: وهو جمع بلية، وهي الناقة أو الدابة تربط على قبر الميت فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت، وكان بعض العرب ممن يقر بالبعث يقول إن صاحبها يحشر عليها، النهاية في غريب الحديث (1 /156).
[9] النواضح: الإبل التي يسقى عليها الماء، مختار الصحاح ص277.
[10] الناقع: الدائم، المعجم الوسيط (2 /948).
[11] سيرة ابن هشام (2 /212)، وقد رواه ابن إسحاق عن أبيه، وهو إسحاق بن يسار المدني، ثقة من الثالثة كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب ص103 عن أشياخ من الأنصار، وهم مجهولون.