أرشيف المقالات

اختلاف عدد النساء اللاتي طاف عليهن النبي سليمان عليه السلام

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
سلسلة الرد المفصل على الطاعنين في أحاديث صحيح البخاري (7)
اختلاف عدد النساء اللاتي طاف عليهن النبي سليمان عليه السلام
 
قال البخاري في صحيحه (6639): حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعاً فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله؛ لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون)).
 
وروى هذا الحديث مسلم في صحيحه (1654) بأسانيد كثيرة منها قوله: وحدثنا محمد بن عباد، وابن أبي عمر، واللفظ لابن أبي عمر، قالا: حدثنا سفيان، عن هشام بن حجير، عن طاوس، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه -أو الملَك-: قل: إن شاء الله، فلم يقل ونسي؛ فلم تأت واحدة من نسائه إلا واحدة جاءت بشق غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً له في حاجته)).
وروى هذا الحديث غير واحد من أئمة الحديث كأحمد (7715) والترمذي (1532) والنسائي (3831) وابن أبي شيبة (1563) وابن حبان (4337) والبيهقي (19909) ..
وغيرهم كثير.
ويذكر كثير من المفسرين هذا الحديث في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ﴾ [ص:34].
 
وهذا الحديث من الأحاديث التي يطعن بسببها الطاعنون في صحيح البخاري، وجهلوا أن البخاري لم يتفرد برواية هذا الحديث كما هو الحال في جميع أحاديث صحيحه، فكل حديث في صحيح البخاري قد رواه غير البخاري، وذكر هؤلاء الطاعنون اختلاف عدد النسوة في روايات حديث طواف النبي سليمان صلى الله عليه وسلم على زوجاته، وذلك أن هذا الحديث جاء في صحيح البخاري بأكثر من رواية، وفيها اختلاف في عدد تلك النسوة، فقد جاء في موضع أن عدد النساء سبعون الحديث (رقم 3424)، وجاء أنهن ستون (رقم 7469)، وجاء أنهن تسعون (رقم 6639، 6720)، وجاء على التردّد بين التسعة والتسعين والمائة (رقم 2819)، وجاء أنهنّ مائة (رقم 5242).
 
والجواب عن هذه الشبهة أنَّ البخاري رحمه الله روى ما ورد من ذلك، وقد روى كل ذلك غيره من الأئمة، والبخاري لم يكن غافلاً عن هذا الاختلاف في الألفاظ، بمعنى أن هذا لم يأت بسبب نسيان البخاري مثلا، وإنما روى البخاري هذا لأن أصل الحديث صحيح، وعادة البخاري في صحيحه أن يكرر روايات الحديث الواحد عن عدة من مشايخه، فروى تلك الروايات جميعها لأن أصل القصة صحيح ثابت، وخلاف الرواة في تحديد العدد في مثل هذه القصة لا يضر في معنى الحديث، ولا يؤثر في صحته، فالرواة اتفقوا في أداء المعنى المراد، ومعلوم أن السنة يجوز روايتها بالمعنى إذا لم يخل ذلك بالمقصود، فاختلافهم في العدد لا يؤثر في صحة القصة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن سليمان صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفت المسميات في تبويبات البخاري لهذا الحديث حين كرره في صحيحه، فمَرّة يسمي الباب الذي ذكر فيه هذا الحديث (باب: من طلب الولد للجهاد)، وأخرى في ذكر قصص سليمان في كتاب الأنبياء، ومَرّة ذكره تحت باب (كيف كانت يمينُ النبي صلى الله عليه وسلم)؛ ومَرّةً بوّب له بـ (باب: الاستثناء في الأيمان)، وأخرى تحت (باب: قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائي)، وأخيرًا تحت (باب: في المشيئة والإرادة).
 
فتبين من خلال تبويبات البخاري المختلفة لهذا الحديث أن العدد ليس مقصوداً، وأن المراد هو أخذ الأحكام المستفادة من هذا الحديث.
ثم إن البخاري رحمه الله قد بين في صحيحه أن أصح الروايات في العدد تسعون، ففي كتاب أحاديث الأنبياء في باب قول الله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص:30]، وهو الحديث رقم (3424) ذكر البخاري روايةً فيها أن العدد (سبعون)، ثم قال البخاري: "وقال شعيب وابن أبي الزناد: تسعين، وهو أصحّ".
فهذا دليلٌ واضح على أن البخاري كان على وعي تام ومعرفة وإدراك باختلاف الرواة في العدد الوارد في هذا الحديث، والحمد لله.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن