أرشيف المقالات

تخريج حديث قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في ركعتي سنة المغرب

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
تخريج حديث قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في ركعتي سنة المغرب
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد سمعت مقطعًا صوتيًّا لأحد طلبة العلم يقول: إن قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنة المغرب من السنن المهجورة، وبعد مراجعتي لكلام أهل العلم من أئمة النقد من المحدثين المتقدمين وجدت أن هذا الحديثَ معلولٌ وضعيفٌ، وسوف أنقل كلامهم في بيان ذلك الأمر.

روى النسائي في سننه (2 /170) قال: أخبرنا الفضل بن سهل قال حدثني أبو الجواب قال حدثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحق عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر قال: "رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد".

والحديث رواه أيضًا النسائي في سننه الكبرى (1064) والطبراني في معجمه الكبير (13564) من طريق الفضل بن سهل الأعرج.

والبيهقي في سننه الكبير (3/ 43) من طريق محمد بن إسحاق الصاغاني.

كلاهما (الفضل ومحمد) قالا: حدثنا الأحوص بن جواب، عن عمار بن رزيق به.

ورواه أحمد في مسنده (8 /381) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر به نحوه.

ورواه غيرهم من طرق أخرى عن أبي إسحاق السبيعي به.

وقد حسن الترمذي حديث ابن عمر في ركعتي سنة الفجر فقط، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للترمذي (2/276)، وحسن الشيخ الألباني إسناده في تخريج سنن النسائي.

وصححه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيقه للمسند (8 /381).

لكن من خلال قراءتي لكلامهم ظهر لي أنهم - رحمهم الله - لم يطلعوا على كلام الأئمة المتقدمين في تعليل وتضعيف حديث ابن عمر، وسأذكر الآن كلام الأئمة المتقدمين فيه.

1- قال البخاري في "التاريخ الكبير" في ترجمة أَبُي بكر بْن أَبِي يحيى (9/11):
(أَبُو بكر بْن أَبِي يحيى قَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي يَحْيَى التَّمِيمِيَّ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ رَكْعَاتٍ فِيهَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ.

وقَالَ مُسْلِم نا أبان سَمِعَ أنس بْن سيرين عَنِ ابن عمر حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مثلَهُ.

وَقَالَ عارم نا حماد عَنْ أيوب عَنْ مغيرة بْن سلمان عَنِ ابى عمر حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مثلَهُ.

وَقَالَ نَافِعٌ وَسَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ.

ورواه ليث ابن أَبِي سليم عَنْ أَبِي مُحَمَّد عَنِ ابْنِ عمر حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم )
.

ثم قال البخاري: (ولا يصح، ورَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق عَنْ مجاهد عَنِ ابْنِ عُمَر مثلَهُ ولا يصح، والصحيح حديث حفصة.

وقَالَ جَعْفَر بْن برقان عَنْ ميمون بن مهران عن ابى عُمَر حدثتني حفصة عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ وكيع عَنْ يزيد بْن ابراهيم والمغيرة ابن سلمان عَنِ ابْنِ عُمَر حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)
.
اهـ

2-وقال ابن أبي حاتم في العلل (1 /105):
(سألت أبي عن حديث رواه أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الركعتين قبل الفجر، والركعتين بعد المغرب بـ (قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد).

قال أبي: ليس هذا الحديث بصحيح، وهو عن أبي إسحاق مضطرب، وإنما روى هذا الحديث نفيع الأعمى، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم )
.
اهـ

3-وقال مسلم في التمييز (ص 128):
(وهذا الخبر وهم عن ابن عمر، والدليل على ذلك الروايات الثابتة عن ابن عمر أنه ذكر ما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من تطوع صلاته باليل والنهار، فذكر عشر ركعات، ثم قال وركعتي الفجر أخبرتني بها حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين إذا طلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فكيف سمع منه أكثر من عشرين مرة قراءته فيها؟ وهو يخبر أنه حفظ الركعتين من حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وسنذكر إن شاء الله ما ثبت عن ابن عمر في الرواية في ذلك)
.
اهـ

ثم ذكر الإمام مسلم ما ثبت عن ابن عمر من إخبار حفصة له بصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في تطوعه في صلاته بالليل والنهار، فقال:
(فقد ثبت بما ذكرنا من رواية سالم ونافع عن ابن عمر أن حفصة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتي الفجر أن رواية أبي إسحاق وغيره لما ذكر عن ابن عمر أنه حفظ قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وهم غير محفوظ).
اهـ

4-وقال محمد بن نصر كما في مختصر قيام الليل (ص 84):
(وهذا غير محفوظ عندي لأن المعروف عن ابن عمر رضي الله عنه أنه روى عن حفصة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الركعتين قبل الفجر، وقال تلك ساعة لم أكن أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها).
اهـ

فظهر بهذا ضعف حديث ابن عمر وعدم صحته، فلا يصح في قراءة سنة المغرب سورتي الكافرون والإخلاص حديث، أما سنة الفجر فصح من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ "؛ رواه مسلم في صحيحه (726).
والله أعلم.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١