لطائف من زاد المعاد في هدي خير العباد (2)
مدة
قراءة المادة :
15 دقائق
.
لطائف من زاد المعاد في هدي خير العباد (2)فصل فيمن هو أهْلٌ لأخْذِ الزكاة:
كان إذا عَلِم من الرجل أنه من أهل الزكاة أعطاه، وإن سأله أحَدٌ من الزكاة ولم يعرف حاله أعطاه، بَعْدَ أن يُخبِره أنه لا حَظَّ فيها لغَنِيٍّ ولا لقَوِيٍّ مكتسب.
فصل في نهي المتصدِّق أن يشتري صدقته:
كان ينهى المتصدِّقَ أن يشتري صدقتَه، وكان يُبِيح للغنيِّ أن يأكل من الصدقة إذا أهداها إليه الفقير، وأكل صلى الله عليه وسلم من لحمٍ تُصدِّقَ به على بَرِيرة، وقال: «هو عليها صدقةٌ، ولنا منها هديَّة».
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوُّع:
كان يتنوَّع في أصناف عطائه وصدقته، فتارةً بالهبة، وتارةً بالصدقة، وتارةً بالهدية، وتارةً يَشتري الشيء، ثمَّ يُعطي البائع الثمنَ والسِّلْعةَ جميعًا، كما فعل بجابر، وتارةً كان يقترض الشيءَ فيردُّ أكثرَ منه وأفضلَ، ويشتري الشيءَ فيعطي أكثر من ثمنه، ويقبل الهديةَ، ويكافئ عليها بأكثَر منها أو بأضعافها، تلطُّفًا وتنوُّعًا في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع:
كان يصوم حتَّى يُقال: لا يُفطِر، ويُفطِر حتَّى يُقال: لا يصوم، وما استكمل صيام شهرٍ غير رمضان، وما كان يصوم في شهرٍ أكثرَ ممَّا يصوم في شعبان،ولم يكن يخرج عنه شهرٌ حتَّى يصوم منه.
ولم يصم الثَّلاثة الأشهر سردًا كما يفعله بعض النَّاس، ولا صام رجبًا قطُّ، ولا استحبَّ صيامه، بل روي عنه النَّهي عن صيامه؛ ذكره ابن ماجه.
وكان يتحرَّى صيام يوم الاثنين والخميس، وقال ابن عبَّاسٍ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُفطِر أيَّام البيض في حَضَرٍ ولا سفرٍ، ذكره النَّسائيُّ، وكان يحضُّ على صيامها.
وقال ابن مسعودٍ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غُرَّة كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ ذكره أبو داود والنَّسائي.
وقالت عائشة: لم يكن يُبالي من أيِّ الشَّهر يصومها؛ ذكره مسلم.
ولا تناقضَ بين هذه الآثار.
وكان صلى الله عليه وسلم يدخل على أهله فيقول: «هل عندكم شيءٌ؟»، فإن قالوا: لا، قال: «إنِّي إذًا صائمٌ»، فينشئ النيَّة للتَّطوُّع من النَّهار، وكان أحيانًا ينوي صوم التَّطوُّع ثمَّ يفطر بعدُ، أخبرت عائشة عنه بهذا وهذا، فالأوَّل في «صحيح مسلم»، والثَّاني في «كتاب النَّسائي».
وكان صلى الله عليه وسلم إذا كان صائمًا ونزل على قومٍ أتمَّ صيامه ولم يفطر، كما دخل على أم سُليم، فأتتْه بتمرٍ وسَمْنٍ، فقال: «أعيدوا سَمْنَكم في سِقائه، وتمرَكم في وعائه، فإنِّي صائمٌ»، ولكنَّ أُمَّ سليم كانت عنده بمنزلة أهل بيته، وقد ثبت عنه في «الصَّحيح»: «إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ وهو صائمٌ فليقل: إنِّي صائمٌ».
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف:
شُرِع الاعتكاف في أفضل أيَّام الصَّوم، وهو العشر الأخير من رمضان، ولم ينقل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه اعتكف مفطرًا قطُّ، بل قد قالت عائشة: «لا اعتكافَ إلا بصومٍ»، ولم يذكر الله سبحانه الاعتكاف إلا مع الصَّوم، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع الصَّوم، فالقول الرَّاجح في الدَّليل الذي عليه جمهور السَّلف: أنَّ الصَّوم شرطٌ في الاعتكاف، وهو الذي كان يرجِّحه شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحَه.
كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفَّاه الله عزَّ وجلَّ، وتركه مرَّةً، فقضاه في شوَّالٍ.
واعتكف مرَّةً العشرَ الأوَّل ثمَّ الأوسط ثمَّ العشر الأخير، يلتمس ليلة القدر، ثمَّ تبيَّن له أنَّها في العشر الأخير، فداومَ على اعتكافه حتَّى لحق بربِّه عزَّ وجلَّ.
وكان يأمر بخِبَاءٍ فيُضرَب له في المسجد، يخلو فيه بربِّه عزَّ وجلَّ.
وكان إذا أراد الاعتكاف صلَّى الفجر ثمَّ دخله، فأمر به مرَّةً فضُرِب له، فأمر أزواجه بأخبيتهنَّ فضُرِبت، فلمَّا صلَّى الفجر نظر فرأى تلك الأخبية، فأمر بخبائه فقُوِّض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتَّى اعتكف في العشر الأوَّل من شوَّال.
وكان يعتكف كلَّ سنةٍ عشرة أيَّامٍ، فلمَّا كان العام الذي قُبِض فيه اعتكف عشرين يومًا، وكان يعارضه جبريل بالقرآن كلَّ سنةٍ مرَّةً، فلمَّا كان ذلك العام عارضه به مرَّتين، وكان يعرض عليه القرآن أيضًا في كلِّ سنةٍ مرَّةً فعرض عليه تلك السَّنة مرَّتين.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حجه وعمره:
في «الصَّحيحين» عن أنس بن مالكٍ قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عُمَرٍ، كلُّهنَّ في ذي القعدة، إلا الَّتي مع حجَّته: عمرةٌ من الحديبية أو زمنَ الحديبية في ذي القعدة، وعمرةٌ من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرةٌ من الجِعرانة حيث قَسَم غنائم حنينٍ في ذي القعدة، وعمرةٌ مع حجَّته.
ولم يكن في عُمَره عمرةٌ واحدةٌ خارجًا من مكَّة كما يفعله كثيرٌ من النَّاس اليوم، وإنَّما كانت عُمَره كلُّها داخلًا إلى مكَّة، وقد أقام بعد الوحي بمكَّة ثلاث عشرة سنةً لم يُنقَل عنه أنَّه اعتمر خارجًا من مكَّة في تلك المدَّة أصلًا، فالعمرة الَّتي فعلَها وشَرعَها هي عمرة الدَّاخل إلى مكَّة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحلِّ ليعتمر.
والمقصود أنَّ عُمَره كلَّها كانت في أشهر الحجِّ مخالفةً لهدي المشركين، فإنَّهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحجِّ ويقولون: هي من أفجر الفجور، وهذا دليلٌ على أنَّ الاعتمار في أشهر الحجِّ أفضل منه في رجبٍ بلا شكٍّ.
وأمَّا التفضيل بينه وبين الاعتمار في رمضان فموضع نظرٍ، فقد صحَّ عنه أنَّه أمر أمَّ مَعْقِلٍ لمَّا فاتها الحجُّ معه أن تعتمر في رمضان، وأخبرها أنَّ عمرةً في رمضان تعدل حجَّةً.
وأيضًا فقد اجتمع في عمرة رمضان أفضلُ الزَّمان وأفضلُ البقاع، ولكن لم يكن الله ليختار لنبيِّه في عُمَره إلا أوْلى الأوقات وأحقَّها بها، فكانت العمرة في أشهر الحجِّ نظيرَ وقوع الحجِّ في أشهره، وهذه الأشهر قد خصَّها الله بهذه العبادة، وجعلها وقتًا لها، والعمرة حجٌّ أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهر الحجِّ، وذو القعدة أوسطها، وهذا ممَّا يُستخار الله فيه، فمن كان عنده فضلُ علمٍ فليرشد إليه.
وقد يقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في رمضان من العبادات بما هو أهمُّ من العمرة، ولم يكن يمكنه الجمعُ بين تلك العبادات وبين العمرة، فأخَّر العمرة إلى أشهر الحجِّ، ووفَّر نفسَه على تلك العبادات في رمضان، مع ما في ترك ذلك من الرَّحمة بأمَّته والرَّأفة بهم، فإنَّه لو اعتمر في رمضان لبادرت الأمَّة إلى ذلك، وكان يشقُّ عليها الجمع بين العمرة والصَّوم، وربَّما لا تسمح أكثر النُّفوس بالفطر في هذه العبادة حرصًا على تحصيل العمرة وصوم رمضان، فتحصل المشقَّة، فأخَّرها إلى أشهر الحجِّ، وقد كان يترك كثيرًا من العمل وهو يحبُّ أن يعمله خشيةَ المشقَّة عليهم.
ولم يُحفَظ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه اعتمر في السَّنة إلا مرَّةً واحدةً، ولم يعتمر في سنةٍ مرَّتين، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة» دليلٌ على التَّفريق بين الحجِّ والعمرة في التَّكرار، وتنبيهٌ على ذلك؛ إذ لو كانت العمرة كالحجِّ لا تُفعل في السَّنة إلا مرَّةً لسوَّى بينهما ولم يفرِّق.
ولا خلاف أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يحجَّ بعد هجرته إلى المدينة سوى حجَّةٍ واحدةٍ وهي حجَّة الوداع، ولا خلافَ أنَّها كانت سنة عشرٍ.
ولمَّا عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجِّ أعلمَ النَّاسَ أنَّه حاجٌّ، فتجهَّزوا للخروج معه، وسمع بذلك مَن حول المدينة، فقدموا يريدون الحجَّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووافاه في الطَّريق خلائقُ لا يُحصَون، فكانوا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله مدَّ البصر، وخرج من المدينة نهارًا بعد الظُّهر لستٍّ بقين من ذي القعدة بعد أن صلَّى الظُّهر بها أربعًا، وخطبَهم قبل ذلك خطبةً علَّمهم فيها الإحرامَ وواجباتِه وسننَه.
في هديه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى:
ثبت عنه أنَّه قال: «إنَّ أخنعَ اسمٍ عند الله رجلٌ تسمَّى مَلِكَ الأملاك، لا مَلِكَ إلا اللَّه».
وثبت عنه أنَّه قال: «أحبُّ الأسماء إلى الله عبداللَّه وعبدالرَّحمن، وأصدقها حارثٌ وهمَّامٌ، وأقبحها حربٌ ومرَّة».
وثبت عنه أنَّه قال: «لا تُسمِّينَّ غلامك يسارًا ولا رباحًا ولا نجيحًا ولا أفلح؛ فإنَّك تقول: أَثَمَّ هو؟ فلا يكون، فيقول: لا»[1].
وثبت عنه أنَّه غيَّر اسم عاصية، وقال: «أنتِ جميلةٌ»، وكان اسم جُويرية بَرَّة، فغيَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم جويرية.
وقالت زينب بنت أم سلمة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمَّى بهذا الاسم، وقال: «لا تُزكُّوا أنفسَكم، الله أعلمُ بأهل البرِّ منكم».
فصل في النهي عن تسمية العنب كرمًا:
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب كَرْمًا، وقال: «الكَرْم قلبُ المؤمن»، وهذا لأنَّ هذه اللَّفظة تدلُّ على كثرة الخير والمنافع في المسمَّى بها، وقلب المؤمن هو المستحقُّ لذلك دون شجرة العنب، ولكن: هل المراد النَّهي عن تخصيص شجر العنب بهذا الاسم، وأنَّ قلب المؤمن أوْلَى به منه، فلا يُمنَع من تسميته بالكرم، كما قال في المسكين والرَّقوب[2] والمفلس، أو المراد أنَّ تسميته بهذا مع اتِّخاذ الخمر المحرَّم منه وصفٌ بالكرم والخير والمنافع لأصل هذا الشَّراب الخبيث المحرَّم، وذلك ذريعةٌ إلى مدْحِ ما حرَّم الله وتهييجِ النُّفوس عليه! هذا محتملٌ، والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم، والأولى ألا يُسمَّى شجر العنب كَرْمًا.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ:
كان يتخيَّر في خطابه، ويختار لأُمَّته أحسنَ الألفاظ وأجملَها وألطفَها، وأبعدَها من ألفاظ أهل الجفاء والغِلْظة والفُحْش، فلم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا ولا فظًّا.
وكان يكره أن يستعمل اللَّفظ الشَّريف المَصُون في حقِّ من ليس كذلك، وأن يستعمل اللَّفظ المَهِين المكروه في حقِّ من ليس من أهله.
ومن ذلك قوله: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلانٌ، ولكن قولوا: ما شاء الله ثمَّ شاء فلانٌ».
ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن سبِّ الدَّهر، وقال: «إنَّ الله هو الدَّهر»، وفي حديثٍ آخر: «يقول الله عزَّ وجلَّ: يُؤذِيني ابنُ آدم فيسبُّ الدَّهرَ، وأنا الدَّهر، بيدي الأمرُ، أُقلِّب اللَّيلَ والنَّهار»، وفي حديثٍ آخر: «لا يقولنَّ أحدكم: يا خيبةَ الدَّهر».
ونهيُهُ صلى الله عليه وسلم أن يقول الرَّجل: «خَبُثَتْ نفسي»، ولكن يقول: «لَقِسَتْ نفسي»، ومعناهما واحدٌ؛ أي: غَثَتْ وساء خُلُقها، فكره لهم لفظ الخبث؛ لما فيه من القبح والشَّناعة، وأرشدهم إلى استعمال الحسن، وهجران القبيح، وإبدال اللَّفظ المكروه بأحسنَ منه.
ونهيهُ صلى الله عليه وسلم عن قول القائل بعد فوات الأمر: «لَو أنِّي فعلتُ كذا وكذا»، وقال: «إنَّها تفتح عملَ الشَّيطان»، وأرشده إلى ما هو أنفعُ له من هذه الكلمة، وهو أن يقول: «قَدَّر الله وما شاء فعل».
فصل في السلام على الصبيان والنساء:
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه مرَّ بصبيانٍ فسلَّم عليهم، ذكره مسلم.
وفي «صحيح البخاريِّ»: أنَّ الصَّحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرُّون على عجوزٍ في طريقهم فيسلِّمون عليها، فتُقدِّم لهم طعامًا من أصول السِّلْق والشَّعير.
وهذا هو الصَّواب في مسألة السَّلام على النِّساء، يُسلَّم على العجوز وذواتِ المحارم دونَ غيرهنَّ.
فصل في تسليم الصغير على الكبير والماشي على القاعد:
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في «صحيح البخاريِّ» وغيره تسليمُ الصَّغير على الكبير، والمارِّ على القاعد، والرَّاكبِ على الماشي، والقليلِ على الكثير.
وكان من هديه السَّلامُ عند المجيء إلى القوم، والسَّلام عند الانصراف عنهم، وثبت عنه أنَّه قال: «إذا قعدَ أحدُكم فلْيُسلِّم، وإذا قام فليسلِّم، فليست الأولى بأحقَّ من الآخرة».
وذكر أبو داود عنه: «إذا لقي أحدُكم صاحبَه فلْيُسَلِّم عليه، فإن حال بينهما شجرةٌ أو جِدارٌ ثمَّ لقيه فليسلِّم عليه أيضًا».
وقال أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشَون، فإذا لَقِيَتْهم شجرةٌ أو أَكَمةٌ تفرَّقوا يمينًا وشمالًا، وإذا التقَوا من ورائها سلَّم بعضُهم على بعضٍ.
ويُسَنُّ لداخل المسجد إذا كان فيه جماعةٌ ثلاث تحيَّاتٍ مترتِّبةٍ: أحدها أن يقول عند دخوله: «بسم الله والصَّلاة على رسول اللَّه»، ثمَّ يصلِّي ركعتين تحيَّة المسجد، ثمَّ يسلِّم على القوم.
فصل في التسليم على من يواجهه وتحمله السلام للغائب:
وكان يُسلِّم بنفسه على من يواجهه، ويُحمِّل السَّلام لمن يريد السَّلام عليه من الغائبين عنه، ويتحمَّل السَّلام لمن يبلِّغه إليه، كما تحمَّل السَّلام من الله عزَّ وجلَّ على صدِّيقة النِّساء خديجة بنت خُويلدٍ لمَّا قال له جبريل: «هذه خديجة قد أتتك بطعامٍ، فاقرأْها السَّلام من ربِّها، وبشِّرها ببيتٍ في الجنَّة».
وقال للصِّدِّيقة الثَّانية بنت الصِّدِّيق عائشة: «هذا جبريل يقرأ عليكِ السَّلام»، فقالت: وعليه السَّلام ورحمة الله وبركاته، يرى ما لا نرى.
فصل في بدء من لقيه بالسلام، ورد التحية بمثلها أو أفضل منها:
وكان يبدأ من لقيه بالسَّلام، وإذا سلَّم عليه أحدٌ ردَّ عليه مثلَ تحيَّته أو أفضلَ منها على الفور من غير تأخيرٍ، إلا لعذرٍ مثل حالة الصَّلاة، أو حالة قضاء الحاجة.
وكان يُسمِع المسلمَ ردَّه عليه، ولم يكن يردُّ بيده ولا رأسه ولا إصبعه إلا في الصَّلاة، فإنَّه كان يردُّ على من سلَّم عليه إشارةً، ثبت ذلك عنه في عدَّة أحاديث.
وكان من هديه تركُ السَّلام ابتداءً وردًّا على من أحدث حدثًا حتَّى يتوب منه، كما هجر كعبَ بن مالكٍ وصاحبيه، وكان كعب يسلِّم عليه ولا يدري هل حرَّك شفتيه بردِّ السَّلام عليه أم لا؟[3].
[1] النهي محمول على التنزيه، وتركه أوْلى من فعله، وسبب النهي أن التسمية بتلك الأسماء تؤدي إلى أن يسمع المسلم ما يكرهه إذا سأل عمَّن كان هذا اسمه وهو غير موجود، فينفي المسؤول عنه، فيكون في رَدِّه شؤم بفقدان اليسر والربح والنجاح والفلاح، وفي ذلك بشاعة في الجواب واحتمال الوقوع في الطِّيَرَة.
[2] الذي لا يعيش له ولد؛ كما في الحديث في صحيح مسلم 2608.
[3] يُنظَر للفائدة: "شرح حديث كعب بن مالك في قصة تخلُّفه عن غزوة تبوك" للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
شرح حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك (1)
شرح حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك (2)