أرشيف المقالات

نصيحة لله خالصة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
نصيحة
لله خالصة

إن الإسلام ليس مجرّد شعائر يؤديها المسلم، ثم يغفو ويترك الميدان لأعداء الله.
إن الإسلام نهج حياة متكامل، نهج مترابط شديد الترابط.
إنه تكاليف ربّانية نصّت عليها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لتنهض كلها على أساس متين، كما يقوم البناء على أساسه.
فأساس بناء الإسلام هي الشعائر، عليها تقوم التكاليف الربانية المتماسكة، ليظلّ المسلمون بها أعزاء أقوياء يحملون رسالة ربانيّة تمثل أمانة وعهداً وبيعة وخلافة، يبلغونها للناس كافة ويتعهدونهم عليها، لينقذوهم من نار جهنم لو ماتوا على الكفر والضلال.
 
إن مهمة الأمة المسلمة الواحدة هي حمل رسالة الله كما أنزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتبليغها إلى الناس كافّة، وتعهّدهم عليها لتظل كلمة الله هي العليا، ودينه هو الأعلى، وشرعه هو السائد.
إنها مسؤولية كل مسلم قادر، ومسؤولية الأمة كلها.
 
إننا نعود ونؤكد ما ذكرناه في كتبنا كلها، من أن الأفكار التي أخذت تنتشر بين المسلمين، وأخذ كثير من المسلمين يتبعونها منحرفين بها عن دين الله الحق، إِنما هي فتنة وضلالة، وباب هلاك وضياع، سواء في ذلك العلمانية والحداثة والديمقراطية والعولمة وأمثال ذلك.
 
إن هذه الأفكار والمبادئ كلها صناعة بشرية، تقوم على الوهم والظن، وتبتعد عن الحق الذي قامت عليه السموات والأرض، فليبدلوا فيها وليغيروا كما يشاؤون.
 
أما الإسلام فإنه ليس صناعة بشرية، ولا هو يقوم على الظن والوهم.
إنه الحق كل الحق نزل به الوحي الأمين على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم -، تناوله رسول بعد رسول، حتى ختموا بالنبي الخاتم محمد - صلى الله عليه وسلم -.
إنه وحي من عند الله وليس صناعة بشرية.
إنه الحق الثابت على مر الأزمان حتى تقوم الساعة، إنه النور الهادي ليضيء ظلمات الجهالة!
 
إن هذه الأفكار التي يسوقها العالم الغربي الديمقراطي العلماني النصراني الصهيوني الحداثي فتنة كبيرة، لا تحمل إلا الزخرف الكاذب، ولا تحمل شيئاً من الحق.
 
كما إننا لا نعترض على منحى أي جماعة إسلامية رفعت شعار الكتاب والسنة.
ولا نغمض عيننا عن تاريخ أي جماعة إسلامية وما قدّمته في سبيل الله من بذل وعطاء ودعوة.
وحسابنا جميعاً عند الله، نتوب إليه ونستغفره ونستعينه ونسأله السداد والرشاد في الأمر كله، والعزيمة والثبات على الحق والمضي على الدرب.
 
ولكننا نعترض على الفرقة والتمزق الواضِحَيْن بين المسلمين، خلافاً لما أمر الله ودعا إِليه.
لا شك أن الخلاف بين المؤمنين قد يقع، ولكننا لا نسوّغ كلَّ خلاف.
ولقد كتبتُ عن الاختلاف والفرقة والتمزق الواقع بين المسلمين، بعد أن طُفت في الأرض من المغرب إلى شمال أفريقيا إلى أوروبا، فرنسا، انكلترا، ألمانيا، والسويد، وتركيا وباكستان والهند، وعرفت بعضاً من الجماعات الإسلامية وواقعها في مختلف هذه الأقطار.
 
وأوجز رؤيتي وما كتبته حول ذلك هو أن الخلاف جائز إذا لم يولّد فُرْقة وتمزّقاً بين المسلمين.
 
وإذا كان للخلاف فقه فإن للقاء فقهاً أيضاً.
ونحن اليوم في وضع سيّئ من الهوان والإذلال والضعف، مما يغضب الله سبحانه وتعالى، ومما يخالف حكم الآيات وصريح الأحاديث الشريفة، فهل يمكن أن نبحث عن فقه "اللقاء"؟!
 
ولو نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم بعامة لوجدنا أن رقعة الخلاف واسعة والتمزق متسع، وأن أسساً في دين الله غابت عن واقع المسلمين: أين أخوة الإيمان التي أمر الله بها؟!، وأخوة الإسلام؟؟، أين الأمة المسلمة الواحدة التي اختارها الله لتكون خير أمة أخرجت للناس؟!.
وقس على ذلك تجد أن كثيراً من قواعد الإسلام اختفت، وأن قواعد العلمانية والحداثة وأمثالها تمتد وتنتشر، وأن جبهة أعداء الله يلتقون على حرب الإسلام بالرغم مما بينهم من خلاف على نهب الثروات والظلم في الأرض والعدوان.
إنهم يلتقون لقاء جاداً على نشر الفساد في الأرض: من خمر وفاحشة وانحلال وغير ذلك مما نراه ممتدّاً، وعلى حرب الإسلام من خلال ذلك، ومن خلال وسائل أخرى!
 
إننا لا نصارع أي دعوة إسلامية ولا أي جماعة أو حزب، ولكننا ندعو الجميع إلى وجوب اللقاء في صفٍّ واحد يحمل دعوة الله في الأرض دعوة واحدة.
وفي داخل الصف الواحد والأمة الواحدة قد يقع خلاف مباح.
 
فالله واحد، والدين واحد، والأمة المسلمة واحدة، فيجبُ أن تكون الدعوة الإسلامية في الأرض كلها دعوة واحدة في أهدافها ومناهجها كما كانت أيام محمد - صلى الله عليه وسلم -.
 
وإني أعجب كيف تكون العلوم الدنيوية من طبِّ وهندسة واحدة في الأرض كلها، هي صناعة بشرية، وأن دين الله الواحد المنزَّل من عند الله، الثابت في الكتاب والسنة واللغة العربية، تفرّق الناس به شيعاً وأحزاباً.
 
ولذلك نرى أن الدعوة الإسلامية يجب أن تكون دعوة واحدة تقوم بتبليغ رسالة الله إلى الناس كافة كما أُنزِلتْ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبليغاً منهجيّاً وتعهدهم عليها تعهداً منهجيّاً، حتى تكون كلمة الله هي العليا في الأرض.
 
فأساس التبليغ الواجب هو تبليغ كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما جاءا باللغة العربية، وكما بلّغ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكما بلّغ الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والآيات صريحة محكمة في ذلك، والأحاديث الشريفة جليّة قوية بذلك.
 
لا بد أن يسمع الناس من الدعاة ديناً واحداً جاء من عند الله.
إنها الأمانة التي وضعها الله في عنق المسلمين والأمة المسلمة.
 
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67].
 
وعن ابن عمرو رضي الله عنه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:
(بلّغوا عني ولو آية...) [أخرجه أحمد والبخاري والترمذي].
 
وآيات وأحاديث كثيرة حول هذا الموضوع.
 
إننا لا ننافس أحداً على قيادة ولا زعامة ولا أَيَّة مصالح دنيوية.
ولكننا ندعو أنفسنا وندعوكم وندعو الجميع إلى: "لقاء المؤمنين" نهجاً ومناهج وأهدافاً ونظرية عامة، ثم تنطلق لندعو آخرين حتى يلتئم صف المؤمنين صفاً واحداً كالبنيان المرصوص بإذن الله.
 
وإذا كنا ندعو إلى: "لقاء المؤمنين"، فإننا لا ندعو إلى لقاء شكلي إداري يجتمع فيه ممثلون من هنا وهناك، كلاّ! إننا ندعو إلى لقاء منهجي إيمانيّ يقوم على نهج مدروس وخطة عملية تنبع من أسس الإيمان والتوحيد، ومن منهاج الله، ومن مدرسة النبوّة الخاتمة، ومن وعي الواقع من خلال منهاج الله، ليكون اللقاء على أساس متين، لقاء قلوب وعزائم، وعلى نهجٍ محدد وخطة واضحة.
 
هذه نصيحة لله خالصة أبعثها، عسى الله أن يشرح صدورنا إلى تعاون حقٍّ كريم يرضي الله سبحانه وتعالى.
وجزاكم الله خيراً.

شارك الخبر

المرئيات-١