أرشيف المقالات

إبرار المقسم

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
إبرار المقسم


عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (أمَرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإبرار المُقسِم)؛ متفق عليه[1].
 
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: معنى (إبرار المقسم):
فِعلُ ما أراده الحالفُ منكَ؛ لتجعله بذلك بارًّا بيمينه غيرَ حانث فيها.
وإبرار المقسِم سنة مؤكدةٌ، إذا لم يكن فيه إثم أو ضررٌ أو مشقة على المحلوف عليه.
قال النووي رحمه الله تعالى: إبرار القسم سنةٌ مستحبةٌ متأكدةٌ؛ اهـ[2]، فمن حلف على شخص أن يفعل شيئًا، ولم يكن في ذلك إثمٌ، فيستحب للمحلوف عليه إبرارُ قسَم أخيه؛ كمن حلف عليه صاحبه أن يقبَل أعطيته، أو يتعشى عنده، أو يصحبه في زيارة، أو نحو ذلك، فيستحب إبرار قسمه، ما لم يكن عليه مشقةٌ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال النووي رحمه الله تعالى: إنما يُندَب إلى إبرار القسم إذا لم يكن فيه مفسدةٌ أو خوف ضرر (أو مشقة ظاهرة) أو نحو ذلك، فإن كان شيء من هذا لم يبرَّ قسمه، كما ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أصبتَ بعضًا، وأخطأتَ بعضًا))، فقال: أقسمتُ عليك يا رسول الله لتخبرني، فقال: ((لا تُقسِمْ))، ولم يخبره[3]؛ اهـ[4].
 
الفائدة الثانية: مع مشروعية إبرار المقسِم فإنه ينبغي ترك الإقسام على الناس، وبخاصة في الأمور التي لا قيمة لها، أو التي يعلم مشقتها على الشخص وعدم رغبته فيها، أو فيها إحراجٌ لأخيه بوجه من الوجوه؛ لأن ذلك يعود إلى أحد أمرين: إما إبرار المقسِم مع ما فيه من الضرر والمشقة على المحلوف عليه، أو الاستهانة باليمين بالله تعالى، وهذا يخالف تعظيمها المأمور به شرعًا، وهذا كله داخلٌ في حفظ اليمين المأمور به في قوله تعالى: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89].
 
الفائدة الثالثة: مما ينبغي اجتنابه أيضًا ما شاع عند كثير من المسلمين مما يدخل في حكم اليمين، وهو نوعان:
النوع الأول: الحلف بالطلاق؛ كقوله: عليَّ الطلاق أن تتغدى معنا، فهذا خطأٌ، وينبغي اجتنابه، وأقل أحواله أن يكون مكروهًا، وأكثر العلماء على وقوع الطلاق إذا لم يحصل ما طلق عليه، والقول الآخر: أنه ينظر في قصده، فإن قصد الطلاق وقعت طلقة واحدة، وإن لم يقصد الطلاق وإنما قصد المنع أو الحث، فحُكمه حُكم اليمين، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، واللجنة الدائمة للإفتاء[5].

والنوع الثاني: تحريم الحلال؛ كقوله: حرامٌ عليَّ دخول بيت فلان، أو يحرم عليَّ أن أكلم فلانًا، وهذا لا يجوز؛ فيجب اجتنابه، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: تحريم الحلال لا يجوز؛ اهـ[6]، ومن فعله تاب واستغفر، وكفَّر كفارة يمين إذا أراد الحنث فيه؛ لأن له حكم اليمين، والدليل على تحريمه وأنه في حكم اليمين: قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [التحريم: 1، 2].



[1] رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب قول الله تعالى: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ 6/ 2451 (6278)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجل وإباحته للنساء 3/ 1635 (2066).


[2] شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 32.



[3] الحديث متفق عليه، رواه البخاري في كتاب التعبير، باب مَن لم يرَ الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب 6/ 2582 (6639)، ومسلم في كتاب الرؤيا، باب في تأويل الرؤيا 4/ 1777 (2269).


[4] شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 32، وما بين القوسين هو من كلامه في موضع آخر؛ (شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 29).


[5] ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة 20/ 123 - 131.



[6] فتاوى اللجنة الدائمة 20/ 314.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢