أرشيف المقالات

لنتعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
لنتعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم
 
الحمد لله الذي هدانا للدين القيم، وبعث لنا خير مُعلم، وأنزل علينا أفضل كتبه، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم خير من أقلَّت الأرض، وأشرف من أظلت السماء، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:

فمن نعم الله على المسلمين أن أرسل لهم محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي اصطفاه وأيَّده بالوحي، فجاءت أقواله وأعماله هادية للبشرية كلِّها، ومن ذلك:
1- الإعرابي الذي بال في المسجد:
عنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "دَعُوهُ وَلاَ تُزْرِمُوهُ" قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: « إِنَّ هذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الله - عزّ وجل -، وَالصَّلاَةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»؛ رواه مسلم: 285.
 
2- الطفل الذي بال في حجره عليه الصلاة والسلام:
فعَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، أَنَّهَا "أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ؛ رواه مسلم: ص134.
 
3- التحدث في الصلاة:
فعن معاوية بن الحكم السُّلَمي قال: "بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكْلَ أُمِّيَّاهْ، ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجلعوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكتُّ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: « إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن »؛ (رواه مسلم: 537).
 
فمن هذه المواقف سنستنبط بعض الأساليب التربوية التي تعامل بها الرسول صلى الله عليه وسلم مع المخطئين:
1- أسلوب الرفق:
إن الأصل في التعامل النبوي مع المخطئ هو الرفق، فأسلوب الرفق هو الأسلوب الذي عامل الرسول صلى الله عليه وسلم جميع المخطئين به، فالرجل الذي بال في المسجد لم يعاقبه، والطفل الذي بال لم يزجره، وكلام معاوية في الصلاة لم يغضبه، فهذا يدل على رفقه بالمخطئ.
 
فجميع المربين يحتاجون إلى أسلوب الرفق فلا غنى لهم عن هذا الأسلوب خاصة عندما يصدر الخطأ عن جهل، فالرفق هو الحل الأمثل لجميع المشكلات بخلاف ما يظنه كثير من المربين أن القسوة هي الحل؛ وذلك لأن الرفق يشعر المتربي بالأمان، فبالتالي يستطيع المربي معالجة الخطأ دون صعوبة.
 
وهذا الأسلوب يمكن تطبيقه من قبل الوالدين والمعلمين، فعلى الوالدين أن يرفقوا بأبنائهم أثناء تعليمهم، ومن الأمور التي يتم فيها تعليم الأبناء في فترة مبكرة تعليم الطفل استخدام دورة المياه، فالطفل غالبًا أثناء فترة التعليم يبلل ملابسه بالبول، فيجب على الوالدين الرفق به، وذلك بعدم إظهار الغضب سواء بالضرب أو التعنيف أو العقاب.
 
وأما المعلم فهو القدوة الذي يقتدي به الطلبة فعليه أن يطبق أسلوب الرفق عندما يتأخر الطالب عن الحصة فلا يغضب بل يسأله عن سبب التأخر، بعد ذلك يستخدم الإجراءات المناسبة، وأيضًا في أثناء الدرس إذا أخطأ الطالب في الإجابة عليه أن يرفق به ولا يغضب بل يصحح له الإجابة، فهذا الأسلوب يساعد في بقاء المعلومة الصحيحة في ذهن الطالب.
 
2- أسلوب التوجيه والإرشاد:
لقد ظهر التوجيه والإرشاد من الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة مباشرة وبطريقة غير مباشرة، فمن التوجيهات المباشرة عندما قال للإعرابي أن هذا المسجد لا يصلح للبول إنما للصلاة والذكر، وأيضًا وجه الصحابة رضي الله عنهم بأن لا يزجروه، وكذلك من توجيهاته المباشرة عندما قال لمعاوية إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي للتسبيح والتكبير وقراءة القرآن.
 
وأما التوجيهات الغير مباشرة فقد ظهرت عندما أمر بالدلو فصبه على موضع بول الرجل، وأمر بماء فنضحه على بول الصغير، فهذه توجيهات غير مباشرة في كيفية التعامل مع بول الكبير وبول الصغير.
 
ومن حق الإنسان إذا أخطأ أن يتعامل معه الآخرين بهذا الأسلوب، كما قال نوري: " حق الفرد على الجماعة أن تضبط سلوكه، وأن ترشده إلى الطريق القويم، ليكون عضوا سليما فاعلا فيه"، لذلك يجب على المربين تعلم أساليب التوجيه والإرشاد المباشرة والغير مباشرة حتى تنجح عملية التوجيه والإرشاد، فالأبناء والطلاب يحتاجون دائما إلى من يوجههم ويرشدهم.
 
وأسلوب التوجيه والإرشاد يمكن تطبيقه من قبل الوالدين والمعلمين، فمثلا: عندما يريد الابن أن يتزوج فالوالدان يرشدونه إلى اختيار الزوجة، وكذلك يرشدونه إلى كيفية تعامله مع زوجته وتعامله مع أبنائه، وأيضًا عندما يملك الابن المال إما بهدية أو دراسة أو وظيفة أو غير ذلك من الأسباب، فيرشدونه في كيفية تقسيم هذا المال، فبذلك يستطيع الأبناء أن يديروا حياتهم وأموالهم بطريقة صحيحة في مستقبلهم، وعلى الوالدين أن يعلموا أن من حقوق الأبناء توجيههم، سواء كان الأبناء صغارًا أو كبارًا، وهم أحق من يرشد أبناءهم.
 
وأما المعلمين فغالبًا لا يقتصرون على الجوانب المعرفية بل عليهم أن يمارسوا التوجيه والإرشاد مع الطلبة فمثلًا: عندما يكون الدرس عن أجزاء القلب يوجه الطلبة في كيفية الحفاظ على نظافة هذا القلب بالاستغفار، وأيضًا عليه أن يوجه الطلبة عندما يسمع عبارات سيئة أثناء مناداة بعضهم البعض، فيقوم المعلم بمناداة من تلفظ بالعبارات السيئة يا جميل، يا رائع...
الخ، حتى يعتادوا على سماع الكلام الطيب، فهذا الأسلوب يجعل الطلبة يعدلون ألفاظهم دون أن يشعروا.
 
3- أسلوب التعليم العملي:
ظهر هذا الأسلوب عندما أمر رسول صلى الله عليه وسلم بسكب الماء على موضع البول، وأيضًا عندما نضح بالماء على بول الصغير.
 
فهذا الأسلوب مهم جدًّا في تصويب الأخطاء، ويعتبر من الأساليب الملائمة في تعليم المهارات الحركية خاصة للأطفال، فهو يساعد المعلم في العملية التعليمية، وأيضًا يعفي الوالدين من عبارات اللوم والتأنيب لأطفالهم، ويعفيهم من اللغة اللفظية التي قلما توصل المراد بصورة واضحة للطفل، ويمكن تطبيق هذا الأسلوب من قبل الوالدين والمعلمين، فالأبناء يحتاجون إلى أساليب التربية العملية الخالية من الكلام، فمثلا: عندما يضع الوالدان هاتفهم أثناء حديثهم مع والديهم تجد الأبناء يقومون بالفعل نفسه عندما يتحدثون مع الوالدين، فبالتالي لن يحتاج الوالدان إلى الكلام في إقناع أبنائهم لكي يتركوا هواتفهم عندما يتحدثون معهما أو مع غيرهما من الناس.
 
وأما المعلمون فهذا الأسلوب يساعدهم في العملية التعليمية خاصة معلمي مادة التجويد، فإذا أراد المعلم أن يوصل الطلبة لأعلى درجات الدقة والإتقان في قراءتهم للقرآن الكريم يجب عليه أن يستخدم أسلوب التعليم العملي وذلك عن طريق تطبيق أحكام التجويد أثناء قراءتهم، وأيضًا عن طريق جعل كل طالب يقرأ على انفراد ومن ثم يقوم بتعديل الأخطاء مباشرة، فهذه الطريقة من أفضل طرق التعليم.
 
وفي الختام أسأل الله عزوجل أن يعين المربين على تطبيق الأساليب التربوية الناجحة، وأن يحفظ هذه الأمة، ويوفقها، ويعلي كلمتها، وأن يتقبل مني هذا العمل ويجعله صالحًا وخالصًا له، وما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وصلى الله على خير خلقه وأفضل رسوله سيدنا وحبيبنا محمد عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
 

 
المراجع:
1- النيسابوري، مسلم (1421).
صحيح مسلم.
ط2.
الرياض: السعودية.
دار السلام.
2- نوري، ناصر الدين (2013).
التوجيه والإرشاد التربوي المعاصر.
الأكاديميون لنشر والتوزيع، ص12.
3- الدويش، محمد (1437).
التربية النبوية.
الرياض: السعودية.
دار عالم الكتاب، ص544.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢