أرشيف المقالات

الرد على من أنكر حديث حذيفة في قيام الليل مع النبي صلى الله عليه وسلم

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
الرد على من أنكر حديث حذيفة في قيام الليل مع النبي صلى الله عليه وسلم


روى الإمام مسلم في "صحيحه" حديث رقم (772) عن أربعة من مشايخه الثقات الحفاظ، وهم: أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن نمير، كلهم من طريق التابعي الجليل صلة بن زفر العبسي، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم»، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده»، ثم قام طويلا قريبًا مما ركع، ثم سجد، فقال: «سبحان ربي الأعلى»، فكان سجوده قريبًا من قيامه.
 
ورواه االترمذي (262) عن شيخه محمود بن غيلان.
 
ورواه أبو داود (871) عن شيخه حفص بن عمر.
 
ورواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (2842) عن شيخه الحافظ المشهور ابن جُريج المكي، وفي (2875) عن شيخه سفيان الثوري، وهو الملقَّب أمير المؤمنين في الحديث.
 
ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (23629) عن عدة من مشايخه منهم محمد بن جعفر.
 
وقد روى هذا الحديث عن حذيفة غير واحد من التابعين، منهم صلة بن زفر العبسي، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سويد الفهري، وابن أخي حذيفة.
 
فهذا الحديث مشهور عند أهل الحديث، رواه العلماء جيلا بعد جيل، وقد رواه كثير من المحدثين في مصنفاتهم، ولم يكذبه أحد من العلماء قديمًا ولا حديثًا، وفي هذا الزمان تجرأ بعض الجهال على تكذيبه، بحجة أن الوقت لا يكفي لهذه الصلاة الطويلة!
 
وهذا جهل عظيم، فسورة البقرة وآل عمران والنساء نحو 5 أجزاء، وأي قارئ متقن يستطيع قراءة الجزء الواحد في نحو ربع ساعة أو ثلث ساعة، فلو حسبنا الجزء في ثلث ساعة فخمسة أجزاء يستطيع القارئ المتقن قراءتها في ساعة ونصف تقريبا، فما بالكم بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أُنزل عليه القرآن، وبارك الله له فيه، وفي وقته، وفي حياته، وله المعجزات العظيمة الباهرة؟!
 
وفي حديث حذيفة أن ركوع النبي عليه الصلاة والسلام وقيامه من الركوع وسجوده كان قريبًا من قيامه أي: أن كل ركن منها أقل من القيام، فلنجعل ساعة كاملة لكل ركوع وقيام وسجود، فهي أربع ساعات مع ساعة ونصف للقراءة، فجميع تلك الركعة خمس ساعات ونصف تقريبا، فإما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى تلك الليلة ركعة واحدة طويلة، أو أنه صلى تلك الليلة عدة ركعات طويلة، ولكنه طوَّل تلك الركعة فقط بذلك المقدار الطويل، وأحيا جميع تلك الليلة أو أغلبها، فمعلوم أن بعض الليالي الطويلة يكون من بعد صلاة العشاء إلى الفجر تسع ساعات، فيكون تطويل الركوع والقيام منه والسجود بذلك القدر الطويل في ركعة، وما بعدها كان التطويل أقل منها، وقد يكون حذيفة رضي الله عنه ظن أن القيام بعد الركوع والركوع والسجود كان قريبًا من القيام لشدة ما أصابه من التعب والنعاس والشدة العظيمة، وإن كان الواقع أقل مما ذكره، فقد جاء في رواية الحارث بن أبي أسامة (1/ 346) أن حذيفة قال: (فما تعبَّدتُّ عبادة كانت أشد عليَّ منها)، فالأمر تقديري لوصف طول صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن حذيفة رضي الله عنه يحسب طول الركوع والسجود بساعة تضبط الوقت بالتحديد، وإنما هو ظن وتقدير، ثم إن حذيفة لم يذكر ذلك التطويل العظيم بتلك الصفة لغير الركعة الأولى، فلماذا التهويل والتكذيب؟!
 
وقد ورد نحو هذه القصة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فلم يزل قائمًا حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدع النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري (1135) ومسلم (773).
 
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان بين مكة والمدينة، فصلى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها، فقرأ فيها بمائة آية من النساء، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه، وأن أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه النسائي (1728) وصححه الألباني.
 
فحديث حذيفة رضي الله عنه صحيح لا شك في ثبوته، والقصة واقعة لا ريب فيها، وفيها فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم في طول صلاته في الليل كما أمره الله سبحانه، وبيان شدة صبره على عبادة ربه، قال الله سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 1 - 4]، وقال الله تعالى عن بعض هذه الأمة من المؤمنين الصالحين: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 17، 18]، فعجبًا لمن يستغرب ورود مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم!
 
وقد روى الإمامان البخاري (4837) ومسلم (2820) من طريق التابعي الجليل عروة بن الزبير بن العوام عن خالته عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، قالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: ((يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورًا؟)).
 
فيا أيها المسلم احذر أن تُكذِّب حديثًا يصححه علماء الحديث الذين أفنوا أعمارهم في حفظ السنة النبوية، وتمييز صحيحها من سقيمها، لا تُكذِّب بما لا تعلم فتضل، قال الله سبحانه: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ﴾ [يونس: 39]، إياك أن تظن أنك أفضل من العلماء الذين مدحهم الله ورفع شأنهم، وتظن أنك أحرص على الخير منهم، وأنك أعلم منهم، فتكذِّب ما أثبتوه وصححوه بدعوى أنه لم يدخل عقلك، وتسيء الظن بالعلماء الذين حفظ الله دينه بهم، وأمرك بسؤالهم.
 
واعلم - رحمك الله - أن في القرآن الكريم والسنة النبوية أخبارًا قد يُكذِّبها بعض الضالين بحجة أنها لم تدخل عقولهم، مثل الإسراء والمعراج، ومثل إتيان الذي عنده علم من الكتاب بعرش بلقيس إلى النبي سليمان عليه السلام في طرفة عين، ومثل كثير من علامات الساعة كخروج يأجوج ومأجوج والمسيح الدجال وغير ذلك، فعقلك - أيها الإنسان - له حدود كما أن بصرك وسمعك له حدود، فتواضع للحق ولا تتكبر عن سؤال أهل العلم، ومن سأل الله الهداية بصدق وإخلاص هداه الصراط المستقيم.
 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته، والحمد لله رب العالمين.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن