رب مبلغ أوعى من سامع
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
ربَّ مبلَّغ أوعى من سامِععَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: ((أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟))، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: ((أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟)) قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: ((أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟))، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ ((أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟))، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: ((أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ ((أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟)) قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟))، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ((اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ))[1].
بيان غريب الحديث:
• ((أوعَى)): يقال: وعَيت الحديث، أعِيهِ وعيًا، فأنا واعٍ: إذا حفِظته وفهِمته، وفلان أوعى من فلان؛ أي: أحفظ وأفهم[2].
أهم ما يستفاد من الحديث:
• أنَّه قد يحمل الفقه غيرُ الفقيه، يكون له حافظًا، ولا يكون فيه فقيهًا[3].
• وفيه مِنَ الفقه أنَّ العالِم واجبٌ عليه تبليغ العلم لمن لَم يبلغه، وتبيينه لمن لا يفهمه، وهو الميثاق الذي أخذه الله عزَّ وجلَّ على العلماء للناس ليبَيِّنُنَّه ولا يكتمونه.
• وفيه أنَّه قد يأتي في آخر الزمان من يكون له من العلم في الفهم ما ليس لمن تقدَّمه، إلا أنْ ذلك في الأقل؛ لأنَّ ((ربَّ)) موضوعة للتقليل.
• وفيه أنَّ حامل الحديث والعلم يجوز أن يُؤخذ عنه وإن كان جاهلًا لمعناه، وهو مأجور في تبليغه محسوب في زمرة أهل العلم إنْ شاء الله[4].
• قال الشَّيخ العلَّامة ابن عثيمين (1421هـ) رحمه الله: (يقول بعض الناس: أنا أبلِّغ ولكن لا فائدة! قلنا:
هناك فوائد:
أولًا: بيان للناس أنَّ هذا حرام؛ لئلا يحتجُّوا بسكوت العلماء على جوازه، وعلى حلِّه.
ثانيًا: أنَّ الأجيال التي عندك الآن قد لا تنتفع، لكن الأجيال المستقبلة ربما تنتفع، ونحن شاهدنا فيما مضى من الزمان، بل فيما مضى من الزمن القريب، لا نجد في الناس وعيًا كوعيهم في الوقت الحاضر، والحمد لله، ولا قبولًا لحديث الرَّسول صلى الله عليه وسلم كقبولهم للحديث في الوقت الحاضر، ولا اتجاهًا للكتاب والسنة وأخذًا بالأحكام منها كاتجاههم في الوقت الحاضر)[5].
[1] أخرجه: البخاري (1741).
[2] ينظر: النهاية في غريب الحديث؛ لابن الأثير 5 /207.
[3] ينظر: الرسالة؛ للإمام الشافعي، 361.
[4] ينظر: شرح ابن بطال 1/ 150.
[5] شرح صحيح البخاري؛ للشيخ محمد بن صالح العثيمين 1 /199.