أرشيف المقالات

لطائف من زاد المعاد في هدي خير العباد (5)

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
لطائف من زاد المعاد في هدي خير العباد (5)
فصول في هديه صلى الله عليه وسلم في أقضيته وأحكامه
 
وليس الغرض من ذلك ذكر التشريع العام، وإن كانت أقضيته الخاصة تشريعًا عامًّا، وإنما الغرض ذكر هديه في الحكومات الجزئية التي فصل بها بين الخصوم، وكيف كان هديه في الحكم بين الناس، ونذكر مع ذلك قضايا من أحكامه الكلية.
 
فصل في حكمه بالقود على من قتل جارية، وأنه يفعل به كما فعل:
ثبت في «الصحيحين»: أن يهوديًّا رض رأس جارية بين حجرين على أوضاح لها؛ أي: حلي، فأخذ، فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين.
 
وفي هذا الحكم دليل على قتل الرجل بالمرأة، وعلى أن الجاني يفعل به كما فعل، وأن القتل غيلة حد لا يُشترَط فيه إذن الولي؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفعه إلى أوليائها، ولم يقل: إن شئتم فاقتلوه وإن شئتم فاعفوا عنه، بل قتله حتمًا، وهذا مذهب مالك، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
 
فصل في قضائه صلى الله عليه وسلم بالقصاص في كسر السن:
في «الصحيحين» من حديث أنس: أن ابنة النضر أخت الربيع لطمت جارية، فكسرت سنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بالقصاص، فقالت أم الربيع: يا رسول الله، أيقتص من فلانة؟ لا والله لا يقتص منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله يا أم الربيع كتاب الله القصاص»، قالت: لا والله لا يقتص منها أبدًا، فعفا القوم، وقبلوا الدية.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبَرَّه».
 

فصل في قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن عض يد رجل فانتزع يده من فيه فسقطت ثنية العاض بإهدارها:
ثبت في «الصحيحين»: أن رجلًا عض يد رجل، فنزع يده مِن فيه، فوقعت ثناياه، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟! لا دية لك».
 
وقد تضمنت هذه الحكومة أن من خلَّص نفسه من يد ظالم له، فتلفت نفسُ الظالم، أو شيء من أطرافه أو ماله بذلك، فهو هدر غير مضمون.
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فيما كان يهدى إليه:
كان أصحابه يهدون إليه الطعام وغيره، فيقبل منهم ويكافئهم أضعافها، وكانت الملوك تهدي إليه فيقبل هداياهم، ويقسمها بين أصحابه، ويأخذ منها لنفسه ما يختاره، فيكون كالصفي الذي له من المغنم.
 
وفي «صحيح البخاري»: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت إليه أقبية ديباج مزررة بالذهب، فقسمها في ناس من أصحابه، وعزل منها واحدًا لمخرمة بن نوفل، فجاء ومعه المسور ابنه، فقام على الباب فقال: ادعه لي، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته، فتلقاه به فاستقبله، وقال: «يا أبا المسور خبأت هذا لك».
 
وأهدى له المقوقس مارية أم ولده، وسيرين التي وهبها لحسان، وبغلة شهباء، وحمارًا.
 
وأهدى له فروة بن نفاثة الجذامي بغلة بيضاء ركبها يوم حنين؛ ذكره مسلم.
 
وذكر البخاري: «أن ملك أيلة أهدى له بغلة بيضاء، فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة، وكتب له ببحرهم».
 
فصل حكم هدايا الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم:
وأما حكم هدايا الأئمة بعده، فقال سحنون -من أصحاب مالك-: إذا أهدى أمير الروم هدية إلى الإمام فلا بأس بقبولها، وتكون له خاصة، وقال الأوزاعي: تكون للمسلمين، ويكافئه بمثلها من بيت المال.
وقال الإمام أحمد وأصحابه: ما أهداه الكفار للإمام أو لأمير الجيش أو قواده فهو غنيمة حكمها حكم الغنائم.
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في الوفاء بالعهد لعدوه، وفي رسلهم ألَّا يقتلوا ولا يحبسوا، وفي النبذ إلى من عاهده على سواء إذا خاف منه نقض العهد:
ثبت عنه أنه قال لرسولي مسيلمة الكذاب -لما قالا: نقول إنه رسول الله-: «لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما».
 
وثبت عنه أنه قال لأبي رافع، وقد أرسلته إليه قريش، فأراد المقام عنده، وألَّا يرجع إليهم، فقال: «إني لا أخيسُ بالعهد، ولا أحبس البُرُد، ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي فيها الآن فارجع».
 
وثبت عنه أنه ردَّ إليهم أبا جندل للعهد الذي كان بينه وبينهم: أن يرد إليهم من جاءه منهم مسلمًا، ولم يرد النساء.
 
ولما أسرت قريش حذيفة بن اليمان وأباه أطلقوهما، وعاهدوهما ألَّا يقاتلاهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا خارجين إلى بَدْر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم».
 
فصل في حكمه في الأمان الصادر من الرجال والنساء:
ثبت عنه أنه قال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم».
وثبت عنه أنه «أجار رجلين أجارتهما أم هانئ ابنة عمه».
 
فصل في صلحه لأهل مكة:
وكان في صلحه لأهل مكة أن من أحب أن يدخل في عهده وعقده دخل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل، وأن من جاءهم من عنده لا يردونه إليه، ومن جاءه منهم رده إليهم، وأنه يدخل العام القابل إلى مكة فيخلوها له ثلاثًا، ولا يدخلها إلا بجُلُبَّان[1]السلاح.
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في النكاح بلا وليٍّ:
في «السنن» عنه من حديث عائشة: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليِّها فنكاحُها باطِلٌ، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ مَن لا وليَّ له»، قال الترمذي: حديث حسن.
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في نكاح الشغار، والمحلل والمتعة، ونكاح المحرم، ونكاح الزانية:
أما الشغار، فصحَّ النهي عنه من حديث ابن عمر وأبي هريرة ومعاوية، وفي «صحيح مسلم» عن ابن عمر مرفوعًا: «لا شِغار في الإسلام».
 
وفي حديث ابن عمر: «والشِّغار: أن يزوِّج الرجل ابنته على أن يزوِّجه ابنته وليس بينهما صداق».
 
وفي حديث أبي هريرة: «والشغار: أن يقول الرجل للرجل: زوِّجْني ابنتك، وأزوِّجك ابنتي، وزوِّجْني أختك، وأزوِّجك أختي».
 
وأما نكاح المحلل: ففي «المسند» والترمذي من حديث ابن مسعود قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المُحلِّل والمُحلَّل له»، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
 
وفي «المسند»: من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «لعن الله المُحلِّل والمُحلَّل له»، وإسناده حسن.
 
وأما نكاح المتعة: فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أحلَّها عام الفتح، وثبت عنه أنه نهى عنها عام الفتح.
 
في «الصحيحين» عنه: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فقلنا: يا رسول الله، ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخَّص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87]، ولكن في «الصحيحين» عن علي: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّم متعة النساء» وهذا التحريم إنما كان بعد الإباحة.
 
وأما نكاح المحرم: فثبت عنه في «صحيح مسلم» من رواية عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، ولا يُنْكِحُ».
 
وأما نكاح الزانية: فقد صرح سبحانه بالحكم بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من نكحها فهو إمَّا زانٍ أو مُشرِك، فإنه إمَّا أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زانٍ، ثم صرَّح بتحريمه فقال: ﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 3].
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم على أكثر من أربعة نسوة أو على أختين:
في الترمذي عن ابن عمر: «أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خذ منهن أربعًا».
وفي طريق أخرى: «وفارق سائرهن».
 
وأسلم فيروز الديلمي وتحته أختان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اختر أيتهما شئت».
 
فتضمن هذا الحكم صحة نكاح الكفار، وأنه له أن يختار من شاء من السوابق واللواحق؛ لأنه جعل الخيرة إليه، وهذا قول الجمهور، وقال أبو حنيفة: إن تزوجهن في عقد واحد فسد نكاح الجميع، وإن تزوجهن مترتبات ثبت نكاح الأربع، وفسد نكاح من بعدهن ولا تخيير.
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر:
قال ابن عباس: «ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ابنته على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول ولم يحدث شيئًا»؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وفي لفظ: «بعد ست سنين ولم يحدث نكاحًا»، قال الترمذي: ليس بإسناده بأس، وفي لفظ: «وكان إسلامها قبل إسلامه بستِّ سنين، ولم يحدث شهادة ولا صداقًا».
 
وقال أيضًا: «إن رجلًا جاء مسلمًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله، إنها أسلمت معي، فردها عليه»، قال الترمذي: حديث صحيح.
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في الغيل وهو وطء المرضعة:
ثبت عنه في «صحيح مسلم»: أنه قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم».
 
وفي «سنن أبي داود» عنه من حديث أسماء بنت يزيد: «لا تقتلوا أولادكم سرًّا، فوالذي نفسي بيده، إنه ليدرك الفارس فيُدَعْثِرُهُ»، قال: قلت: ما يعني؟ قالت: الغيلة يأتي الرجل امرأته وهي ترضع.
 
ولا ريب أن وطء المراضع مما تعمُّ به البلوى، ويتعذر على الرجل الصبر عن امرأته مدة الرضاع، ولو كان وطؤهن حرامًا لكان معلومًا من الدين، وكان بيانه من أهم الأمور، ولم تهمله الأمة وخير القرون، ولا يصرح أحد منهم بتحريمه، فعلم أن حديث أسماء على وجه الإرشاد والاحتياط للولد، وألَّا يعرضه لفساد اللبن بالحمل الطارئ عليه، ولهذا كان عادة العرب أن يسترضعوا لأولادهم غير أمهاتهم.
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في قسم الابتداء والدوام بين الزوجات:
ثبت في «الصحيحين»: عن أنس أنه قال: «من السنة إذا تزوَّج الرجل البكر على الثيِّب، أقام عندها سبعًا وقسم، وإذا تزوَّج الثيِّب، أقام عندها ثلاثًا، ثم قسم»، قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: إن أنسًا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
 
وفي «صحيح مسلم»: أن أم سلمة لما تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها أقام عندها ثلاثًا، ثم قال: «إنه ليس بك على أهلك هوان، إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وإنْ سَبَّعْتُ لَكِ، سَبَّعْتُ لِنِسَائِي».
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح:
قال صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب».
 
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، إن أوليائي المتقون حيث كانوا ومن كانوا».
 
وزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه، وزوَّج فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة ابنه.
وتزوج بلال بن رباح بأخت عبدالرحمن بن عوف، وقد قال تعالى: ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾ [النور: 26]، وقال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 3].
 
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلًا وكمالًا، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمرًا وراء ذلك، فإنه حرَّم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسبًا ولا صناعة ولا غنى ولا حرية، فجوَّز للعبد القنِّ نكاح الحُرَّة النسيبة الغنية، إذا كان عفيفًا مسلمًا، وجوَّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات.
 

فصل في حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها: وفي «الصحيحين»: أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى وتسأله خادمًا، فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته.
قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: مكانكما، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على بطني، فقال: «ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبِّحا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرا أربعًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم».
قال علي: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
 
وصحَّ عن أسماء أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس وكنت أسوسه، كنت أحش له وأقوم عليه.
 
وصحَّ عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ.
 
فاختلف الفقهاء في ذلك، فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت، وقال أبو ثور: عليها أن تخدم زوجها في كل شيء.
 
ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها في شيء، وممن ذهب إلى ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأهل الظاهر، قالوا: لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام وبذل المنافع، قالوا: والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، فأين الوجوب منها؟
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلق ثلاثًا بكلمة واحدة:
في «سنن النسائي» وغيره من حديث محمود بن لبيد، قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلَّق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان، فقال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!» حتى قام رجل فقال: يا رسول الله، أفلا أقتله.
 
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخيير أزواجه بين المقام معه وبين مفارقتهن له:
ثبت في «الصحيحين» عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: «إني ذاكر لك أمرًا، فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك».
قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه، ثم قرأ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29]، فقلت: في هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
قالت عائشة: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت، فلم يكن ذلك طلاقًا.



[1] الجلبان: شبه الجراب، يوضع فيه السيف مغمودًا والسوط ونحوه.
وفي ضبطه وجهان: جُلُبَّان بضمتين وتشديد الباء، وجُلْبان بضم الجيم وسكون اللام والتخفيف.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير