أرشيف المقالات

إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
 
عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص أَنَّهُ قال: أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ رَهْطاً وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ، قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللّهِ مِنْهُمْ رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ، وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللّهِ مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ وَاللّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا، قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا»، فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا، قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا» فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا، قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا»، قَالَ: «إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ».
 
وعند البخاري من حديث عمرُو بن تَغلِبَ «أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعطى رِجالًا وتركَ رجالًا، فبلغَهُ أَنَّ الذينَ تَركَ عَتبوا، فحمِدَ اللهَ ثمَّ أَثنى عليه ثم قال: « أَمّا بعدُ فواللهِ إِني لأُعطِي الرجُلَ وأدع الرجل والذي أَدَعُ أَحبُّ إِليَّ من الذي أُعطِي، ولكنْ أُعطِي أَقوامًا لِما أَرَى في قلوبِهمْ منَ الجَزَعِ وَالهَلَع، وَأَكِلُ أَقوامًا إِلى ما جعلَ اللهُ في قلوبِهمْ مِنَ الغِنى والخيرِ، فيهم عمرُو بنُ تَغلِبَ» فواللهِ ما أُحبُّ أَنَّ لي بكلمةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَم.
 
شرح ألفاظ الحديث:
((رَهْطًا)): أي جماعة، والرهط في الأصل: عشيرة الرجل وأهله، والرهط من الرجال: ما دون العشرة؛ [انظر النهاية مادة (رهط)].
 
((فَتَرَكَ رَسُولُ اللّهِ مِنْهُمْ رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ)): الرجل المتروك اسمه جعيل بن سراقة الضمري - رضي الله عنه – سماه الواقدي في المغازي؛ [انظر الفتح " كتاب الإيمان " حديث (27) " باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة "].
 
((وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ)): أي أفضلهم وأصلحهم في نظري واعتقادي.
 
((فَسَارَرْتُهُ)): أي حدثته سرًّا.
 
((وَاللّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا)): (لأَرَاه): بفتح الهمزة أي (لأعلمه)؛ لأنه قال بعدها: (ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ)، وقيل: بضم الهمزة (لأُراه)؛ أي: لأظنه أي فيما يغلب على الظن.
 
((خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ)): أي أني أتألف قلبه بالإعطاء، وخشية أن يكفر إذا لم يُعط فيُلقى في النار على وجهه.
 
((لِما أَرَى في قلوبِهمْ منَ الجَزَعِ وَالهَلَع)): الجزع: الضجر، والهلع هو أشد الجزع.
 
((حُمْرَ النَّعَم)): هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وأنه ليس هناك أعظم منها عندهم.
 
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على تقديم المؤلفة قلوبهم وهم أحد أصناف الزكاة الثمانية – كما سيأتي قريبًا – على غيرهم من الناس من أهل الفضل والإيمان، وذلك مراعاة للمصلحة العامة في إنقاذه من ضعف إيمانه الذي ربما يتحول إلى ارتداد عن الدين، ثم انكباب في نار جهنم، وفي هذا دلالة على عطف النبي - صلى الله عليه وسلم – على ضعفاء الإيمان، وجواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم.
 
الفائدة الثانية: مراجعة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه – للنبي - صلى الله عليه وسلم – وردُّ النبي-صلى الله عليه وسلم- عليه فيه عدة أمور:-
أولاها: جواز الشفاعة إلى ولاة الأمر وأهل الخير والفضل فيما ليس محرم وتكرار ذلك.
 
ثانيها: أن الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان بها؛ لقول سعد - رضي الله عنه - (فَسَارَرْتُهُ)، بل ربما يكون الإسرار واجبًا إذا كان الإعلان يؤدي إلى مفسدة، ولاشك أن الإسرار أدعى لقبول المنصوح.
 
ولذا يقول الشافعي:

تعمَّدني بنصحك في انفرادي
وجنِّبني النصيحة في الجماعهْ

فإن النُّصح بين الناس نوعٌ
من التوبيخ لا أرضى سماعه

وإن خالفتني وعصيتَ أمري
فلا تجزَع إذا لم تُعطَ طاعهْ

 
ثالثها: التوقف في الثناء على الرجل في الأمر الباطن دون الأمر الظاهر، فإن قول النبي (أَوْ مُسْلِمًا)، ليس فيه إنكار أنه مؤمن، بل معناه النهي عن القطع والجزم بالإيمان، وأن لفظة الإسلام أولى وأليق به، لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر، وأما الإيمان فباطن لا يعلمه إلا الله تعالى.
 
رابعها: التوضيح والبيان فيما يستشكل على أفهام الغير جراء تصرف في موقف تبعًا لمصلحة قد تخفى على الغير، وذلك ليطمئن ويزول عنه اللبس، فقد يفهم من التصرف شيئًا آخرًا وفهمًا خاطئًا.
 
الفائدة الثالثة: الحديث فيه دلالة على أن بين الإسلام والإيمان فرق إذا اجتمعا، وأن الإسلام يتعلق بالأعمال الظاهرة والجوارح، والإيمان يتعلق بالأعمال الباطنة، وتقدم بيان ذلك في أول كتاب الإيمان في حديث جبريل، وأن التحقيق فيهما أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
 
الفائدة الرابعة: الحديث فيه ردٌّ على غُلاة المرجئة والكرامية الذين أطلقوا صحة الإيمان بمجرد الإقرار باللسان، فمن نطق بالشهادتين فهو مؤمن وإن لم يعتقد بقلبه، وهذا مذهب باطل يجعلنا ندخل المنافقين في الإسلام، وهذا مخالف لإجماع المسلمين والنصوص الدالة على كفر المنافقين الذين يقولون ولا يعتقدون.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢