أرشيف المقالات

النظرات اللطيفة في قول أبي داود : أبو عبد الله هذا حذيفة

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
النَّظَرات اللطيفة
في قول أبي داود: «أبو عبدالله هذا: حذيفة»
 
الحمد لله وليّ الحمد، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد أشرف عبد، وعلى آله وصحبه مصابيح الهداية والرشد، أما بعد.
 
فقد أخرج أبو داود في «سننه»، كتاب الأدب، باب في قول الرجل: زعموا، (4972) [4/294]: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع: عن الأوزاعي: عن يحيى، عن أبي قلابة قال: قال أبو مسعود لأبي عبدالله - أو قال أبو عبدالله لأبي مسعود -: ما سمعتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: في «زعموا؟» قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بئس مطيّةُ الرجل زعموا».
 
قال أبو داود: « أبو عبد الله هذا: حذيفة».
أما أبو مسعود فهو عقبة بْن عَمْرو - وقيل: ابن ثعلبة بن عمرو - البدري، وحذيفة هو حذيفة بن اليمان بن حسي - وقيل حسيل ـ أبو عبد الله العبسي، حليف بني عبد الأشهل.
 
قال المنذري في «مختصر سنن أبي داود» [7/267]: أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري، ذكر الحافظ أبو مسعود الدمشقي في «الأطراف» أنه لم يسمع منهما، يعني: حذيفة وأبا مسعود رضي الله عنهم.
ا.هـ.
 
وكتابُ «الإشراف على معرفة الأطراف» للحافظ أبي القاسم ابن عساكر غير مطبوع فيما أعلم.
 
وقد صرّحت باسم حذيفةَ روايةُ الإمام أحمد في «المسند» (23403) [38/409] عن وكيع به، ولفظُه: أبي قلابة قال: قال أبو عبد الله لأبي مسعود، أو قال أبو مسعود لأبي عبد الله ـ يعني: حذيفة...
الحديثَ.
 
قال الحافظ ابن حجر «فتح الباري» [10/551]: حديث أبي قلابة قال: قيل لأبي مسعود: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في «زعموا»؟ قال: «بئس مطية الرجل»، أخرجه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً.
ا.هـ.
 
قلت:
• إذا كان قد مات حذيفة بالمدائن، بعد عثمان.
أي سنة (36هـ).
يُنظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد [6/15].
 
وكان أبو مسعود البدري توفي بعد عليٍّ رضي الله عنه سنة (39) أو (40).
يُنظر: «سير أعلام النبلاء» [2/493].
 
وكان أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي توفي (104هـ) وقبل بعد ذلك؛ يُنظر: «سير أعلام النبلاء» [4/468].
 
فـ«في تفسير «أبي عبد الله» بأنه حذيفة نظر» - كما قال ابنُ حجَر في «النكت الظراف» - بهامش «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» [3/45] - وذكر أنه أخرج الحديثَ الحسنُ بن سفيان في «مسنده» عن دحيم، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعيّ أنه حدّثه قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير: حدثنا أبو قلابة: حدّثني أبو عبدالله...
ا.هـ.
 
وقد أخرج هذه الروايةَ أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (6885) [5/2949]: حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، به.
 
وأخرجه الطحاوي «شرح مشكل الآثار»، باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من قوله: «بئس مطية الرجل زعموا»، (185) [1/173]: حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي أبو بكر، حدثنا الوليد بن مسلم، به.
 
ومن طريقه القضاعيُّ في «مسند الشهاب»، بئس مطية الرجل زعموا، (1335) [2/268].
 
وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني» (2798) [5/272]: حدثنا عمرو بن عثمان: حدثنا الوليد بن مسلم، به.
 
* قال ابن حجر في «النكت الظراف»: فعلى هذا فـ «أبو عبدالله» آخرُ غير حذيفة؛ لأن أبا قلابة ما أدرك حذيفةَ.
ا.هـ.
 
وقد ترجم أبو نعيم في «معرفة الصحابة» [5/2949] لصحابيه قال: أبو عبدالله غير منسوب، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم : «بئس مطية الرجل زعموا» روى عنه: أبو قلابة، وأبو نضرة.
 
• يعضد ذلك أنها وردت نسبة أبي عبد الله - الذي يروي عنه أبو قلابة - جرمياً؛ في «السنن الكبرى» للبيهقي، كتاب الشهادات، جماع أبواب من تجوز شهادته ومن لا تجوز، باب ما يكره من رواية الإرجاف وإن لم يقدح في الشهادة، (21166) [10/418] من طريق الوليد بن مزيد، قال: سمعت الأوزاعي، قال: حدثني يحيى ابن أبي كثير: حدثني أبو قلابة الجرمي قال: قال أبو عبد الله الجرمي لأبي مسعود: كيف سمعتَ....
الحديثَ.
 
• وقال الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف»: وقد اختُلف فيه على يحيى بن أبي كثير اختلافاً آخَر.
 
وذكر ما رواه البخاري في «الأدب المفرد»، باب ما يقول الرجل إذا زكي، (673) [ص268] من طريق يحيى بن عبدالعزيز، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب [الجرمي]: أن عبد الله بن عامر قال: يا أبا مسعود...
 
ولم أعرف من عبدالله بن عامرٍ هذا، والله أعلم.
 
وأخرج هذه الروايةَ الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (643) [ص 308]: حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق: حدثنا عمر بن يونس اليمامي: حدثنا يحيى بن عبد العزيز، به.
 
ويحيى بن عبدالعزيز، هو الأردني، قال الحافظ في «تقريب التهذيب» (7597) [ص 593]: «مقبول»، وقد خالَفَ، فشذّت روايته.
 
• وقد أخرج الحديث من رواية أبي مسعودٍ البدري وحده الإمامُ أحمد في «المسند» (17075) [28/307]: حدثنا علي بن إسحاق: حدثنا عبدالله وهو ابن المبارك، قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة.
 
وأخرجه البغوي في شرح السنة» (8892) [12/361] من أبي إسحاق إبراهيم بن عبدالله الخلال: حدثنا عبد الله بن المبارك، به.
 
وأخرجه القضاعي في «مسند الشهاب»، بئس مطية الرجل زعموا، (1336) [2/269] من طريق الحسين بن الحسن المروزي: أنا عبدالله بن المبارك، به.
 
• وقد أخرج الحديث - بمثل رواية أبي داود - شيخُه ابن أبي شيبة في «المصنف» كتاب الأدب، من كره أن يقول: زعموا، (25791) [5/252]، عن وكيع به.
 
والبخاري «الأدب المفرد»، باب ما يقول الرجل إذا زُكّيَ، (672) [ص268]، عن أبي عاصم الشيباني، عن الأوزاعي، بمثل رواية أبي داود.
 
والطحاوي في «شرح مشكل الآثار»، باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من قوله: «بئس مطية الرجل زعموا»، (186) [1/173-174]: حدثنا إبراهيم بن مرزوق: حدثنا أبو عاصم، عن الأوزاعي، به وابن الأعرابي في «معجمه» (1812) [2/869-870]: حدثنا عباس الدوري: حدثنا أبو عاصم، عن الأوزاعي، به.
 
ومن طريقه القضاعي في «مسند الشهاب»، بئس مطية الرجل زعموا، (1334) [2/268].
 
الخلاصة:
الصواب - والله أعلم - أنّ أبا عبدالله المذكور في هذا الحديث ليس حذيفةَ بن اليمان رضي الله عنه، وتعجز الروايات عن تحديده؛ لاضطرابها، والاختلاف فيها.
 
ويتلخّص أنّه حديثٌ مرسلٌ صالحٌ للعمل به في الترغيب والترهيب وفضيلة التثبُّت في نقل الأخبار؛ حيثُ رواهُ وذكَره أئمةُ الإسلام ورجالاته العظام - في هذا الباب - في الكثيرِ من مصنفاتهم، والحمد لله رب العالمين.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير