أرشيف المقالات

الوجوه والنظائر لألفاظ القرآن

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
الوجوه والنظائر لألفاظ القرآن

القرآن هو الكتاب المقدس الوحيد الذي نزل بسان عربي مبين، وتداوله الناس منذ عصر التنزيل بلغته الأصلية هذه، ولا يزالون يتداولون بها إلى الآن.

أما الكتب المقدسة السابقة فهي على العكس من ذلك، فمن المعروف أن المسيح وتلاميذه ومواطنيه كانوا يتكلمون الآرامية، بينما وصلتنا الأناجيل وبقية أسفار العهد الجديد جميعها باليونانية، يقول المدخل إلى العهد الجديد - نقلًا عن الترجمة الفرنسية المسكونية - في حديثه عن نص العهد الجديد:
"بلغنا نص الأسفار السبعة والعشرين (التي تكون التعهد الجديد) في عدد كبير من الكتب الخط (المخطوطات) التي أنشئت في كثير من اللغات..
وليس في هذه الكتب الخط كتاب واحد بخط المؤلف نفسه بل كلها نسخه أو نسخ النسخ للكتب التي خطتها يد المؤلف أو أملاها إملاء.

وجميع أسفار العهد الجديد، من غير أن يستثنى واحد منها، كتبت باليونانية..

وأقدم الكتب الخط، التي تحتوي معظم العهد الجديد أو نصه الكامل، كتابان مقدسان على الرق يعودان إلى القرن الرابع.

وأجلهما "المجلد الفاتيكاني"، سمي كذلك لأنه محفوظ في مكتبة الفاتيكان.
وهذا الكتاب الخط مجهول المصدر، وقد أصيب بأضرار لسوء الخط ولكنه يحتوي العهد الجديد ما عدا: الرسالة إلى العبرانيين 9/14-13/25، والرسالتين الأولى والثانية إلى طيموتاوس، والرسالة إلى طيطس، والرسالة إلى فيلمون، والرؤيا.

والعهد الجديد كامل في الكتاب الخط الذي يقال له "المجلد السينائي" لأنه عثر عليه في دير القديسة كاترينا، لا بل أضيف إلى العهد الجديد الرسالة إلى برنابا، وجزء من الراعي لهرماس، وهما مؤلفان لن يحفظا في قانون العهد الجديد في صيغته الأخيرة[1].

والخلاصة أن: جميع أسفار العهد الجديد وصلتنا باليونانية، وهي لغة أخرى مختلفة تمامًا عن الآرامية التي تكلم بها المسيح وتلاميذه ومعاصريه، ومن ثم فهي تراجم.
وكل التراجم مشكوك في مصداقيتها وخاصة إذا كانت بين لغتين لا تنتميان لنفس العائلة اللغوية.

كذلك فإن أقدم مخطوطات العهد الجديد يرجع تاريخها إلى القرن الرابع، أي بعد رحيل المسيح بأكثر من ثلاثة قرون.
وأكثر من ذلك أن المجلد الفاتيكاني غير كامل، إذ ينقصه نحو خمس أسفار العهد الجديد، والأخطر من ذلك أنه "مجهول المصدر وقد أصيب بأضرار"!

وقل مثل ذلك على لغة التوراة التي جاء بها موسى، فلقد كان موسى الذي تهذب "بكل حكمة المصريين" - كما يقول سفر أعمال الرسل - وكان قومه الإسرائيليون الذين استوطنوا محافظة الشرقية في مصر، يتكلمون جميعًا لغة قدماء المصريين، وما كانت العبرية قد ولدت بعد.
فيعقوب أبو القبيلة الإسرائيلية كان كما تصفه التوراة: "آراميًا تائهًا" تثنية 25: 5...

القرآن - إذن - هو الكتاب المقدس الوحيد الذي بين أيدي الناس جميعًا في لغته الأصلية، وهي اللغة العربية.
إن هذه الحقيقة تفرض على كل باحث في القرآن أن يتسلح بفقه اللغة العربية، وإلا كان كالمغامر الطائش الذي ركب البحر وهو لا يعرف السباحة، فما لبث أن لعبت به الأمواج وأدركه الغرق فكان من المهلكين.

من أجل ذلك جاء هذا الفصل بعنوان "الوجوه والنظائر لألفاظ القرآن" ليكون عونًا على فهم كتاب الله، ومنجاة من شطط وجهل يجلب على صاحبه الخزي والعار، ويقوده ومن معه إلى الضلالة والبوار.

[1] العهد الجديد: منشورات دار المشرق - الطبعة العاشرة، ص6-7.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير