أرشيف المقالات

نصيحة مهمة لأهل الحديث

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
نصيحة مهمة لأهل الحديث

علمُ الحديث من أهمِّ العلوم الشرعية، ففيه بيانُ القرآن الكريم، وبالتمسك بالقرآن الكريم والسنة النبوية الهدايةُ والنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، فلا بدَّ من الاعتصام بالكتاب والسنة، والحرصِ على تعلُّمهما وتعليمهما، لكننا نجد بعضَ طلاب العلم يهتم بالحديث أكثرَ من القرآن الكريم، فإياك يا طالب الحديث والانشغال بالحديث عن القرآن، فكم في الأحاديث الصحاح من الترغيب في تعلم القرآن وتعاهده والإكثار من تلاوته وتدبره ومدارسته، والحث على اتباعه والتمسك به، وكم في كتب الحديث من أبواب في فضائل القرآن الكريم، وكثير من أئمة الحديث كانوا من حفاظ القرآن الكريم المتقنين، ومن علماء التفسير، فسعيد بن المسيب ذكره ابن الجزري في طبقات القراء، وكذلك محمد بن شهاب الزهري كان من حفاظ القرآن، عرض القرآن على أنس بن مالك وعلى سعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج راوية أبي هريرة كان من القراء الكبار، وعرض القرآن على أبي هريرة وابن عباس، وكان ممن يكتب المصاحف، وعرض عليه القرآن نافع بن أبي نُعيم أحد القراء السبعة، وكان الحسن البصري وقتادة من قراء القراء، وعلماء التفسير، وقرأ أبو إسحاق السبيعي مُحدِّث الكوفة القرآن على أصحاب عبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب، وكان يقرأ القرآن كل ثلاث ليال، وكان عمرو بن دينار مُحدِّث مكة من القُرَّاء المتقنين، ومن المتعبدين، كان يجزئ الليل أثلاثًا، ثلثًا ينام، وثلثًا يُراجع الأحاديث التي كتبها عن شيوخه، وثلثًا يُصلِّي، وكان سليمان الأعمش أقرأ الناس لكتاب الله، أخذ القراءة عن عاصم أحد القراء السبعة، وعرض عليه القرآن حمزة الزيات أحد القراء السبعة، وحين أراد ابن جُريج المكي أن يطلب العلم عند عطاء بن أبي رباح بدأ أولًا بحفظ القرآن الكريم، ثم لزمه سبع عشرة سنة، وكان يكثر من قيام الليل لتلاوة كتاب الله، وألَّف كتابًا في التفسير ضمَّنه شيخ المفسرين ابن جرير الطبري كتابه، ففي تفسير ابن جرير أكثر من ألفين وخمسمائة رواية في التفسير عن ابن جُريج، وكان الأوزاعي مُحدِّث الشام إذا رأى طالبًا صغيرًا في مجلسه يسأله عن حفظه القرآن، فإن كان حافظًا للقرآن أذن له في الجلوس في حلقته بعد أن يختبره في حفظه، وإن كان لا يحفظ القرآن قال له: اذهب تعلَّم القرآن قبل أن تطلب العلم، وكان شُعبة أمير المؤمنين في الحديث عالِمًا بتفسير القرآن، ويحث طلاب الحديث على الاعتناء بكتاب الله، وينهاهم عن الانشغال بالحديث عن حفظ القرآن وتدبره، وكان أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري من حفاظ القرآن الكريم، وكان مجتهدًا في العبادة، يصلي ما بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، ويطيل السجود جدًّا، وهو من القُرَّاء المشهورين، عرض القرآن من أوله إلى آخره على شيخه حمزة الزيات أربع مرات، وكان حمَّاد بن سلمة من حفاظ القرآن، روى القراءة عن قارئين مشهورين من القراء السبعة، وهما: عبد الله بن كثير المكي وعاصم بن أبي النجود الكوفي، وكان حمَّاد لا يُحدث طلابه بحديث في مجلس السماع حتى يقرأ أولًا مائة آية نظرًا في المصحف، وكان الليث بن سعد مُحدِّث مصر من قراء القرآن المذكورين، وتلا الإمام مالكٌ القرآن على نافع أحد القراء السبعة المشهورين، وأخذ عبد الله بن المبارك مُحدِّث خراسان القراءة عرضًا عن أبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة، ولما مات ابن المبارك رآه تلميذه نوفل بن مُطهر في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي برحلتي في الحديث، عليك بالقرآن، عليك بالقرآن، وكان هُشَيم بن بشير مُحدِّث بغداد محافظا على قيام الليل، وصنَّف كتابًا في تفسير القرآن، ضمَّنه ابن جرير في تفسيره، ففي تفسير ابن جرير أكثر من سبعمائة رواية في التفسير عن هشيم، وكان يحيى بن سعيد القطان مُحدِّث البصرة يختم القرآن كل يوم، وكذلك كان وكيع بن الجراح مُحدِّث الكوفة، قال يحيى بن أكثم: صحبت وكيعًا في الحضر والسفر، وكان يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة! قال الذهبي معلقًا على هذا الخبر العجيب: هذه عبادة يُخضع لها، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة، فقد صح نهيه عليه الصلاة والسلام عن صوم الدهر، وصح أنه نهى أن يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث، والدين يسر، ومتابعة السنة أولى، فرضي الله عن وكيع، وأين مثل وكيع؟! قلت: فليتنا نستقيم على ختم القرآن كل شهر، والله المستعان!
 
وكان سفيان بن عيينة مُحدِّث مكة من قراء القرآن، عرض القرآن على عبد الله بن كثير المكي أحد القراء السبعة، وكان مع شهرته بالحديث من علماء التفسير، قال عبد الله بن وهب: لا أعلم أحدًا أعلم بتفسير القرآن من ابن عيينة، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحيي الليل بالعبادة، وكان ورده كل ليلة نصف القرآن، وكان يزيد بن هارون الواسطي يحيي الليل بتلاوة القرآن، ويكثر من صلاة النافلة ليلًا ونهارًا، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، فلما ضعف كان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وكان يقرأ كل يوم سُبُعًا من القرآن، وكان لا يترك صوم الاثنين والخميس وأيام البيض، وحفظ الإمام البخاري القرآن الكريم وهو غلام صغير، وكان من حفاظ القرآن المتقنين، ومن علماء التفسير، وقد عقد في صحيحه بابًا في تفسير القرآن وفي فضائل القرآن، وأوسع كتاب في صحيحه هو كتاب التفسير، فيه خمسمائة حديث، وكان البخاري كثير التلاوة لكتاب الله، قال تلميذه محمد بن أبي حاتم الوراق: كان البخاري يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة، وروى الخطيب البغدادي عن أبي جعفر بن سعيد البخاري قال: كان محمد بن إسماعيل البخاري يصلي بأصحابه التراويح إلى أن يختم القرآن بهم في شهر رمضان، وكان يختم عند السحر في كل ثلاث ليال، وكان في رمضان يختم في النهار كل يوم ختمة!

فَتشبَّهُوا إن لم تَكُونُوا مِثْلَهم
إنَّ التَّشبُّه َبالكِرَامِ فَلاَحُ

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢